موسم عاشوراء وكسب الرهان
جابر البوصالح
مما لاشك فيه أن إقامة الشعائر الحسينية العاشورائية في كل عام هي وسيلة إعطاء الحياة الحقيقية والمأمولة زخماً خاصاً ودافعاً وحيوية ووقود يدفعها للانطلاق من جديد نحو رفع الأدران وتقطيع الأغلال التي تتكالب على النفس البشرية طوال عام مضى.
ومن هذا المنطلق فإن رهان وجود عائق يمنع أو يتسبب في احتمال تعطيل هذه الشعائر وفصل الارتباط الروحي بين المؤمن والحسين عليه السلام، يترك أثراً نفسياً محبطاً ويدعو للتفكير ملياً في إيجاد الوسائل والأساليب الكفيلة برفع تلك الموانع بل إزالتها.
وعليه فظروف هذا العام في ظل استمرار جائحة كورونا وبمعدلات مخيفة حتى قبل انطلاق الموسم العاشورائي الحسيني وبأيام قليلة.تطلبت حالة استنفار واستعدادات خاصة ومن الطبيعي في ظل الظاهرة الجماهيرية التي تطبع المجالس الحسينية، يرتفع معدل القلق في البحث عن الطريقة المناسبة لاستمرار إقامة الشعائر مع اتباع الاحترازات الوقائية.
وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بطرح هذه القضية وبعدة أساليب، وانطلقت الحوارات بين الجهات المتصدية الرسمية الصحية والأمنية ومؤسسات المجتمع المدني والجهات التطوعية، وكان التباين وبنسبة مقبولة بين تلك الجهات بين مؤيد ورافض ومشترط ومحذر.وفي خضم كل ذلك كان الجمهور من المستمعين والمرتادين لهذه المجالس هم الرهان الذي يعول عليه الجميع.وكانت الواقعية والواقع الحسيني الأصيل والمتجذر في كيان ونفوس المؤمنين والمجتمع المؤمن بصورة عامة في أن يقبل التحدي ويركب الموجة وهو يضع أمامه القدوة الحسنة شخصية الحسين وأنصاره، وأنه يسير في ركاب قائد فذ علمه كيف يكون وماذا عليه أن يعمل رافعاً راية الارتقاء والسمو وقبول التحدي لتحقيق النجاح وتجاوز هذه المحنة آخذين بالأسباب الكفيلة بإحياء موسم عاشورائي متكامل الأركان بما يحمله من إظهار الأسى والحزن والتزود بالثقافة والعلوم الإنسانية والأخلاق الإسلامية الرفيعة، واضعين نصب أعينهم أن مواساة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها عليهم أفضل الصلاة والسلام هدف سامٍ في الإمكان تحقيقه وفي ظل الظروف الصحية الصعبة.وكان ماهو مأمول تحقيقه ونجح المجتمع الحسيني المؤمن في تجاوز هذه المحنة وساهم جمهور المستمعين وفي ظل تبني أصحاب المجالس القيام بمهامهم وبروح المسؤولية الملقاة على عواتقهم وأظهروا تعاوناً وتجاوباً واستعدادات وحرص على التقيد بالتعليمات الصادرة من الجهات الصحية والأمنية الرسمية فاقت التوقعات.وهذا ما انعكس على نجاح باهر وموسم عاشورائي متميز ولم يشوب الحدث الحسيني أي شائبة تذكر بل كانت المجالس تنعم بتقيد والتزام وتعاون ومظهر حضاري قل نظيره.
ومن هنا نستطيع أن نقول إن الحسين عليه السلام مصباح الهدى وسفينة النجاة. وهذا المشهد المبهر واللوحة الجميلة التي رسمها المجتمع الحسيني ويوماً بعد يوم عكست لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأظهرت لجميع المحيطين والمراقبين في إمكانية كسب الرهان من عدمه وأنه قادر على التكيف مع أصعب الظروف وسبب ذلك واضح وجلي يمكن أن يلخص في التالي
:١- إننا نحمل قضية سماوية تسمو بها الحياة وتظل شعلتها وقادة ونورها ينبع من شخص حاملها الإمام الحسين عليه السلام وعليه فإن قدرتها على الاستمرار تنطلق من ذاتها وليست بحاجة لمن يوقدها
٢- إن المجتمع الحسيني عندما أظهر القدرة على التكيف ورفع راية التحدي وأنه قادر على كسب الرهان وتجاوز المحنة فهذا نابع من ثقافته الحسينية التي تعطيه المعنويات العالية وأنه يحمل قضية تسمو به وتكسبه خير الدنيا والأخرةح
٣- جميع من عاش الحدث الحسيني ومن تصدى له ومن عمل على تنظيمه هذا العام أصبح على قناعة أن سبب نجاحه وكسبه للرهان على إقامتة وبهذا الزخم الجماهيري هو الجمهور الواعي وأنه نجح فيما عول عليه
٤- عندما يشعر المؤمن أن الحسين عليه السلام وتضحياته تعيش في أعماقه فلا يتخيل أن تمر عليه أيام العاشر من محرم وهو لم يشارك وهذا ما أظهرته ظروف هذا العام التي أجبرت بعض الفئات من كبار سن ونساء على التزام البيوت التي حولها المؤمنون إلى مجالس حسينية من خلال ما قام به القائمون على المجالس من بث المجالس عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
نور على نور ياحسين كل مايمكن أن نقول عن المكاسب التي تحققت من خلال المشهد الحسيني هذا العام في ظل جائحة كورونا أن الظروف التي يمكن أن تمر مستقبلاً مهما كانت صعبة فإن المتلقي والملقي والمنظم والراعي كلهم عندما تتحد كلمتهم وتتناغم أفكارهم وترتقي مسؤولياتهم وتسمو أهدافهم فهذا ضمان لنجاحهم. ونكرر القول إنهم إذا وضعوا الحسين عليه السلام مصباح هداهم فسيكون هو سفينة نجاتهم.
كل عام حسيني ونحن وأنتم بخير نتزود من هداه ونسمو به إلى أعلى الدرجات.