إرشادات جدي وجدتي
أمير الصالح
حباً وحرصاً، كان جدي وجدتي رحمهما الله يكرران قول بعض النصائح والجمل الإرشادية. وكانت النصائح في المجمل تتمحور حول حب الله وتقواه وحب النبي محمد (ص) وآل بيته وضرورة حسن التدبير والفطنة وحسن المعشر مع الناس وبشاشة الوجه والابتعاد عن المشاكل. هذا ديدن معظم الآباء والأجداد في عصرنا الذي تربينا فيه. فهم شاهدوا وعاينو أحداث وشطف عيش وصراعات متعددة ولديهم تجارب إنسانية متراكمة تستحق الاستنطاق.
كانت الجملة التالية التي كررها علي جدي الحاج علي (رحمه الله) لصقت في ذهني منذ كنت في مقتبل العمر: ” ضم قرشك الأبيض لليوم الأسود “.
وصدرت منه تلك النصيحة بقصد غرس مفهوم الادخار والترشيد في الإنفاق وحسن التخطيط المالي وتقنين الاستهلاك. وكنت كثيراً ما أسمع في المدرسة وفي بعض المسلسلات التلفزيونية جمل مغايرة ومعاكسة في المفهوم وتنشئة السلوك لجملة الجد، وهي: ” اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب “. ولكون الجملة تتضمن كلمة الغيب، وكلمة الغيب يومذاك تثير في نفسي مشاعر ضرورة الأيمان وضرورة الوثوق من دون أية مسائلة لأن الغيب مقترن بالإيمان. فكنت في صغري أقف مشدوهاً وأتساءل لأي من المقولتين أميل، ولا سيما أن كلمة الغيب وظفت في الجملة المذكورة بطريقة معينة لم أدرك معالمها يومذاك. لاحقاً تبين لي كبير المغالطة وسوء توظيف الكلمة، وأن الحياة التي لا تقوم على تخطيط مستمر ستكون تخبط مستمر. فشكراً لك جدي علي، شكرا لكِ جدتي الحبيبة فضة، لنعم النصح وجميل الإرشاد وحسن الوفاء.
في يومنا هذا، مفاهيم الحياة العصرية تزداد تداخلاً مع زيادة السلوكيات المتشعبة المبنية على تلكم المفاهيم، وزياد تعقيدات ومتطلبات الحياة. ولعل من الوفاء أدبياً أن ننقل لأبناء الجيل الصاعد بعض أصول التعامل مع المال لنكون قدوة حسنة وأوفياء كما وفى أبناء الجيل السابق لنا وجزاهم الله عنا خير الجزاء. أحبتي شخصياً أرى أنه:
– ليس هناك سقف للادخار، وعليه اِدخر ودرب نفسك على الادخار بالاستقطاعات المسبقة. أي: أنك تعيش بما يتبقى لك بعد الاستقطاع المسبق، وينصح بأن لا يقل عن ١٠ ٪ من دخلك والأفضل أكثر من ذلك.
– في زمن الآباء كان تداول العملات فكرة جديدة وسعر صرفها غير متقلب بعنف كما نراه اليوم. فاحرص على أن تحول المال الذي تدخره في شكل مالي أكثر أماناً من تقلبت الدهر وصروف الأيام وتقليل مضار التضخم.
– المال النظيف يُعطى لمن يساعد في إيجاد الحلول وحل الصعوبات. فكن حلال مشاكل فالناس تهرب من صانع المشاكل وتلجأ إلى حلال المشاكل ولو بعد طول تجاهل. فسلام الله على حلال المشاكل.
– كما أن الأجهزة الميكانيكية مخصصة لمعالجة مشاكل ميكانيكية فإن المال مخصص لحل مشاكل مالية، والمال لا يحل مشاكل غير مالية. فنون التواصل وكسب ثقة الآخرين والأمانة تحتاج إلى تربية وجهود ذاتية وليس إلى دفع أموال لأنها قد تعد رشاوي.
