الحسين عليه السلام مظهر لجلال الله وجماله
زاهر العبدالله
قال تعالى:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) } فصلت.
مقدمة:
إن المتأمل في سيرة الحسين عليه السلام يعلم أنه عرف ربه حق معرفته فأصبح مظهراً لجلاله وجماله وأصبح شاهداً على هذه الأمة، ولو رجعنا لتفسير هذه الآية المباركة في كتاب الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي لوجدناه يستنطق معناها الدقيق والعميق من سيد الموحدين علي عليه السلام ومن مولانا الحسين عليه السلام
فيقول:
الآية في قوله تعالى: أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد إشارة إلى دليل ” الصديقين “….
ثانياً: حقيقة إحاطة الله بكل شيء يجب أن لا نتصور – مطلقا – أن إحاطة الخالق جل وعلا بالموجودات والكائنات تشبه إحاطة الهواء الذي يلف الكرة الأرضية ويغلفها، لأن مثل هذه الإحاطة هي دليل المحدودية، بل الإحاطة المعنية هنا تتضمن معنى دقيقاً ولطيفاً يتمثل في ارتباط كل الكائنات والموجودات بالذات المقدسة.
وبعبارة أخرى: لا يوجد في عالم الوجود سوى وجود أصيل واحد قائم بذاته، وبقية الموجودات والكائنات تعتمد عليه وترتبط به، بحيث لو زال هذا الارتباط لحظة واحدة فلا يبقى شيء منها.
إن هذه الإحاطة نتلمس كنهها وحقيقتها في الكلمات الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
إذ يقول: ” مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة “.
وقد نلمح هذا المعنى بعينه فيما ذكره الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة ذي المحتوى العميق، إذ يقول فيه: ” أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا .. أنتهى١ الشاهد: إن تجلي التوحيد في نفس الحسين عليه السلام جعله يكشف أمراً غاية في الدقة حيث من عادتنا في البحث عن الخالق أن نبدأ بالمخلوقات والآثار إلى أن نصل إلى الخالق وهذا ما يسمى بقوس الصعود، ولكن الحسين عليه السلام بدأ بالعكس تماماً حيث بدأ من الخالق سبحانه مبيناً أن حقيقته سبحانه وتعالى متجلية لا يشوبها شك ولا ريب ولا شبه في قلب كل حر وعى الوجود فقال روحي له الفداء ( أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ).
فمثل هذه البصيرة العميقة يجب أن تكون لها ثمرات منها:
١-رفض كل ما من شأنه أن يلوث الروح من متاع الدنيا وزخارفها.
٢-أن لا يدع الخلق في تيه وقد علم عمق هذه المعرفة الحقة.
٣-فإذا وجد من يحرف الناس عن خالقها وجب عليه التصدي بحزم وعزم صادقين ليردها إلى رشدها حتى لو كان الثمن روحه المقدسة.
٤-إذا رفض الناس هدايتهم فبئس الحياة التي لا ترى الله تعالى في كل الشؤون فيكون كما قال الحسين عليه الصلاة والسلام : ( لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ) ٢.
٥-حالة الإشفاق والرحمة على الأمة تدفع ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أن يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وأن يضحي بمهجته في سبيل أن يرفها عن ظلمات الغفلة وتعود إلى رشدها ويُشعل القلوب الميتة التي شغلتها زينة الحياة الدنيا.
٦-الحسين عليه السلام أراد أن يؤسس إلى حالة غيّبها ظلمات الجهل وهي الغيرة على الدين فيشعل فيها النور ومن مصاديقها فريضة سنها الله على خلقه وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال روحي له الفداء (وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي)٣
٧-الحسين عليه السلام عَرف الحق وعمِل به وعَرف الباطل وكشف عنه فأصبح هادياً لخلق الله سبحانه وحجة بالغة على عبادة ومناراً للسالكين العارفين وهم أصحابه رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم.
٨-الحسين عليه السلام نال أعلى درجات الكرامة حين ذاب بكل وجوده وعياله وأولاده وأخوته وأصحابه في سبيل الله وإعلاء كلمة العليا ورضا له وتصديقاً بكتابه فأصبح بحق مظهراً لجلال الله وجماله تجد ذلك جلياً في أفعاله ولعل أبرزها حين كان الطفل بين يديه وهو مذبوح من الوريد إلى الوريد وهو
يقول 🙁 هون ما نزل بي أنه بعين الله )٤.
٩-أصبح ولايزال الحسين عليه السلام مخلداً لأنه أعطى كل ما يملك في سبيل لله سبحانه فأعطاه الله من فضله ما نراه اليوم لأن الإسلام مرهون بوجوده فكما قيل: ( الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء )٥.
١٠-الحسين عليه السلام سيكون جمرة تحرق عروش الظالمين إلى أن يخرج قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليتمم مشروع الحسين عليه السلام وينفذ مشروع وحلم الأنبياء والمرسلين.
حريٌّ بنا أن نفخر بالحسين عليه السلام ونتمسك به ما بقية أرواحنا في أبدانها طول الدهر ونضحي من أجله في سبيل الله تعالى ما أسس له من قيم وأخلاق وصلاح وصلاة وتلاوة لكتاب الله سبحانه وتعالى فالسلام عليك سلام من يرجو زيارته في الدنيا و شفاعته في الآخرة.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين والحمد الله رب العالمين.
٢٨ / ١١ / ١٤٤١ هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
١- تفسير الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج ١٥ ص ٤٥٤.
٢-بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٤ – الصفحة ٣٨١
٣-بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٤ – الصفحة ٣٢٩
٤-بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٥ – الصفحة ٤٦
٥-مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، ج 1: الإمام الحسين (عليه السلام) في المدينة المنورة، علي الشاوي، ص 176 – 177.