ياحسين بضمايرنا
سلمى ياسين بوخمسين
بمجرد ذكر الإمام الحسين يردد عقلي قبل لساني قصيدة المرحوم الشيخ ياسين الكوفي، فكلماتها خطت في قلوب المحبين والمواليين لرسول الله محمد وآله الاطهار سلام الله عليهم التي يقولى في مطلعها:
يا حسين بضمايرنا صحنا بيك آمنا
لا صيحة عواطف هاي لا دعوة ومجرد راي
هذي من مبادئنا صحنه بيك آمنا.
هذه الكلمات مطلع لقصيدة رائعة اختصرت قضية الحسين في كلمات وسطور، وأصبحت تراجيدية يتردد صداها في كل مجلس حسيني. حفظت في قلب كل إنسان يعتقد بمبادئ الإنسانية وأخلاقياتها،
فالحسين قضيته عامة وليست خاصة للشيعة أو المسلمين.
وهذا سر خلود الحسين فثورته مبنية على الإصلاح، وهذا ما صرح به حينما قال: لم أخرج أشراً ولا بطراً، بل خرجت للإصلاح في أمة جدي.
وها هو محرم أقبل علينا بعبرته وعبرته، وأصبح أصحاب المجالس الحسينية في حيرة من أمرهم، فعام 2020 وفيروس كورونا أبى إلا أن يترك بصمته في كل مناسباتنا الدينية والحياتية، وجعل العقول تفكر وتبدع في طرق جديدة للعطاء والاتصال. فالصدقة والهدية والعيدية أصبح إيصالها أسرع وأسهل، بضغطة زر في المحمول يدخل السرور للقلوب وتقضى الحاجات.
وكما صلة الرحم ورؤية الأحباب لم تعد تحتاج لقطع المسافات بل الشخص وهو جالس في بيته يستطيع أن يصل رحمه، فيراه ويسر قلبه ويطمئن على أحبته. فإن تباعدت الأجساد فالأرواح تجتمع، وأن كان اللقاء ناقصاً فالقليل خير من الحرمان.
وشهر الرحمة نال نصيبه من كورونا، وربما زاد أجر وثواب المتلهفين للقاء الله في ليلة القدر، فحولوا بيوتهم لمساجد وطهروها بالذكر والعبادة، وشارك في إحيائها الصغير والكبير، والملائكة والروح تنزلت على من دعاها إلى مأدبة الرحمن، فشاركوهم ليلة خير من ألف شهر، كذلك إحياء ذكرى مصاب أهل بيت رسول الله، ولا سيماً مجالس عاشوراء الحسين لن تحده جدران، ولن يقتصر على من يسبق لدخول الحسينيات وتقفل الأبواب في وجهه بعد اكتمال عدد الخمسين، فتكسر قلوب من أدمن حضور مجلسه من كبار السن، وحرم البركة معه من لم يبلغ الحلم وهم من نسعى لزرع الولاء في قلوبهم من الأطفال، فمجالس الحسين لا شكل لها ولا يحدها مكان، فهي مشرعة على مصراعيها، ووسائل التواصل الإلكتروني وشاشات التلفاز والمحمول ستنال شرف استقبال ونشر مجالس الحسين لتحول كل بيت إلى مجلس للحسين. ومن يريد أن ينال شرف حضور فاطمة الزهراء في مجلسه لينصب مجلس العزاء في بيته، وكما وضعت القوانين واحترازات السلامة للحسينيات فبضعة رسول الله أيضاً تملي قوانينها لمن يقيم أو يحضر عزاء أبنائها، فليصفي نيته لله ويحسن خلقه ففي حضرتها لا يجلس غشاش وخائن للعشرة أو سارق ولا منافق، وفي مجلسها لا تستقبل كاذب أو مغتاب ولن تقبل بدموع التماسيح المتساقطة من أعين اللمازين والهمازين، بل تتحول لحميم يحرق وجوههم ،وبركتها لا ينالها ظالم لزوجه وعاق لوالديه أو مهمل لأبنائه،
فالحسين رفقته عبادة، وحقه لله وصدق مع النفس قبل الناس، وأمانه معلقة في الأعناق، ونصرة لأي مظلوم واستغفار دائم من أي ذنب، واعتراف بأي خطأ أو تعدٍ على حقوق الغير، وبالطبع هذه الاخلاقيات والمبادئ لاتحد بجدران ولا مسميات، فلنسكب العبرة على الحسين، ولنستفذ من العبرة التي تلقى على منابره سواء في بيوتنا أو في الحسينيات أو حتى الشوارع. وهذا العام أبى إلا أن يحقق المقولة: (كل أرض كربلاء ) فمجالس الحسين نصبت منذ الأزل في قلوبنا وعقولنا قبل بيوتنا ومجالسنا.
أما البركة التي تعودنا على تطهير بطوننا بها وكل عام تتعالى الصرخات وتندد بالتبذير فالمجال مفتوح للجميع أن يبدع في طريقة إيصالها، فمن يشبع جوع البطون بتوزيع قيمة بركته قسائم شرائية للمحتاجين، ومن يرمم بيتاً متهالكاً ليحمي رؤوس يتامى أو مساكين من حرارة الشمس وبلل المطر ،ومن يشارك في إطعام جوعى في بلاد نائية تموت بالألاف من جراء الجوع كل عام، ومن حفر بئراً في صحراء قاحلة ليرتوي منها بشر يكتوون من الظمأ، وخط على البئر اسم الحسين سلام الله عليه، ومن وزع بركته على مرتادي الحسينيات والمآتم والبيوت، كل من بذل لوجه الله وفي حب سبط الرسول الأمين سوف يأخذ الأجر من الله وبركته من فاطمة الزهراء بشرط أن تُقدم باسم ابنها الحسين ليصل خبر الحسين لكل بيت وكل واد ومكان، وليعرف من يجهل قضية الحسين بان خروجه للإصلاح في أمة جده سيستمر ليوم الدين عبر محبي وعاشقي وحاملي مبادئ وأخلاقيات الحسين(ع).