– المكافئة المالية تتم بناء على النتائج المحققة وليس الجهود المضنية. فليكن بصرنا مشدوداً للنتائج.
– المال لا يشتري السعادة، ولكن يشتري الحرية المالية في الاقتناء للمواد والسلع والسفر والاسترخاء والأكل والترفيه. وهذه الأمور تساعد على حيازة قدر من الرضا وليس السعادة.
– الحرية والسعادة و والصحة ثلاث مفاهيم تبني جودة حياة أفضل للأنسان، وكل مفهوم مستقل عن الآخر. فإذا كنت مهتماً بالسعادة فابحث عنها وإن كنت تواقاً للصحة فالتزم بشروطها.
– حيازة الكثير من المال لا تعني أنك الأفضل عمن سواك ولا تعطيك الحق بالغرور والترفع عن الآخرين. كل ما في الأمر أن الله أوسع عليك في الرزق بعد جهدك وجميل استثمارك وكبير مخاطرتك، فكن شاكراً لله وتواضع للآخرين وإن كنت محسناً فزد في الإحسان وإن لم تكن فابدأ به.
– عملياً، صناعة المال بناء على الأفكار الخلاقة هو أكثر ديمومة في تدفق المال لأنك أنت الرائد
– هناك من يدعي الثراء بالمظاهر الزائفة البراقة فإياك أن تُخدع فقد يكون من أدعياء الغنى ومنتحلي صفة الثراء أو من أهل الغرور أو في منتصف الرحلة نحو تكوين نفسه، ومشكوك أن يصل إلى مبتغاه في الثراء لأنه انتعل نعل غيره قبل بلوغ مجلسه. وقد يكون نصاب يسعى إلى مغالطتك، فلا تضع مالك عنده وإن أطلق وعود العسل من فيه.
– لا تسعى لأن تكون غنياً، ولكن اسعَ لأن تكون ثرياً. والثري يسعى في زيادة امتلاك مكائن إنتاج المال money making machine ليستمتع بحياته. بالمجمل الثري الحقيقي يجعل المال عامل إنتاج لديه passive income وليس العكس. والغني يملكه المال، إلا أنك تراه يشقى ليله ونهاره خوفاً على زوال ماله. ولذا نرى الأثرياء حقاً يستمتعون بأوقات أكثر مع أسرهم أصدقائهم، ويتنزهون في يخوتهم ويتنزهون حول العالم ويوظفون الآخرين لأنهم يشترون وقتهم بأثمان أكثر.
– التعليم العادي أضحى متأخراً في إعداد قناصي الفرص وخلق الثراء. فلابد من إعداد النفس والأبناء لاقتناص الفرص الواعدة من خلال التربية الابتكارية وتنمية المواهب وزرع روح الإبداع.
– الشهرة لا تعني الثراء، وقد نتفاجأ إن عرفنا أن معظم الأثرياء بنو ثروتهم بصمت وليس بصور في الانستجرام والسناب شات والادعاء الزائف.
– لا يمكنك مساعدة الفقراء إذا كنت واحداً منهم . بمعنى آخر: لكي تكون عنصراً فاعلاً ويداً كريمة في العطاء فلابد أن تكون خارج دائرة الفقر، وتحث الخطى نحو الكرامة المالية لنفسك ثم لمن هم حولك ولأبناء وطنك.
– استثمر في تدريب زوجتك وتطويرها،وكذلك أبنائك وأصدقائك في المجالات المتاحة بسخاء. فالتطوير فيمن حولك يزيد من حلقات تأثيرك العملي والفعلي ويجعل منهم سنداً عتيداً في كل مراحل عمرك.
أخيراً أود أن أطرح على كل واحد منا السؤال التالي: كم تساوي عندما تفقد كل ما تملك؟!
سؤال يحدد من خلال إجابته منك لمقدار المواهب والقدرات التي تمتلكها الآن ويمكنك أن تعول عليها بعد الله في أن تبني بها كرامتك المالية مرة أخرى إن فقدت كل شي في هذه الجائحة.