الذكرى السنوية لرحيل العلامة الشيخ حسن بوخمسين
إبراهيم سلمان بوخمسين
لماذا رجـل كالشـيخ حـسن كله إيـمان؟
لكي نجيب على هذا السؤال تعالوا لنرى من هذا الرجل:
لا يختلف اثنان في الصفات التي تحلّى بها سماحة العلامة الشيخ حسن بن الشيخ باقر بوخمسين ويكاد يشترك الجميع في وصفه بها وهذا ما لمسناه في حياته وكان جلياً وواضحاً بعد وفاته، قال فتى الأحساء وقد أشار الى إجماع القوم على هذه الصفات:
أرى القوم قد أجمعوا أنما ** ذرى العلم والعون والكـرم
صفات تجـمـعن في رجـل ** هـو الــحسـن العالم العـلــم
على الرغم من الظروف الصعبة التي نمر بها من جائحة كورونا، إلا أننا رأينا كيف كان إصرار أبناء المرحوم العلامة الشيخ حسن وذويه على إقامة الذكرى الأولى على رحيله إلى الرفيق الأعلى، حيث أقيم الحفل في مسجد محمد الباقر ” مسجد بوخمسين بحضور كوكبة من المشايخ والسادة العلماء، والأدباء والشعراء، ولفيف من وجهاء المجتمع وأبناء أسرة آل أبي خمسين.
أقيم الحفل بمعية عميد الأسرة سماحة العلامة الشيخ حسين بوخمسين ورعاية نجله الأكبر رضا والشيخ عبدالله بوخمسين. وبث عبر قناتين من قنوات التواصل الاجتماعي: اليوتيوب ومنصة الزوم.
جاء الحفل فوق ما كان يتصور وحسب ما خطط له بمشاركة مجموعة لامعة من السادة والمشايخ العلماء والوجهاء والشعراء الكبار.
غطت الكلمات جانب من حياة ومواقف المرحوم المشهودة والميدانية لمجتمعه الأحسائي، وصدحت حناجر الشعراء بذكر أوصافه والثناء عليه. أختتم الحفل بقلم قصير. قدم لحفلنا هذا الشاعر الكبير السيد عبدالمجيد الموسوي وكعادته أضفى بلمساته السحرية وصوته الجهوري وحسن بلاغته وسكب عبارته حياة وحركة.
شاركنا في حفلنا هذا السيد هاشم الشخص والسيد محمد باقر بن آية الله السيد طاهر السلمان والشيخ حسين العايش والوجيه رجل الأعمال باسم الغدير. أما من الشعراء فشاركنا كل من الشاعر أمير المحمد صالح والشاعر جاسم المشرف والشاعر إبراهيم بوشفيع.
افتتح الحفل بآي من الذكر الحكيم حيث شنف أسماع الحاضرين القارئ وائل أحمد لايذ بوخمسين.
وفي تقديمه للمشاركة الأولى قال السيد عبدالمجيد: كان العلامة الشيخ حسن عظيماً في سمته وعظيماً في إخلاصه وعظيماً في تواضعه وكرمه وعظيماً في حبه للفقراء المساكين. ترفع عن الخصومات والمناكفات.
ومما جاء في كلمة المؤرخ الكبير السيد هاشم الشخص “بعنوان العمل والسلوك هو ميزان العلم”: نرى سماحة العلامة الشيخ حسن رضوان الله عليه من أفضل النماذج للعالم العامل استثمر علمه وسمعة عائلته لخدمة المؤمنين، له مواقف كثيرة يعرفها الكثيرون، أعرفه منذ ذهبت إلى النجف في أواخر القرن الرابع عشر الهجري لم يكن يوماً ما يسعى لمصلحة نفسه بل لمصلحة الآخرين، وأنا ذكرت خمس صفات من صفات الشيخ الشخصية السلوكية:
-التواضع الجم لحد الإفراط – الخلق الرفيع، يسلم ويحترم- عدم التكلف كان سهلاً جداً بشره في وجهه – الكرم والسخاء، دائماً مضيافاً بيته ومزرعته مفتوحة حتى عندما كان في النجف- والأمر الأهم خدمة المؤمنين كان يستثمر موقعه وعائلته أحسن استثمار. مثال لتواضع: الشيخ أنا رأيته بنفسي، ذهبنا لزيارة الشيخ السيد كاظم العلي في مرضه الذي توفي فيه فسلم عليه وقبل يده، ولما رأيته يفعل ذلك أيضاً أنا قبلت يده وما هذا إلا لتواضع الشيخ وهذا غيظ من فيض. نقول لذلك ليكون درساً لنا. هذا الشيخ الجليل لم يشتكي منه أحد.
