لِلْأَحْساءِ يُخْصِبُ الْعِشْقُ
أحمد اللويم
عَرِفَتْكَ رغمَ غُضونِكَ (الأَحْساءُ)
فعليكَ منها لم تزلْ سِيماءُ
ما أسقطَتْ ذِكراكَ من أجفانِها
فَعَلى الرُّموشِ تُعَلَّقُ الأسماءُ
قد جئتَها والقلبُ أوجفَ نبضَهُ
شوقٌ قد اضطربَتْ له الأعضاءُ
عيناكَ تقتحمانِ تاريخًا بدا
منه شفيفٌ مائرٌ وَضّاءُ
ما زِلْتُ يا (أَحْساءُ) يُطْرِبُني صَدَى
أمسٍ تشعُّ خيوطُهُ البيضاءُ
إني أتيتُكِ شاعرًا لم يُنسِهِ
نأيٌ بأنَّكِ أمُّهُ الغَرَّاءُ
ما زلتُ أنسجُ من رؤاكِ قصيدةً
والآنَ حَلَّ على المَدينِ قضاءُ
فمتى أُحَدِّثْ عنكِ يخضرَّ المَدى
فإذا القصيدةُ واحةٌ خضراءُ
ومتى أشاكسْ فيك بوحًا حائرًا
ألهمْهُ أَنَّكِ غادةٌ حسناءُ
ماذا أقولُ وقد تَصَوَّفَ في دَمي
عشقٌ يُوَرِّثُ نُسْكَهُ (الآباءُ)
الأبجديةُ ضاقَ عنكِ فضاؤها
مذ سدَّ منكِ الخافقيْنِ فضاءُ
فإذا نهضتُ لأجتليكِ حقيقةً
أوهى حروفي دونَكِ الإعياءُ
قد كنتِ أَبعدَ من خيالٍ طامحٍ
ما انفكَّ يشحذُ عزمَهُ استقصاءُ
قطَّرْتُ في كأسي بقيةَ ما روى
عنكِ الخيالُ ونَبَّأَ الإيحاءُ
عن ألفِ عامٍ حدثتني ليلةٌ
فغرقتُ في ما أهرقَتْ أصداءُ
فوقفتُ مبهورًا أمامَ شوامخٍ
والزهوُ فوقَ جبينِهِ أنداءُ
يا خيمةَ التاريخِ فاضَ بِكِ السنى
وتسرَّبَتْ من سِرِّكِ الأضواءُ
قد قيلَ (طرفةُ) قلتُ بعضُ (يراعةٍ)
فلدى الدواةِ من (اليراعةِ) (ياءُ)
لا تَرْقُبُوا (أَلِفًا) ولا (عَيْنًا) إِذا
لم تُفْشِ سِرًّا لِلدَّواةِ (الرَّاءُ)
ولرُبَّما انْحَسَرَ الزَّمانُ ولم يَزَلْ
في الغَيْبِ ما تَطْوِي عَلَيْهِ (التَّاءُ)
فَعَلى شِفاهِ الْغَيْبِ غَيْثُ سَحابَةٍ
ظَلَّتْ تؤمِّلُ سَيْبَهُ الْبَيْداءُ
النَّخْلةُ السَّمْراءُ يَكْسوها ضُحًى
فَرْطَ الْحَياءِ من الظِّلالِ كِسَاءُ
وَتَشُدُّ حَوْلَ جُذُوعِهِنَّ مُلاءَةً
كَيْلا يَرُوعَ حَياءَهُنَّ هَواءُ
فكأنّها خودٌ غَلا في سترِها
ذُو غَيْرةٍ نظراتُهُ شزراءُ
تَلْوي من الصَّيْفِ انْدِفاعَ غُرورِهِ
وَيَذِلُّ لم تَأْنَفْ بِهِ الخُيَلاءُ
فَالصَّيْفُ يُقْعِي حَوْلَ ظِلٍّ شَاقَهُ
مِنْها فَتَنْسى حَرَّهُ الآناءُ
سَتَظَلُّ في الأَحْساءِ فِتْنَةَ عاشِقٍ
-رغمَ الحياءِ- النَّخْلةُ السَّمْراءُ
