الثقافة بالمعنى العالمي
أمير بوخمسين
قالوا «الثقافة هي ما يبقى في النفس بعد نسيان كل شيء» وقالوا «المثقف لا يكون البتة ابن زمان واحد ومكان واحد، فحرية ذهنه تكفل حضوره في كل زمان وكل مكان» حيث لكلمة ثقافة بمعناها العالمي حياة موصولة، وتاريخ غني.
يبدو أن اللفظ الأجنبي الدال على معناها إنما يظهر للمرة الأولى في القرن الميلادي الخامس عشر، في معجم أكسفورد لسنة 1420 ميلادي، وأصل دلالة لفظها يشير إلى معنى الزراعة واستصلاح الحقول لجني الثمار، ثم استعملت مجازاً بمعانٍ متلاحقة، فكانت تعرف في العصور الوسطى عن المشاغل اللاهوتية والكلامية، إلى أن شغف المفكرون في القرن الثامن عشر بفكرة التقدم والأنوار الموسوعية، والولع بمستقبل العلم والحضارة، وما تلاه من قرون أخرى تمثلّت في الاهتمام بشمولية الثقافة.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية زادت الاهتمامات بالثقافة، من خلال التنمية ومشكلات الفضاء والتلوث والإيدز والحرب والسلام، وأسلحة الدمار الشامل، وأخطار البرمجة الوراثية، وإمكانات علوم الحياة، والنظام العالمي الجديد.
وربما يسأل سائل عن مصير الثقافة في عصر التقنية والتطور الحاسوبي، وفي مشارف القرن المقبل، يرى البعض أن الثقافة بالمعنى المجرد العام أشد اتساعاً وأكثر غنى، فثمة ما يخصص الثقافة بصفات مميّزة ثقافة فلسفية أو أدبية أو فنية، أو علمية، أو تقنية.
البعض يرى الثقافة من وجهة تحصيلها واكتسابها، فيقال ثقافة حفظية أو اختيارية، أو عصامية أو مدرسية أو تراثية أو تقنية، وعادة ما توصف الثقافة بأنها واسعة أو محدودة أو اختصاصية أو عامة حسب مصدرها، والذائع اليوم في تعريف ثقافة اليوم أنها تعني، على الصعيد الاجتماعي، جملة الوجوه الفكرية والأخلاقية والمادية، وأساليب الحياة التي تميّز حضارة من الحضارات، كالثقافة العربية والثقافة الإغريقية، أو الثقافة الآشورية أو الثقافة الغربية أو الثقافة الأمريكية.
وأن وقائع الثقافة المجتمعية لم تبق حبيسة على فئة مختارة من الناس، نخبوية، فئة قليلة العدد، بل صارت بين كل أبناء المجتمع وبين سائر الأوطان، وأحدثت داخل كل قطر بيوتاً للثقافة، ومعاهد ومراكز ومنتديات ثقافية.
لعل الدول المتقدمة وخصوصاً الأوروبية أنشأت المراكز الثقافية مبكراً، ما ساعدها في نشر أفكارها وثقافتها التي استطاعت عبر هذه الأفكار السيطرة وبسط استعمارها ونشر أغراضها في أقطار العالم الثالث، وفي عام 1945 تم إنشاء منظمة اليونسكو للتربية والعلوم والثقافة من قبل الأمم المتحدة التي تهدف إلى توحيد ثقافي عالمي، ورأت الاهتمام بثقافة الجمهور في نطاق الدولة أولا، وبعده في نطاق الدول الأعضاء في المعمورة كلها.
رسالة المنظمة التي فرضت نفسها على الكثير من دول العالم، وبوابة الثقافة العالمية لنشر أفكار العولمة، بما يتناسب مع كل المجتمعات، ولم تعد الثقافة حصراً في شخص أو فئة أو منطقة أو دولة، بل تعدّتها إلى الأممية، وفي الوقت نفسه لم تختزل الثقافة في إطار أو موضوع واحد، بل عمّت الثقافة كل المجالات، فغدت ألعاب الفكر كالشطرنج، وألعاب الجسد كالألعاب الرياضية الأولمبية، وبعدها اتسع المفهوم إلى الأنثروبولوجيا «علم الإنسان – دراسة الإنسان وأفعاله ونشاطه» والمجتمع، فصار فن الأكل والمائدة والأزياء وغيرها موضوعات ثقافية، شأنها شأن ما تحمله الكتب واللوحات الفنية والأسطوانات والأشرطة والموسيقى والتمثيليات، واقعاً ثقافياً عالمياً.