وفي الفقرة الثانية وكانت شعرية، حيث قدم السيد عبدالمجيد للشاعر الكبير أمير المحمد صالح، رحل الشيخ حسن خفيفاً متخففاً نقياً طاهراً كنسمة صباح وهذا ما عبر عنه الشاعر الكبير جاسم الصحيح في رثائه:
بـالأمـسِ حـارَ مُـشَيِّعُوكَ؛ فـحِينَمَا ** حَـمَـلُـوكَ، لــم تُـرهِـقْ لَـهُــمْ أكـتافا
سَـأَلُوا بِـكَ الــتابـوتَ قـالَ: بصَمتِهِ** الــمُـتَّـــقُـونَ يُــغــادرونَ خِــفـافـا !!
مَرُّوا عـلى الـدنـيا مرورَ ضِـيافــةٍ ** ومَــضَـوْا كـأنـسامِ الـصـباحِ رِهـافـا
أَ(أَبا رِضًـا) وأَرَاكَ مِــنـهُــمْ واحــدًا ** عـــاشَ الـحـيـاةَ طــهـارةً وعــــــفـافا
لقد حلق شاعرنا أمير صاحب الابتسامة الرائعة عالياً في سماء الشعر في قصيدته ” سر في صلب موسى”:
شــيـخٌ تَزَاحَـمَــتِ القلوبُ ببابِهِ .. هل تُـدركُ الأيـامُ ثِـقْـلَ غـيابِهِ؟
عامٌ مَضَى، والشيخُ فينا لم يزلْ .. حيَّاً، ومازالَ الـنَّـدى بِـسحـابِهِ
عامٌ تخَـطَّــفَهُ الغيابُ، ومَا دَرَى .. أَنَّ الـخـلـودَ مُــلازمٌ لــجــنابِهِ
فاخـتـارَ يــومَ اللهِ يومَ عُروجهِ .. حتى يــنالَ بـهِ جـزيلَ ثـوابِهِ
الى أن يقول:
جَـدٌّ كـ (مـوسـى) قـد تأذَّنَ ربُّــه .. أنْ يصطفـيكَ فكنتَ في أصلابِهِ
ضَرَبَتْ عصاهُ الصَّخرَ فانفجرتْ له .. عـينُ العـلومِ فـضَمَّها لعُـبابِهِ
علْمٌ وأسـرابُ الـرواةِ تــواتــرتْ .. عـنه، فكـنتَ الصَّقرَ في أسرابِهِ
بــاقٍ ومـيـراثُ الأُبــوةِ شِــرعةُ.. الرَّحــمـنِ فـصَّلَها بـيـانُ كـتابِــهِ
من (بـاقرٍ) حُـزتَ الفضائلَ والتُّـقى .. والعـلمَ والأخــلاقَ مـن آدابِهِ
حَـسَنُ المُـروءةِ والعـطاءِ، وبيتُكَ .. المَأْوَى يحـجُّ الـمعــوزونَ لِـبَابِهِ
وعودة للكلمات وتقديماً لكلمة سماحة السيد محمد باقر بن آية السيد طاهر السلمان ” حضور العالم في ساحة المحشر ” قال السيد عبدالمجيد ومما عرف عن سماحة الشيخ إقدامه وجرأته وهذا معروف للجميع ومنها موقفه من المطالبة بتعديل اللائحة التنفيذية لعمل قاضي الأوقاف والمواريث وهيئة التدقيق، حينما كان قاضياً مساعداً في المحكمة الأوقاف والمواريث الذي كلّفه بالنهاية فقدان منصبه.
وجاء فيها:
كان بمثابة الأب والمربي عايشناه في دار بالنجف فشملنا برعايته وعطفه وتعلمنا منه التواضع ومحاسن الأخلاق وكانت داره بالنجف بمثابة الدار الثانية لنا، وصلت به المحبة لنا ولوالدنا بمثابة الأخوة.
