حوارية (٥٩) الفرق الجوهري بين البحث الأكاديمي والبحث الحوزوي
زاهر العبد الله
السائل:
البحوث الحوزوية والأكاديمية واحدة من حيث مبدأ الشك والسؤال المحوري والوصول إلى النتيجة ثم التأثير والتأثر بمعطيات تلك النتائج فلا ميزة ولا فضيلة لطالب العلم الحوزوي على غيره فمارأيك في ذلك؟
الجواب:
مقدمة: لو أردنا أن نجمع المشتركات في البحث الحوزوي والأكاديمي نقول:
كلا البحثين ينشد الطريق الأصوب والأكثر فائدة ليخرج بنتيجة مفيدة يكون انعكاسها وأثرها مفيداً للمجتمع، ولكن هناك فارق جوهري بين البحثين، وهو:
البحث الأكاديمي يبقى بحث أدواته ومعارفه بشرية، فعماد علومه هو النظريات والفرضيات والتجارب العلمية التي سبقته.
أما البحث الحوزوي
عماده القرآن الكريم والعترة الطاهرة وهي الأدلة والنصوص المرتبطة بالحقيقة المطلقة وهو الله سبحانه.
السائل: طيب، وما أثر ماذكرته من منطلقات في نتيجة البحث فكلا الاتجاهين يبحث ليصل لنتيجة تكون صالحة للمجتمع.
الجواب:
عزيزي هناك خلط بين البحث الحوزوي وبين البحث الأكاديمي وهو إسقاط نتائج هذا على مصطلحات ذاك. نعم هناك بعض المشتركات في البحوث، ولكن الصحيح هو فرز نقاط الاشتراك في البحث ونقاط الافتراق. فمن ينظر بنظرة أكاديمية جافة في البحث العلمي الحوزوي فهو يقع في إشكالية! لماذا؟
لأن أساس البحث الأكاديمي بحث يرتبط بنظريات أو فرضيات ناتجها يؤثر على التقدم المادي، حتى لو أدى هذا التقدم لفساد أو خلل أو ضرر في جهات أخرى في الحياة.
في حين أن البحث الحوزوي بحثه له علاقة مباشرة بعالم الغيب، فالباحث هنا يبحث عن مراد الله سبحانه وعماده الورع والتقوى وسلك سبيل الاحتياط، وهذه المفارقة الجوهرية بين البحثين.
السائل: أتمنى أن توضح أكثر ليظهر الفرق كما تزعم؟
الجواب:
البحث الأكاديمي له طرق منها:
مشكلة تحتاج إلى حل
١-هل هناك حلول مقترحة ولم تفلح؟ أي: هل هناك تجارب سابقة نستفيد من خيوطها لحل المشكلة،
٢-السؤال المركزي (المحوري):
لماذا نريد إيجاد حل للمشكلة أو القضية التي نبحث عنها؟
٣-مناقشة وإيجاد مناطق الخلل في التجارب السابقة في سبيل تطويرها أو تصحيحها أو استبدالها من خلال طرح الإشكالات عليها، والغرض من البحث الخروج بنتائج جديدة تخدم تقدم الحياة المادية.
٤-الوصول إلى نتيجة تحمل مؤشرات نجاح، ولكن يبقى الخطأ فيها وارد وقابلة للتصحيح والنقض ولايهم لو اكتشف أنها كانت خاطئة في المستقبل، فهذا علم بشري كما لاحظناه في النظريات التي يتبعها الآلاف، ثم يكتشف خطأها بنظرية جديدة تنقضها وفي الفهم الأكاديمي هذه ليست جريمة في حق من خُدعوا في هذه النظرية مسألة عادية ومتكررة.
