الشيخ آل سيف.. خمسة أقوال في دفن الإمام الحسين (ع)
بشائر: الدمام
بيّن سماحة الشيخ فوزي آل سيف الاتصال الوثيق والمباشر بين دفن رأس الأمام الحسين (ع) وبين عودة الأسارى وركب السبايا من الشام إلى كربلاء، ذاكراً ذلك في الليلة الـ ٢٢ من شهر محرم الحرام.
مؤكدا على إجماع المؤرخين والمحدثين من شيعة أهل البيت بأن الرأس الشريف رُد إلى كربلاء من الشام، وقام الإمام السجاد بدفنه مع جسد الحسين في قبره. أما أتباع مدرسة الخلفاء فيرون أن رأس الحسين دُفن في المدينة المنورة. ينقلون هذا الخبر عن محمد بن سعد البغدادي، صاحب كتاب طبقات الصحابة. زاعمين أن يزيد أرسل الرأس إلى واليه على المدينة عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق، الذي دفن رأس الحسين عند أمه فاطمة!
وتابع: “هذا الشامت الذي لما أذيع في المدينة نبأ قتل الحسين وسمع واعية نساء بني هاشم في دورهن ضحك وأنشد “عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب” وهو نظير قول يزيد: “ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل”. ولا يمكن لمن هو بهذا المستوى من الحقد أن يولي حفاوة برأس الحسين ودفنه، إضافة إلى أن قبر الزهراء (ع) غير معروف، ثم إن نبش أي قبر بعد مرور حوالي ٥٠ سنة لا يجري بلا استئذان ولا علم أحد.
وتعرض إلى رأي آخر يستدل عليه برواية عن الإمام الصادق بأن الرأس الشريف دفن في الغري، لكنها رواية غير معتبرة السند، ولا يمكن الاستدلال بها. وفصّل بأن الإمام الصادق صلى في ذلك المكان ركعتين وأخبر أنه وضع فيه رأس جده الحسين، منبهاً إنه إذا صحت هذه الرواية فهي تشير إلى أن ذلك المكان مشهد من المشاهد التي وضع فيها الرأس، لا أنه دفن فيه. لا سيما مع وجود روايات كثيرة تقول: أن الرأس والجسد مدفونان معا. ومن المعلوم أن جسد الحسين ليس في الغري.
وتطرق إلى قول ثالث ذكره سبط بن الجوزي أحد علماء مدرسة الخلفاء، وهو ممن يتعاطفون مع مناقب وفضائل آل محمد. ويذكر بأن رأس الحسين لم يرد مع ركب السبايا، لكنه جُعل في خزائن يزيد بن معاوية، إلى أن عثر عليه الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك مع رؤوس أخرى، وميز منها رأس الحسين فأخذه وغسله وطيبه بمسك ولفه في ديباج ودفنه في ذلك المكان.
وأكد أن رأس الحسين وُضع في خزانة يزيد ثلاثة إلى تسعة أيام مدة بقاء السبايا والأسارى، وذلك المشهد للرأس الشريف موجود إلى الآن، فكل مكان وضع فيه رأس الإمام الحسين يشيد ويبنى، وهذا من أسرار النصر الإلهي {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}.
وأردف قائلاً: “من النصر أن الإنسان لا يموت بقتله، وإنما يبقى حيًا مؤثرًا يتفاعل معه الناس، إن تلك المشاهد وصلت إلى (عسقلان) بفلسطين، حيث ادُعي أن رأس الحسين وصل إلى ذلك المكان، وأقيم له مشهد هناك. بينما ذهب ذكر بني أمية بمجرد انتهاء دولتهم، حتى في دمشق عاصمة ملكهم وحاضنة أمجادهم. ذهب ذكرهم ولم يبق لهم إلا لعن اللاعنين”.
القول الرابع أن الرأس الشريف في مصر، حيث يوجد إلى الآن مشهد ضخم في القاهرة، ويقدم له المصريون فروض الاحترام والإكرام ويتبركون ويتوسلون به.
وذكر أن فكرة نقل رأس الحسين إلى مصر جاءت من زمان الفاطميين حوالي سنة 548هـ، حيث بدأت الحملات الصليبية على المشرق العربي، وكان في مصر أحد الوزراء يسمى الملك الصالح طلائع، عرف أن فلسطين ودمشق أول ما سيستهدفه الصليبيون. فتفاوض مع عسقلان أو دمشق ودفع لهم الأموال مقابل رأس الحسين، وأعطوه الرأس الشريف وجيء به إلى القاهرة، وتم تشييد مشهد عظيم لا يزال موجودًا إلى الآن.
