الحياة سفر قصير إلى مقام طويل

أحمد الطويل
إن الإنسان في هذه الدنيا مسافر، وهذه الحقيقة لا تغيب عن أولي الألباب، فهي دار فناء لا دار بقاء، وممر لا مستقر، وامتحان لا راحة. قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” (آل عمران: 185)، وفي آية أخرى: “كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” (الرحمن: 26-27). هذه الآيات المباركة تذكّرنا بأن الحياة الدنيوية مهما طالت فهي قصيرة، وأن مصيرنا جميعًا إلى الله.
الحياة قصيرة فاستثمرها
ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله: “الدنيا دار ممر لا دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل اشترى نفسه فأعتقها” (نهج البلاغة). إن هذه الكلمات النورانية تلخص لنا الحقيقة الكبرى، فإما أن نغرق في زخارف الدنيا الفانية، أو أن نعمل للآخرة ونجعل حياتنا محطة للاستعداد للقاء الله.
إننا في هذه الأيام فقدنا قامة علمية عظيمة، العالم الجليل الشيخ عبدالمحسن النمر رحمه الله، الذي كان مثالًا للعالم العامل، الأب والمربي الفاضل، ولا شك أن فقده قد ترك أثرًا بالغًا في نفوس محبيه وطلابه وأهله. وفي نفس اليوم فقدنا أعزاء من مدينة صفوى و الأحساء و الدمام، وكم هو مؤلم أن يفقد الإنسان أحبته في يوم واحد، لكنها سنة الحياة، إذ قال الله سبحانه: “كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون” (العنكبوت: 57).
التزود بالأعمال الصالحة
إن أعظم ما يمكن أن يحمله الإنسان معه في رحلته الأبدية هو العمل الصالح، قال تعالى: “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”* (الشعراء: 88-89). فما يبقى معنا بعد رحيلنا هو حسن أفعالنا، كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
رسالة لنا جميعًا
فلنتذكر أن كل يوم يمر علينا يقربنا من لقاء الله، وأن التعلق بالدنيا لا يجلب إلا الحسرة، قال الإمام علي عليه السلام: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا”. هذا الحديث الشريف هو من الحكم والمواعظ التي تُرشد الإنسان إلى التوازن بين العمل للدنيا والعمل للآخرة. فالعمل للدنيا يجب أن يكون بعقلانية وتخطيط طويل الأمد، كأن الإنسان سيعيش إلى الأبد، بينما العمل للآخرة يجب أن يكون بجدية واستعداد، كأن الإنسان سيموت غداً.
هذه الحكمة تعكس رؤية عميقة للحياة، حيث تجمع بين الاستعداد للمستقبل الدنيوي والاستعداد للقاء الله في الآخرة، مما يُحقق التوازن المطلوب في حياة المؤمن. فلنحرص على أن نجعل أيامنا مليئة بطاعة الله، ونبتعد عن الغفلة التي قد تلهينا عن مصيرنا المحتوم.
نسأل الله أن يرحم الراحلين بواسع رحمته، وأن يجعل بركة أعمالهم مستمرة في الأجيال القادمة، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان. كما نسأله تعالى أن يعيننا على حسن العمل والتزود للآخرة، وأن يجعل قلوبنا سليمة، وأعمالنا خالصة لوجهه الكريم.