أقلام

هل نحن مستمعون واعون للخطابة الحسينية

زاهر العبدالله

قال تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} . قال أمير المؤمنين عليه السلام: (يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها).

مقدمة:
إن أحد تعاليم الحسين عليه السلام هي تحرير العقول بالتفكر والتدبر وسعة الاطلاع، وأن نكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه. كما علينا أن نملأ عقولنا بالعلم والمعرفة السليمة المستمدة من فكر أهل البيت عليهم السلام، ولكي نصل إلى ذلك علينا بالحضور المكثف في المجالس الحسينية التي تعد جامعة فكرية على مختلف الأصعدة. وأرجو أن لا نحضر حضور الأجساد فقط، بل علينا أن نحضر حضور القلب الواعي والمتأمل والناقد والجامع بين مختلف الأطروحات التي يتناولها المنبر الحسيني من ألسنة الخطباء سددهم الله بالقول الصادق من علوم أهل البيت عليهم السلام.
وسيكون بحثنا في هذه الهمسة في أذن أعزائي القراء، وإن طال البحث فأرجو المعذرة.

والنقاط هي:
1) ما هو الفرق بين السماع والاستماع؟
2) ما هي أدوات ودعامات الاستماع الواعي؟
3) لماذا نحتاج إلى الاستماع الواعي؟
4) ما هي حدود وأدبيات الاستماع الواعي؟

*ما هو الفرق بين السماع والاستماع؟
فرق الفقهاء في رسائلهم العملية بين السماع والاستماع، ففي مثال حكم الغناء مثلاً قالوا: إن السماع هو أن يجري صوت الغناء على أذنيك بدون الالتفات التام لمَا يقال، بل يدخل من أذن ويخرج من أخرى دون استقرار في مكامن القلب. وهذا الأمر مشروط بقيد، وهو الاضطرار أو الحرج لعدم استطاعتك أن تنكر المنكر بيدك أو بلسانك، وإن كان الأولى الابتعاد عن مواطن الشبهة.

أما معنى الاستماع فهو الالتفات التام بكل الجوارح وكذا الجوانح، ويكون لها مستقر في القلب وترجمة في العقل، ثم التحليلُ أو النقد وبالتالي يكون من لوازمها حفظ في الذاكرة وترديدها والتفاعل معها والتأثر بها والتأثير على غير ذلك. فلو كان الاستماع للغناء بهذه الطريقة حرم قطعاً.

إذن نفهم من الفرق بين السماع والاستماع أن الأول يكون بدون حضور الذهن بكامله، والآخر يكون بحضور الذهن بكامله وتمامه، وهذا ما أريد إيصاله إلى أعزائي القراء.

*ما هي أدوات ودعامات الاستماع الواعي؟
– التواضع للعلم والوقوف أمامه وقفة إجلال وإكبار.
– احترام الذات من خلال احترامنا لعقول الناس التي من حولنا.
– احترام التخصص في العلوم المختلفة والدخول فيها يكون عن علم مسبق ومنظم وإلمام واسع بكثير من أجزائه لا حضور تصيد أو حضوراً مجزأً أو مبتوراً.
– سعة الاطلاع في التراث الإسلامي وكذا الثقافات المختلفة من خلال التعرف على تاريخها ومنابع علومها.
– البحث عن المعلومة الغنية صاحبة الفصول والفروع المتعددة والتي تفتح آفاق العلم والمعرفة أمام الباحث عنها.
– الاستماع يكون بعين القلب أي بكل جوارح وجوانح الشخص بحيث لا يفوته شاردة أو واردة قد تكون باباً لعلم كثير في حياته المستقبلية.
– تتبع محاور المحاضرة ثم تدوين النقاط المهمة التي تناولها الخطيب باستماع جيد والوقوف على المعارف الجدلية والخلافية بين المدارس المختلفة، ثم الخروج بملخص يثري ذهنية المستمع، ويرفع من مستواه الثقافي.
– أخيراً إذا امتلك المستمع هذه الأدوات حث الخطيب على المنبر أن يقتني أبرز العلوم المهمة، ويختار المواضيع التي ترفع من المستوى الفكري والثقافي لعقلية المجتمع بكل أطيافه، وبما يتناسب مع المرحلة الراهنة من تزاحم المعلومات، وكذا تعطي دافعا للمستمع الجيد أن يكون له ذوق خاصٌ ونقد خاصٌ ومقارنة خاصة فيما يطرح على المنبر الحسيني.

*لماذا نحتاج إلى الاستماع الواعي؟
نحتاج إلى الاستماع الواعي، لأن جميع الرسالات الإسلامية إلى نبينا الخاتم عليه السلام تنادي بأن نكون من أصحاب العقول النيرة بنور العلم، وأن نحترم العلم والعلماء. كما يحثون على طلب العلم من المهد إلى اللحد، وهذا ما يميزنا عن المخلوقات الأخرى بأن أعطانا الله سبحانه كمال العقل كي نفكر فيه، ونحاور به، ونحاسب عليه، فإن الله سبحانه كما في الحديث القدسي المروي: (إن الله عز و جل لما خلق العقل قال له: أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر. فقال تعالى: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أكرم علي منك بك أثيب، وبك أعاقب، وبك آخذ، وبك أعطي) .
ومن هنا نعرف أهمية العقل الواعي بأنه الذي يستمع جيدا كي يعي ويعقل المصالح والمفاسد العامة والخاصة وكذا يكون له جولة في بعض صنوف العلوم المختلفة في ميادينها المتفرقة. وقد قال الله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . وقال الله تعالى: {يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}١٧٩البقرة . وغيرها من الآيات التي تحث على إعمال العقل، ولا يتم تفعيله إلا من خلال التدبر والاستماع الواعي كي يكون تأثيره واضحا على معالم الشخصية.

*ما هي حدود وأدبيات الاستماع الواعي؟
الحدود في كل شيء مطلوبة كي يتحرك كل إنسان في مساحة حرة، لكن لا يتعدى على حدود غيره، ولا يتعدى أحد على حريته. والمهم أن لا تكون متعديا بجهل أو تعصب، بل بعلم وحلم صادقين.

*ومن أبرز حدود وأدبيات الاستماع الواعي ما يلي:

– أن يكون استماعنا مبنياً على حسن الظن للخطيب، فإنه بالبداهة ليس معصوما فقد يخطئ أو يتجاوز أحيانًا عن المألوف. ولذا علينا أن نلتمس العذر للخطيب الذي يجهد نفسه في خدمة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
– أن يكون استماعنا مبنياً على ثقافة سليمة من خلال سعة القراءة والبحث العلمي المأخوذ من مراجعنا العظام وسيرة علمائنا الأبرار.
– أن لا نتجاوز حدود الأدب مع الخطيب الذي يتكرر خطؤه في نقل آية مثلاً أو رواية وغيرها من المعجزات والكرامات.
– إعانة الخطيب على اختيار المواضيع الهامة وذات الصلة بهموم مجتمعنا الذي ضاق ذرعا بالمفاسد والمصائب من كل حدب وصوب في مختلف ميادين الحياة.
– النصيحة السرية للخطيب بدون تجريح، فلو علم منه خطأ فادح في نقل رواية موضوعة أو معلومة طبية خاطئة مثلا أو أية معلومة ثابتة خطؤها، وقد غفل عنها.
– احترام مستوى الخطيب الثقافي والفكري مهما صغر، لأنه يخدم محمدا وآل محمد لأن المنبر جامعة فكرية مختلفة المواد، وخذ من هذه المواد ما يثري ساحتك الفكرية والعاطفية ولا تـنسَ أن تعطي المصيبة حقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى