الشيخ آل سيف.. مواقف بطولية بعد واقعة الطف
بشائر: الدمام
تحدث سماحة الشيخ فوزي آل سيف عن تأثير ركب السبايا (ع) في توسعة رقعة النهضة الحسينية في العالم الإسلامي، مستحضراً تسمية الباحثين لحركة السبايا بِـ (الفتح الثاني)، لدورها في حفظ تلك الشهادات العظيمة والتضحيات الكريمة، وذلك في أثناء محاضرته لليلة ١٤ من محرم الحرام.
ووضح سماحته أن الخطأ الذي وقع فيه بعض الباحثين حول حركة السبايا كان منشؤه عدم الدقة في حساب إجمالي المسافة التي تُقطع كل يوم على ظهور الجمال.
وبين سماحته أن عنوان (السبايا) مستهجن عند بعض المجتمعات، وخصوصاً في بلاد الشام، فالمرأة (السبيّة) عندهم تُهتك جسديا، كما فعل الدواعش بأسيرات المناطق التي احتلوها، موضحاً أن المعنى الصحيح للسبي هو أن تؤخذ المرأة أسيرةً في المعركة، مؤكداً بأن نساء كربلاء لم يتعرضن للانتهاك الجسدي، مدللاً على ذلك بوصية الحسين (ع) لنسائه بالصبر، ولبس الأزر، حيث وعدهن بأن الله حاميهن.
واستشهد سماحته بموقف أحد الشاميّين الذي أراد أن يأخذ فاطمة بنت الإمام (ع)، وكيف ردت عليه السيدة زينب (ع): “لا والله، ما ذلك لك ولا لأميرك”، مذكرا بأنه لا يجوز للمسلم سبي المسلمة.
وأشار سماحته إلى جريمة ارتكبها المؤرخون المتأخرون نسبيا، مثل ابن سعد في كتابه الطبقات، وابن قتيبة الدينوري في كتابه الأخبار الطوال، حيث ادعى كذبا أن عمر بن سعد أمر بحمل نساء الحسين على المحامل المستورة على الإبل، وهذا خلاف ما ذكره المؤرخون حتى المخالفين منهم، من أن نساء الحسين “حملن بلا وطاء ولا غطاء”، وغيرها من الأكاذيب التي أريد بها التهوين من فداحة الجرائم التي ارتكبها أعداء الحسين بحقه وحق عائلته.
ونوه سماحته بموقف النوّار بنت مالك الحضرمية، حين جاء زوجها خولي بين يزيد الأصبحي برأس الحسين ليبيته في بيته حتى يأخذه في الغد إلى قصر الإمارة، حيث منعته تلك الزوجة من دخول دارها وبكت على الحسين، وقالت: “لا والله، لا يجمع رأسي ورأسك وسادٌ بعد هذا أبداً) ولم تقبل أن يبيت عندها.
كما أشار إلى موقف زوجة مالك بن نسر البديّ هذا الملعون الذي ضرب الإمام (ع) وكان (ع) يرتدي (بُرنسا) فامتلأ البُرنس دماً، ومن وضاعته ودناءة نفسه أخذ بُرنس الحسين (ع) إلى الكوفة وأمر زوجته بغسله، وحينما علمت منه ما فعل بالحسين (ع) قالت له: “حشا الله قبرك ناراً، والله ما اجتمع معك في بيت واحد” وهجرته.
وأطلق سماحته على موقف زوجتي خولى ومالك عنوان الاحتجاجات الفردية، في قبال الاحتجاج العام كموقف عبدالله بن عفيف الأزدي، وهو أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) والمجاهدين بين يديه، وقد فقد إحدى عينيه في معركة الجمل والأخرى في صفين.
واكمل سماحته لكن عماه لم يمنعه من التصدي لابن زياد حين خطب وشتم الإمام الحسين وأباه أمير المؤمنين (ع) بقوله: “الحمد لله الذي… قتل الكذاب ابن الكذاب” فنهض ابن عفيف من وسط المجلس وقال: “يا ابن مرجانه…! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه، يا عدو الله…! أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين”.
وتحدث سماحته عن دخول ركب السبايا إلى الكوفة، وكيف جعل آل أمية ذلك اليوم عطلة رسمية، وقامت وسائلهم الإعلامية بضرب الطبول في الأزقة والطرقات، إعلاناً وتشهيراً ليجتمع الناس ويتفرجوا على بنات الرسالة.
وبيّن اختلاف مواقف أهل الكوفة من سبي نساء آل محمد، وأنهم كانوا على أقسام: قسمٌ متعاطف، قسمٌ حزين باك، وقسمٌ متشمتْ وفَرح.
وأوضح سماحته أن بني أمية كرسوا عقيدة الجبر عند المسلمين، وهي عقيدة تنافي عدالة الله، ولكنهم جعلوها من مرتكزات دولتهم، فكانوا يلقون بتبعات جرائمهم على الله تعالى، بذريعة أن هذا حكمه جل وعلا، وأنهم ممتثلون لأمره! فكان ابن زياد يقول لزينب (ع): ” : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم!”، وكأن الله هو الذي قتل الحسين! وليس عمر بن سعد ولا يزيد ولا شمر! فقالت له زينب (ع): “إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة” وهذا يُسمى في البلاغة الإحالة الضدية، فبدل من أن تقول له: أنت الفاسق تقول: المفضوح هو الفاسق والكاذب، وهي تقصد الشخص الذي تخاطبه، وهذا من بلاغتها (ع).
ثم تكرر ظهور العقيدة الجبرية في قصر ابن زياد مع الإمام السجاد (ع) حينما قال الملعون: “أليس الله قتل علي بن الحسين؟!”، فأجابه الإمام (ع): “كان لي أخٌ اسمه عليٌ قتله الناس”.
يذكر إجمالاً أن القبائل الحضرمية وهم عرب الجنوب كانوا أكثر تعاطفاً مع أهل البيت (ع)، من القبائل المضرية وهم عرب الشمال.