الملل ولياقة القراءة
يوسف أحمد الحسن
يحدث أحيانا لسبب أو آخر أن يندفع أحدنا لقراءة كتاب ثم لا يلبث أن يبدأ الملل والسأم في التسلل إلى نفسه مكسوّاً بلباس من النوم أو التثاؤب أو محاولة التشاغل بأمر آخر. كما يمكن أن يكون الملل متصلاً لفترة زمنية طويلة ليس فيها أية رغبة بالقراءة.
بادئ ذي بدء يجب أن نعترف أن هذه حالة طبيعية جداً يمكن أن تحصل لأي شخص وفي أية نوعية من الكتب كان يقرأ، حتى لمن يتمتعون بلياقة القراءة كما يحصل في كافة نواحي الحياة. أما كيف نحل هذه المشكلة، فهو عبر عدة طرق.
فعلينا أن نعرف بأن القراءة هي بمثابة انتشال النفس من حالة الدعة والسكون والركون إلى الجهل، والانطلاق بها نحو آفاق رحبة من المعرفة. ولذلك فإن وقت القراءة لا يجب أن يكون وقتاً مستقطعاً بل أصيلاً ومخططاً له من البداية. هذا ما يفترض أن يحصل كون مردوداتها سوف تنعكس على مختلف جوانب شخصية القارئ بشكل مباشر وغير مباشر، بل يتعداه إلى التأثير على الحالة المزاجية والنفسية للقارئ. ولأن القراءة فعل مقاومة للكسل والدعة فإنها تحتاج إلى جهد استثنائي للتخلص من هذه العادات السيئة، وهو الأمر الذي تقوم به المركبة الفضائية حين تريد التخلص من الجاذبية الأرضية للانطلاق في الفضاء، حيث تحتاج إلى زيادة في السرعة وجهد عال ما يتطلب مزيداً من الوقود، لكن حالما تتخلص المركبة من الجاذبية الأرضية فإنها لا تحتاج إلى كثير من الوقود من أجل التحرك نحو هدفها.
أما الوقود الذي يحتاجه المصاب بالملل من القراءة فهو يتنوع بين عدة أمور، منها أنك (إذا وجدت أنك لا تستمتع بقراءة كتاب مرة بعد مرة فاعلم بأنه لا داعي لأن تقرأه على الإطلاق) كما قال الأديب والناقد الإيرلندي أوسكار ويلد، وكذلك قال أحد أعظم القراء في العالم وهو بورخيس (كنتُ أقول لطلابي إذا أقلقكم كتاب: أتركوهُ، هذا الكتاب لم يكتب لكم لأن القراءة يجب أن تكون شكلاً من أشكال السعادة).
كما يعد تغيير بعض طقوس القراءة شكلا من أشكال كسر حالة الملل والرتابة فيها. فيمكن مثلاً تغيير مكان القراءة من كرسي إلى مقعد وثير أو من الصالة إلى غرفة النوم، أو الانتقال إلى بهو البيت أو حتى خارجه. ويمكن للقارئ أن يختار ما يشاء من طقوس دون خجل، ذلك أنه لا توجد قواعد محددة للقراءة لأنها فعل شخصي وحالة متفردة لا تتشابه عند اثنين ولا يفترض أن يكون لأحد علاقة بها. يقول أحد القراء بأن أفضل قراءاته حصلت داخل الحمام، وآخر كان يقول إنه يفضل القراءة في المطبخ وثالث كان لا يقرأ إلا واقفاً، وكان الرازي يقرأ وهو مضطجع على ظهره حتى إذا داهمه النوم وقع الكتاب على وجهه فانتبه ليواصل القراءة.
والأفضل أن يجرب القارئ عدة طقوس في القراءة حتى يتوصل إلى الطقس المناسب له.
وهناك تكتيكات أخرى مساعدة مثل القراءة في المجال الذي يستهويك، وقراءة كتب قصيرة مثلاً لا تزيد عن 100 صفحة وهناك الكثير منها. كما يمكنك أن تقرأ أكثر من كتاب في آن حتى لو كانت 3 أو 4 أو حتى أكثر في وقت واحد. ويمكن تغيير وقت القراءة إن كان ذلك مفيداً، ومصادقة محبي القراءة وزيارة معارض الكتاب والالتقاء بالكتاب شخصياً فهذا مما سيوثق علاقتك بالكتب وعالم القراءة ويبعد حالة الملل عنك.
( لقد كانت القراءة بالنسبة لي وسيلة لقتل الوقت وانتهت إلى إحياء الوقت ) د. مصطفى محمود.