الشيخ آل سيف: ١٣ موضعاً يحفظ آثار مرور ركب الأسارى
بشائر: الدمام
تحدث سماحة الشيخ فوزي آل سيف حول رحلة ركب الأسارى الحسيني، من الكوفة إلى دمشق، حيث اختار ابن زياد طريقاً آهلا، وتشير الوثائق التاريخية إلى أن الأماكن التي مر بها الركب تتراوح بين ٣٧ إلى ٤٦ بلدة، ذاكراً ذلك في الليلة ١٧ من شهر محرم.
وبين أن الغرض من اختيار الطريق الأول الطويل كان إيصال انتصار بني أمية، وإشاعته في أكبر عدد ممكن من المناطق، وهي رسالة لإخافة معارضيهم، فهذه دولة لن تمتنع عن قتلهم كما لم تتردد في قتل ابن رسول الله.
ووضح سماحتة أن أكثر من نصف المناطق التي مر بها الركب كان موقفها مخالفاً لبني أمية، كالموصل التي رفض أهلها الجيش، وأماكن أخرى مثل كفر طاب وغيرها رمت الجيش بالحجارة، متطرقاً إلى المناطق المسيحية التي تعاطفت مع الأسارى، وبعض أهلها والعبّاد منهم خصوصا كانوا قد قرأوا في كتبهم عن النبي المصطفى (ص) وعن ذريتة، فاستقبلوا الركب الحسيني بحفاوة، لافتاً إلى أن أهل البيت (ع) قد ورد ذكرهم في النسخ الصحيحة من العهد القديم والعهد الجديد في التوراة والإنجيل، فالحاصل إن النصارى والرهبان كانوا يعرفون حق رسول الله بهذا المقدار، ويعرفون حق الحسين (ع)، فاستنكروا أن يفعل بالحسين وبذريته هذا الفعل.
كما لفت إلى ما ذكره المؤرخون من أن ١٣ موضعاً في هذا الطريق بقيت بها آثار الركب فترة من الزمان، حتى تلك التي اندثرت كان المؤرخون قد دونوا عنها، ومن الآثار الموجودة إلى الآن مسجد أو مشهد الحنانة، حيث توقف الركب وقت الغروب، ووضعوا رأس الحسين على صخرة أو جذع، ثم بني لاحقا مشهد ومقام للحسين بذلك الموضع.
وأشار إلى أن الإمام الصادق (ع) قد صلى في هذا المكان، حيث استدعاه (ع) أبو العباس السفاح أثناء توليه السلطة، وبقي بالكوفة سنتين، في هذه الفترة، كان الإمام يؤكد على هذا الموقع، ويعين بالدقة مكان قبر الإمام علي (ع)، ويذهب ويزور الإمام الحسين (ع)، ويشرح ما جرى من أحداث بتلك البقع، وكان من جملة ما زار (ع) هذا المكان الذي وضع فيه رأس الحسين (ع)، ومنذ ذاك الوقت وإلى يومنا هذا والمشهد عامر.
وذكر من تلك الآثار التي ذكرها المؤرخون مشهد قرب الموصل، نزل به أسارى أهل البيت، ووضع به الرأس الشريف، على أثر رفض أهل الموصل دخول الجيش الأموي، لكنها من الأماكن التي وضع قربها رأس الحسين (ع)، فكانت بمثابة تجمع جديد لشيعة أهل البيت (ع)، فتم تشييد مشهد في الموصل بقي لفترة طويلة من الزمان.
ووضح سماحتة أن المشهد الآخر ضمن الحدود الإدارية لتركيا في الوقت الحالي، ولم تكن تلك الحدود موجودة في ذلك الوقت، وإنما كانوا يتبعون نهر الفرات حتى يتزودوا بالماء، وهناك خيموا وعلى أثر ذلك تم بناء مشهد في ذلك المكان، لافتاً إلى أن بعض المشاهد تم تغيير اسمها، كما حصل في زمان نور الدين محمود زنكي.