ويَظَلُّ يَنْبُوعٌ يُدَوْزِنُ نوتةَ الـ
ـحَقلِْ الْجَدِيدِ بِهِ تَغَنَّى الماءُ
ويظلُّ يرقبُ عاشقونَ عفافَهم
لو حَلَّ مِئْزرَهُ وَجَفَّ حَياءُ
وهناكَ يَعْتَمِرُ الحَصادُ سِلالَهُ
وينالُ أَوْسِمَةَ السَّماءِ عَنَاءُ
يا بنتَ مَن نَصَبُوا عَتادَ طِماحِهِمْ
ولهم على قَدْرِ الطُّموحِ وفاءُ
كَبُرَتْ نفوسُ بنيكِ يومَ ملأتِهم
بكِ عزةً فهمُ لكِ الأبناءُ
شَدُّوا إلى النَّجْمِ السعيدِ مناهُمُ
حتى تَهَيَّبَت المُنى الجوزاءُ
عَقَدُوا على أَيمانِهم إِيمانَهم
فهمُ لكلِّ فضيلةٍ أكفاءُ
مذ قام إنسانُ الهدى في أرضِهمْ
كانوا اليمينَ لَهُ فشاءَ وشاؤوا
لم تَجْدَع البَلُوَى أُنوفَهمُ وقد
مَرَّتْ حَمِيَّتُهُمْ ومَرَّ إباءُ
قد قالَ جَدُّهُمُ (ابنُ ساوَى) هاهُنا
(عَهْدٌ) سَتَحْمي نَصَّهُ (الطُّغْرَاءُ)
وَبَنَى لَهُمْ (لله) (ثانيَ مسجدٍ)
هو سينُ (بسملةٍ) و(يثربُ) باءُ
ما زِلتِ لـ(ـلإسلامِ) بيتًا عامرًا
يَزْهو بِهِ بِالمُوقِنِينَ فِناءُ
أَطَوى الزمانُ سِجِلَّهُ فَتَهَرَّأَتْ
أوراقُهُ فَأَشاحَ عنه رجاءُ؟
فَلْتَحْكِ يا جبلَ المُشَقَّرِ هاهنا
ذئبُ الشكوكِ يريبُ منه عواءُ
ما زال سِرُّكَ يستفزُّ غموضُهُ
أملًا له قلبُ اليقينِ وعاءُ
قد كنتَ في فجرِ الحكايةِ شارةً
للبدءِ ما اختلجَتْ بكَ الضوضاءُ
ركضَتْ بك الأيامُ لاهثةَ الخطى
وصداكَ تكبو خلفَهُ الأصداءُ
يا أيُّها الشيخُ الملمُّ بسرِّهِ
يحلو لعذبِ حديثِكَ الإصغاءُ
حدِّثْ عن الماضينَ كيفَ توضَّأَتْ
بنقائِهم لصلاتِها (الأَحْسَاءُ)؟
كيف استفزَّتْ كبرياءً خادرًا؟
ما انْفَكَّ يُثْمِلُ خَطْوَهُ اسْتِحْياءُ
كانوا هنا والمجدُ مِلءُ رِحالِهِمْ
وَهُمُ على أَسْرارِهِ أُمَناءُ
جعلوكَ حاكمَهُمْ على إِبْداعِهم
للآنَ فوقَ شفاهِكَ الإطراءُ
للآنَ يسطعُ من جبينِكَ ذكرُهم
ما أنتَ تلكَ الصخرةُ الصماءُ
أحساءُ متكأُ الجلالِ على المدى
ومن الجمالِ قصيدةٌ عصماءُ
كم نجمةٍ عَطَفَتْ عليكِ سقاءَها
حتى ارتوَتْ من ضوئها الحصباءُ
فتكاد تشرقُ من ثراكِ كواكبٌ
ويفيض من خللِ الترابِ ضياءُ
هذا (ابنُ جمهورٍ) يكادُ بريقُهُ
من رمسِهِ تطفو به اللألاءُ
ويكادُ يعقدُ فوقَ رمسٍ مجلسًا
فيه تبايعُ رأيَهُ الآراءُ