الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا
سلمى ياسين بوخمسين
كلمة قالها رسول الله في حقهما (ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا) وبالتأكيد لم يكن يقصد القيام والقعود المعتادين كحركة جسدية، فكل كلمة ينطقها النبي الكريم ماهي إلا وحي يوحى وتوضيح لأمر إلهي يجب الامتثال به، ففي قاموس اللغة العربية القيام يأتي بمعنى إنجاز الأمر، وكلمة قيام تقال بما يُقوّم به أمر النَّاس أو يصلح شأنهم. فالقيام يطلق على التغيير بالحركة والثورة والحرب، كما أن كلمة قعود تعني إبقاء الأمور على ماهي عليه، كما تأتي بمعنى عدم الخروج إلى الحرب. وهذا ما ورد في قصة نبي الله موسى وقومه تبينها الآية الكريمة (قالوا يَا موسى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) كما تطلق على الركون للهدنة وإعلان السلم .
فرسول الله بين وضعيهما المستقبلي وإن كان بين موقفيهما بون شاسع يحير فيه العقلاء، إلا أنهما اتخذا القرار الصحيح ولم يخل ذلك بإمامتيهما.
وهذا ما أثبته النبي حين أعلن بتصريحه أن تصرف وفعل كلاهما صحيح ولا خلاف لدى الله ورسوله عليهما، فهما قاما بالفعل الصالح والمطلوب كل حسب ظروفه التي تحتم عليه ما يقرره من فعل، ولو كان الحسين وجد في زمن أخيه الحسن لاتخذ نفس الموقف وصَالَحَ وكذلك العكس.
فهما شخصان استقيا عقيدتهما من منبع رباني واحد، وتربيا في كنف الإمامة، وتلقيا علم القرآن وفكره المستقيم، وتخلقا بخلق الرسالة والإمامة، وكلاهما شارك ببسالة وشجاعة في الحروب التي جرت في زمن أبيهما الإمام علي عليه السلام، كما يوحدهما هدف واحد ألا وهو الإصلاح في أمة محمد، وإن اختلفت الوسيلة وإستراتيجية التطبيق للوصول للهدف المنشود.
وحركة الصلح التي قام بها الإمام الحسن ما كانت إلا تمهيداً لانتفاض وثورة الإمام الحسين. فالأمام الحسن قد فضح الخط الضال المحارب له ولنهج الرسالة المحمدية، وبيِّن للمسلمين من يفي بوعده ومن يخون المواثيق والعهود التي خطت عبر مواثيق الصلح والاتفاقيات التي وضعت من قبل كلا الطرفين
واتفقا عليها، وشهد عليها المسلمون الحاضرون تلك الواقعة في ذاك الزمن ومن بينهم البقية الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فمن الظلم أن يخطئ قرار الإمام الحسن بالصلح وفيه تعدٍ على مقام الإمامة، فهو اختار الموقف الذي يحتمه الواقع الذي كان يعيشه المسلمين، فبصلحه حقن الدماء، وحفظ رسالة جده من الاندثار، كما فعل أخيه الإمام الحسين بحربه واستشهاده فهو قد أكمل ما بدأهُ أخوه الإمام الحسن من قبله فمقولته (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر) فرسول الله صلى الله عليه وآله يؤكد أنهما سواسية عند الله، فمن قتل بالسيف له نفس مكانة من تجرع السم فسلام عليهما، أمامان قاما أو قعدا..