ونعود لحناجر الشعراء لتصدح لنا مرة أخرى بالشعر ومع الشاعر والباحث والكاتب جاسم المشرف في قصيدة ” شيبة الجود”، حيث قدم له عريف حفلنا بهذه الأبيات المعبرة:
أبـتي تـعـجـلت الرحــيل مـبـكـراً.. هـلا بـقـيـت فـللهـوى ميقات
أنى اتجهت اراك في افق المدى .. فبغير طيفـك ما هناك جهات
قال جاسم في شيبة الجود:
يا كـتاباً ســطـورُهُ الـرَحـمـاتُ .. وحــروفاً إيـقـاعُـها نَـبِــضاتُ
أنـتَ حـجٌّ إذا سعى مِـنـكَ جَــاهٌ .. وصـلاةٌ تــغـارُ مِــنـهُ الصلاةُ
كـم تـبــدَتْ حــروفُ سِـفـركَ .. بالحـبِّ وكم تـستـفـيقُ منهُ الحياةُ
كم تــناهى إلــيـكَ صوتُ فقيرٍ .. فاستـقـرتْ بـراحـتــيـكَ الـنــجاةُ
الى قوله:
تَـسـتــضيءُ الأيامُ مِـن شـيـبةِ .. الـجـودِ بـهاءً ويـسـتـنـيـــرُ الأباةُ
كَـفُّـهُ والـندى تَماهتْ معَ الجودِ ..عـطاءً يــفـيـضُ فــيــهِ الـــرواةُ
فإذا جـاءَ جاءَ نــهـرٌ مــن الـودِّ .. وإنْ غـابَ غـابـت الأُعـطـيـاتُ
وإذا الـــدربُ أوعـرتـه حَـزونٌ .. ســارَ فــيـهِ فـتـنـقـضي حاجاتُ
شَـهـدَت بَـذلَهُ دروبٌ بـكـوفـان .. ودورٌ ودجــــــلـــــةٌ وفــــراتُ.
وكان لا بد للوجهاء من كلمة بحق الراحل العظيم فكان خير من يمثلهم رجل الأعمال الشيخ باسم الغدير. قال معرف الحفل أشهد له بهذه السجية: تجد الشيخ رحمه الله ليس بفواتح كبار القوم بل وفي فواتح الفقراء سواء لمن يعرفه ولمن لا يعرفه.
ومما جاء في كلمة الوجيه الشيخ باسم:
كان سماحة العلامة الشيخ حسن غني عن التعريف لما كان له من العطاء لمجتمعه. تجده متواجداً في كافة المحافل متكلماً وواعظاً ومشاركاً وداعماً لما يملكه من إمكانات في سبيل الله. تجده سباقاً لحل المشكلات وإصلاح ذات البين.
تلاها كلمة أخرى لسماحة العلامة الشيخ حسين العايش متحدثاً عن شفافية الشيخ وترابيته، قدم لها السيد عبدالمجيد بهذه الأبيات المعبرة:
يا خـيـمة أثــثــت إيــوان فـسحـتها .. وفـيـؤها لخطى الأضياف منـجذب
يا نــخــلة ظـلـلـت من طهر منبتها .. كل الحـيارى ومـن آياتـها الـرطب
سـحابة أنــت ما خانـت بــواعــثها .. وما استكانت ففاضت حولها القرب
جاء فيها:
تحدث عن مفهوم التكلف في الآية الشريفة ” قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ” وأنها ترسم نهجاً لمن سار على طريق الأنبياء والرسل والصالحين وإنها تعتمد على أمرين: الأول- من أن من يعمل يبتغي الأجر من الله سبحانه وتعالى. الأمر الثاني- لا يتكلف بمعنى أن أعماله تأتي عفوية وتلقائية دون حسابات شخصية ولذلك الناس يحبونه. وأن التكلف يصنع الحواجز ويعرقل العمل العمل. بعض علماؤنا عنده هذه الصفة الجميلة وينجز اية مهمة وعمل ولو على حساب نفسه وما استشفيناه من شخصية العلامة الشيخ حسن، وما سبرناه من خلال التعامل في مواقف متعددة هو عفوي الاهي، أي يسير في ركاب الله وأنبيائه، أي لا يريد الأجر من الناس إنما من الله سبحانه وتعالى وهذه تنم عن جانب من الطهارة وسمو النفس وأنه جسد هذه الفضيلة الأخلاقية.
