رحل آخر الخوارج
أمير بوخمسين
لم يفارق سيجارته الكوبية، وكوب القهوة، وقلمه المحمول معه دائماً في حلّه وترحاله.. وهو الذي أطلق على نفسه (آخر الخوارج) رحل رياض نجيب الريّس وفارق الحياة في بيروت التي طالما عاش فيها وحنّ إليها وهو بعيد عنها، وخرج منها في الثمانينات نتيجة الحرب الأهلية، ورحل إلى لندن حيث مكث فيها إلى بداية الألفية الجديد، مارس خلالها عمله الإعلامي والصحافي، انطلق من خلالها للانتشار في أووربا و أميركا والعالم العربي، وفي بداية الألفية الجديدة رجع إلى لبنان، التي طالما عاش فيها وقت عنفوان شبابه، التي يذكرها دائماً، وعندما أراد كتابة سيرته الصحافية، أطلق عنوان لكتابه أثار فيه فضول الكثير من الكتاب والقراء عندما عنون الكتاب بـ ( آخر الخوارج – أشياء من سيرة صحافية – الطبعة الأولى 2004). هذا العنوان حيّر الكثير من القراء والمتابعين له، بأنه اختار هذا العنوان المثير لتدوين سيرته الصحافية، أعطى انطباعاً بأن الرجل مشاكساً وخارجاً عن المألوف، ولكن في كتابه يوضّح المنطلق الذي دفعه لاختيار هذا العنوان فيذكر في كتابه (أعترف أن كلمة الخوارج، أي الذين هم خارج السياق العام النمط المتعارف عليه في الحياة. أو ربما الخارج عن السائد والمألوف. وكنت قد اعترضت قبل حوالي خمسين سنة على ترجمة كلمة Outsider في عنوان كتاب اشتهر في أوساط المثقفين العرب في الخمسينات للكاتب الإنكليزي كولين ويلسون، صدر بعنوان ” اللامنتمي” (ترجمه منير بعلبكي). ومن أسباب اعتراضي أن كلمة “اللامنتمي” لا تعني في ظني تماماً كلمة الخوارج، لأن غير المنتمي لفكرة أو قضية ليس هو بالضرورة الخارج عن سياق النمط العام. والخارج عن السائد والمألوف ليس بالضروري أن يكون غير منتمٍ إلى فكرة أو عقيدة أو موقف). ثم يذكر عن أيام شبابه وصباه فيقول: (كان من الطبيعي لواحد من جيلي أن يأتي لبنان في طفولته، فيدخل في مدارسه ويتعلم في جامعاته ويعيش صباه وشبابه في كنف صداقاته اللبنانية. ولم يكن لدينا أي شعور في شبابنا، بتمايز ما بيننا، نحن غير اللبنانيين وبين اللبنانيين. كان التطلع خارج الحدود القطرية العربية لكل منا أمراً طبيعياً، وكان التقوقع داخل الحدود اللبنانية أمراً انعزاليا). رياض نجيب الريّس كان طموحاً وعلاقاته مع الجميع، كان منفتحاً على كافة الأطياف والتوجهات الفكرية والثقافية العربية والغربية، ولم يمنعه توجهه القومي العروبي في التعاطي مع الجميع، حيث كان حاضناً للكثير من الطاقات العربية من كتاب وشعراء، فأسس شركة رياض الريس للكتب والنشر سنة 1986في لندن ونقلها لاحقاً إلى بيروت، وأصدر مجلة الناقد الشهرية في لندن التي أستمرت لفترة من الزمن، ثم أغلقت فيما بعد، كانت من المجلات المتميّزة في أطروحاتها وعرضها لمختلف القضايا العربية، الناقد كانت منبراً للنقد ومناقشة كافة المواضيع برؤية جديدة، لم تكن مثل بقية المجلات الصادرة آنذاك بل أخذت موقعها ومكانتها في أوساط النخب العربية والإعلام ا لعربي. التقيت بالأستاذ رياض في لندن في الثمانينات، كان موسوعياً وإعلاميا ومثقفا، وصاحب مبادرات، شارك في معارض الكتاب في الكثير من الدول العربية، والأوروبية، وكتبَ في مختلف المجالات الثقافية والفكرية والأدبية، وله إصدارات متعددّة.. توجّه من خلال إنشائه للدار باسمه و آخر كتاب حمل توقيعه هو (صحافة النسيان). رحل رياض في شهر سبتمبر 2020عن عمر ناهز 83 عاماً، عمر حافل بالأدب والثقافة والشعر، حيث أثرت داره المكتبة العربية بالكتب المتنوعة.