وفي كل سنة يحتفي المصريون بتاريخ وصول رأس الحسين إلى القاهرة احتفالًا عظيمًا على مدى أسبوع، مشيراً إلى عدم وجود دليل على أن الإمام السجاد قد أخذ رؤوس كل الشهداء، وإنما الدليل عندنا قائم على أنه قد أخذ رأس الحسين (ع)، باعتباره هو وليه وله السلطان على ذلك، فيستطيع أن ينقل الرأس من مكان إلى مكان ويأخذه ويرجعه ويدفنه.
وقال: “يقول السيد عبد الرزاق المقرم -وهو باحث في السيرة والنهضة الحسينية (رض)- أن السجاد لا يريد أن يطلب شيئا من يزيد، ولا أن يجعل له يدًا عليهم، لكن رأس الحسين يستحق ذلك، فأخذه معه وأرجعه”.
وأضاف: ” إذا صحت الرواية التاريخية المصرية فالمحتمل أنه تم نقل بعض الرؤوس الأخرى بعنوان أن منها رأس الإمام الحسين، وبعد مرور 500 سنة من يستطيع أن يميز أن هذا رأس الحسين أو رأس علي الأكبر أو رأس أبي الفضل العباس.. فقد تكون رؤوس أولئك الصفوة. ومعلوم أن لفاطميين ينسبون أنفسهم إلى فاطمة الزهراء، ويهمهم إعلان المظاهر الشيعية في مصر”.
أما القول الخامس الذي عليه مشهور الإمامية، فهو أن رأس الحسين أعيد إلى كربلاء بواسطة الإمام السجاد، وأنه هو الذي دفنه وألحقه بقبره.
وأكد رواية دفن الإمام السجاد للرأس الشريف، ووصفها بأنها معتبرة وتامة السند. رواها الشيخ الصدوق في كتابه الأمالي بسند يتصل بفاطمة بنت أمير المؤمنين (ع) أخت الإمام الحسين (ع)، والتي كانت من ضمن ركب السبايا. ولها رواية طويلة تثبت بأن الإمام علي بن الحسين خرج مع النساء من دمشق وردهم مع الرأس إلى كربلاء ، ومنه عرف اصطلاح رد الرأس، إشارة إلى هذا الحدث، وبذلك التاريخ. وتوجد أكثر من رواية بنفس هذا اللسان، فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس، ومن المعلوم بالاتفاق بأن الجسد في كربلاء، فلا بد أن يكون الرأس مدفونًا معه في كربلاء.
واستشهد بأقوال كثيرة للعلماء مثل الشريف المرتضى في كتابه الرسائل، الذي ادعى ما يشبه الإجماع بين المحدثين والمؤرخين الشيعة على هذا الأمر، لا أقل في زمان الشريف المرتضى وهو من السابقين حوالي سنة 416هـ.
واستشهد بشيخ الطائفة الطوسي المتوفى في الفترة نفسها 480هـ والذي أكد ذلك، وتلميذه الشيخ الطبرسي في كتابه (إعلام الورى بأعلام الهدى)، وغيرهم ممن نؤخر شهادته باعتباره عالم فلك وتأريخ وجغرافيا كأبي الريحان البيروني، لكن التقويم للأحداث التاريخية والأماكن التي هي الجغرافيا، كل هذا يتصل بالقضية، وقد كتبوا أن رأس الحسين رُد إلى كربلاء. وهذا الذي عليه الإمامية الآن، وعندنا في روايات الزيارات (إذا جئت فقف عند رأس الحسين عليه السلام)، أو (صل ركعتين عند رأس الحسين)، وتدعو بكذا وكذا وإن كان فيها إشعار أنه جهة الرأس، لكن لا يمنع أن تنطبق على الرأس نفسه.
الجدير بالذكر أن قبر الزهراء (ع) كان ومايزال يكتنفه الغموض والإبهام، فلا أحد إلى الآن يستطيع الجزم بموقع قبرها (ع)، حتى من داخل الأسرة الهاشمية، فكيف يمكن لعمرو بن سعيد الأشدق، وهو من ألد أعداء الهاشميين أن يعرف مكانه، مع عدم وجود إشارات واضحة من المعصومين (ع).