دوحتنا الشعرية في هذه الذكرى تتحفنا بشاعر آخر كبير هو إبراهيم بوشفيع وقصيدة من قصائده الرائعة بعنوان ” رحيل لا يحسن السكوت عليه”. وفي هذه الفقرة كالعادة في ربطه للمواضيع وجذبه للمستمع يقدم سيدنا الموسوي هذه الأبيات الجميلة:
دمــــع يـــســـح وآهـة ونـــعـــاة .. فـلمثـل روحك تـسكب العبرات
ما إن نــعــوك على الـمآذن فـجأة .. حتى عــلـت لرحــيلك الآهـات
يـمـشون والآهات تسـبق خطوهم .. وبـقـلـبـهم تـتـهافــت النـبضات
دفـنوك والأهـلون يطفـح شجوهم .. والـدمع مـنـهـم دجـلـة وفــرات
افتتح شاعرنا الكبير ابراهيم قصيدته بهذه الأبيات المؤثرة:
بالغـتَ في الإيـجاع يا قــدرُ .. حـتى بكى لمـصابـنا الحــجـر
في كـل يــوم تـستـبـيـح بـنا …حـقـلا من الألطاف يـشـتــجـر
ما ثـمَّ صـبحٌ جـاء مبـتـسماً .. إلا ووجــه اللــيل مـعـــتــكــرُ
عام مـضى بالحـزن مــدَّثرُ .. ومـواجـع تــطفـو وتـسـتـــتـرُ
قل لبن باقر وهْو مضطجع .. في تــربـه، لا مــسَّـه الـكـــدر
فارقـتــنا والعـطـفُ منكسر .. وتـركــتـنا والجـود يُـحتـضـر
تـبكـيك في الأحـساء ساقيةٌ .. والـتمـر والـريحان والـشـجـر
الى أن يقول وقد أجاد:
” حسنُ ” السجايا لم تزل لأبي .. خمسين تنتمي، محتد عطِرُ
فمعين ” باقرَ” فيك منبجسٌ .. وبهاء ” موسى” فـيـك والأثـرُ
طال ارتحـالك عن نواظـرنا .. فـمـتى تعودُ ويـنـتهي السفــرُ؟
وجاءت كلمة العائلة وكلمة الشكر لهذه الذكرى والحفل بعبارات خرجت من قلب موجع مكلوم ودخلت قلوب الحاضرين بلا استئذان من نجل العلامة الشيخ حسن ألا وهو الشيخ عبدالله. نعم كما قدم له السيد عبدالمجيد، رحل الشيخ وله من اسمه الكثير الكثير فلقد كان حسناً في خُـلقِه وخَـلْـقِه يقول شاعرنا الكبير جاسم عساكر:
تبـتْ قـصائـدُنا الـبلهاءُ إن وقفتْ .. على غصونِ الأسى يوماً لِتنعاكا
فليسَ مثلُك من يُنعى وقد شهدتْ .. أيامُـنا فــيكَ ما يـدعـو لِـمَـحْــياكا
يـفـوحُ أمسُـكَ في أرواحِـنا أرَجاً .. كأنّـنا مـذ سـتـرنـاهُ، فــضـحــناكا
بعد مضي عام على رحيل سماحة العلامة الشيخ الوالد أقف أمامكم لكي أقدم همسة وفاء لوالدي إن كان هذا في ظنكم فلنعم الظن وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم للخير والصلاح.
ومن مقطع لكلامه: كان الوالد مصداقاً لقوله تعالى:” وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” ومن تلك الشواهد في حياته أنه كان يقرب الناس اليه لأنه يملك جاذبية بين القلوب المتعطشة لحنانه الأبوي ولم يكن الأب ممن ينفر الناس عن بابه وعن مجلسه وكان هم الوالد رحمه الله التفاف الناس بعضهم ببعض وترابطهم وتوادهم.
كان كثيرا ما يدعو المؤمنين لضيافتهم سواء من الأغنياء أوالفقراء وكان كثيراً ما يكون ذلك في المزرعة فكان أول ما يأمر بأن تعطى صينية من الطعام للعمال فكنا نقول له نعطي العمال بعد ذلك احتياطاً لمجيء بعض الضيوف المتأخرين فكان يرفض ذلك ويأمر بتقديمهم ومع ذلك كان يبقى لا يأكل مع الضيوف وبعد انتهائهم يجلس مع العمال ليأكل من باقي الطعام وكأنه بذلك كان يمثل تلك الروح النبوية التي ترفعت في صدره رحمة الله عليه.
ومن الشواهد لحياة الوالد رحمه الله كان مجلسه عامراً بطيب النفس والبساطة. لقد كان والدي هشاً بشاً فكاهياً لا يتزمت بعباءته يضحك ويبتسم مع القريب والبعيد، ويتبسط مع من يعاشره ويجالسه.
أيها الأحبة لقد أبديتم مشاعر الحب الصادقة والعزاء الجميل لهذه الشخصية العظيمة التي وفيتم لها كما كانت وفية لكم.
وختام الحفل كان فيلماً وثائقياً قصيراً يوثق سيرة الراحل العظيم من لدن ولادته بالنجف الأشرف إلى رحيله في يوم من أيام الله يوم التاسع من ذي الحجة عام 1441هـ ….رضوان الله عليه.