السائل: وماذا عن البحث الحوزوي؟
البحث الحوزوي:
هناك نظام إلهي صاغه الله سبحانه في شكل آيات قرآنية، وصاغه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من ربه بروايات نبوية وأكمل مشروعة مع أئمة هادين مهدين يعلمون الناس الكتاب والحكمة وما اخُتلف عليهم منها،
فهناك نصوص قرآنية وروايات نبوية
الغرض من البحث فيها استنباط أحكام شرعية للمكلفين، وهنا الباحث (الفقيه) قبل أن يبحث ويبذل غاية الوسع للوصول للحكم يكون بين مفردتين الرجاء والخوف
الرجاء أن بحثه أوصله لحكم الله الواقعي فينال بذلك الأجر والثواب والخوف أنه بَعُد عن الحكم والمراد الحقيقي لله فينال غضب الخالق وتبعات ذلك حمل ثقيل يتحمله يوم القيامة مالم يكن معذوراً في بحثه.
ومن شروطه:
١- عدم العجلة وسلك سبيل الاحتياط والورع، والبعد عن الشاذ النادر والتركيز على مايبرئ الذمه وكلها لها علاقة بعالم الغيب فنتائج البحث له ارتباط وثيق بعلاقة الفرد مع ربه.
٢-العناية التامة بجهد الفقهاء الذين سبقوه للوصول إلى نتائج أفضل في بحثه.
٣-مراعاة أقصى حد يمكن أن يصل له الفقيه يبرئ ذمته أمام الله ويجعله معذوراً في بحثه.
السائل:
إذن: البحث الأكاديمي هو علاقة الفرد بالمجتمع أياً كانت النتائج وعماده عمود الحياة المادي،
البحث الحوزوي هو علاقة الفرد والمجتمع بربه وبمن اختارهم لمستودع سره التي عمودها النجاة يوم القيامة.
الجواب:
أحسنت..
وهنا على الباحثين الأكاديميين أن يراعو هذا الفارق الجوهري في البحثين، وإن شئت قلت
البحث الأكاديمي يطرح التشكيك ليرى قوة النظرية المطروحة التي كانت قبله، فإن صمدت أمام التشكيك وإلا استُبدلت أو صُححت وناتجها على الفرد والمجتمع قد يكون محدود لمن له علاقة مباشرة بها، وقد يكون عاماً كأكتشاف المصباح الكهربائي ولكن ليس بالضرورة الجزم بتضرر كل من لم يعمل بالنتيجة المرجوة، فهي بالنهاية نتاج بشرى فاحتمال الخطأ فيه كبير جداً،
أما البحث الحوزوي
ميزانه القرآن الكريم والعترة الطاهرة فهو نتاج إلهي ومن بيده علم كل شيء وهو خالق كل شيء
قال تعالى ﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا﴾[الإسراء: ٣٦]
﴿قُل أَرَأَيتُم ما أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعَلتُم مِنهُ حَرامًا وَحَلالًا قُل آللَّهُ أَذِنَ لَكُم أَم عَلَى اللَّهِ تَفتَرونَ﴾ [يونس: ٥٩]
وكما ورد في الرواية
(وقد كُذِب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثُرت عليّ الكذابة فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) (١)
وروي قال رسول الله: ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ” (1).
وقال:( ” إياكم والبدع، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة تسير إلى النار “) (٢)
فالتشكيك في مفرداته إذا لم يقم على أساس العلم والمعرفة المتلبسة بالورع والتقوى وسلك سبيل الاحتياط في عدم طرح رأي قد يخالف حكم الله الواقعي أو الظني المعتبر المحفوف بالقرائن
قد يؤدي إلى الهلاك في الدنيا والأخرة، فهنا المكلف لو خرج عن الدين بسبب التشكيك أو بدأ ينقم على الدين أو يأخذ منه مايلبي هواه كلها تبعات يتأثر بها المكلف سواء في الخير أو الشر
هذا والله أعلم.
١٦ / ٢ / ١٤٤٢ هجرية
لمزيد من المقالات
https://t.me/zaher000
مدونة
https://2u.pw/cJTnM
المصادر :
(١)بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢ – الصفحة ٢٢٩.
(٢)في ظلال التوحيد – الشيخ جعفر السبحاني – الصفحة ١٤٣.