واكمل قائلاً: “وهكذا جاء فيما بعد الظاهر بيبرس، وكان متعصبا ضد التشيع، فكان يتتبع مثل هذه المواقع ويحاول أن يغير عنوانها الشيعي إلى عنوان عام، وبالتدريج يندثر الأصل، ففقدت بعض المشاهد عناوينها، وبعضها الآخر تركت إلى أن تداعت وتهاوت، فلم يجدد بناؤها”.
وأضاف قائلاً: “يوجد في حلب ثلاثة مواقع باقية إلى الآن، وحلب من المناطق اللي كان فيها وجود موالٍ لأهل البيت (ع) منذ زمن قديم، ولذلك لم يكن استقبالهم للجيش الأموي استقبالا حسنا، وإنما احتجوا عليهم، وفي بعض المصادر دخلوا معهم في مواجهة، وأعلنوا تأييدهم الحسين، وتعاطفهم مع ركب السبايا”.
وذكر أن في حلب الآن (مسجد المحسن)، ويسمونه هناك المحسِّن، وأيضاً (مشهد النقطة)، وكان في الأصل ديرا لراهب نصراني، أعطى أموالا لحملة الرؤوس، حتى يحظى بحفظ الرأس الشريف عنده إلى الصباح، فسالت نقطة من دم الحسين هناك، وعلى أثرها تم تشييد مشهد باسم (مشهد النقطة)، مشيراً إلى أن هذه الآثار ما تزال موجودة بمنطقة جبل الجوشن.
ووصل إلى بعلبك، حيث المشهد الذي حوَّله نور الدين محمود زنكي، إلى مسجد باسم: مسجد الحسنين، وقريب منه أيضا مشهد آخر، فهذه في الأصل كانت مشاهد حيث وضع رأس الحسين (ع)، أو حيث أقام أسارى أهل البيت (ع).
وأعقب أن المؤرخين ذكروا ١٣ موضعا في تسع مناطق بهذا الطريق، آخرها مشهد رأس الحسين (ع) في جوار الجامع الأموي، وإلى وقت قريب كان يشار إلى ذلك الأثر، مشيراً إلى أن هذه المناطق تؤكد أن هذا الطريق هو طريق الأسارى، مستنكراً التشكيك في ذهاب عائلة الحسين إلى الشام! أمثال ابن تيمية، صاحب كتاب: منهاج السنة، وأمثاله.
كما قال: ” أن لا تفسير لوجود هذه الشواهد غير مرور الركب الحسيني بذلك الطريق، فلا أصدق من رقيم حجري، أو من مشهد قائم، فالمؤرخ يمكن أن يؤثر تعاطفه مع أهل البيت في مصداقية كلامه، لكن ماذا تصنع بمثل هذه الشواهد التاريخية المهمة؟”.
ونوه إلى أن عمل آل أمية انقلب عليهم، لأنهم قاموا بعمل على خلاف كل السنن والقواعد، مبيناً أن أصحاب الفطرة السليمة يتعاطفون مع الإنسان المظلوم، حتى لو لم يعرفوه أو يتفقوا معه في الدين والمذهب، فكيف إذا كان هذا المظلوم، في مستوى الحسين (ع) وعترته وذريته.
أما عن كيفية تعبير الناس عن تعاطفهم فقد كان بمستويات مختلفة من البكاء والكلام والمواجهة والهجوم على الحرس، ثم بالحفاظ على الشواهد والمشاهد، تعبيرا عن تقديرهم لصاحب هذا المشهد، معللاً أن الطواغيت والظلمة يخافون من هذه المشاهد، مع أنها لا تضرهم بشيء بحسب الظاهر، لكنها في الواقع تحشد النفوس والعواطف في اتجاه أعدائهم، فهي من جهة شواهد تاريخية على الحادثة، وهي أيضا شكلت نوعا من الانتماء وإعلان الولاء، من قبل أصحاب هذه المناطق بالتدريج.
يذكر أن نور الدين محمود زنكي كان متعصباً جداً فيما يرتبط بأمور التشيع وعلاماته، فأعاد بناء المشهد وسماه باسم جديد (مسجد الحسنين)، وبنى له محرابا وكان يتعامل معه على أنه مسجد، بينما كان في الأصل مشهدا لموضع رأس الحسين (ع) ونزول السبايا.