الشيخ اليوسف: المتسامحون يحولون أعداءهم إلى أصدقاء
بشائر: الدمام
قال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة يوم أمس، أن المتسامحين والمحسنين يحولون أعداءهم إلى أصدقاء وأما الحمقى فيحولون أصدقاءهم إلى أعداء لهم.
وأضاف: إن من الحكمة كسب المزيد من المعارف والأصدقاء، وأنهم مهما كثروا فهو قليل، وتجنب العداء بقدر المستطاع مع أي أحد، لأنهم مهما قلّوا فهو كثير.
ولذا روي عن لقمان أنه قال لِابنِهِ: «يا بُنَيَّ اتَّخِذ ألفَ صَديقٍ، وَالأَلفُ قَليلٌ. ولا تَتَّخِذ عَدُوّاً واحِداً، وَالواحِدُ كَثيرٌ» ، عنه – أيضاً- قال: «يا بُنَيَّ استَكثِر مِنَ الأَصدِقاءِ، ولا تَأمَن مِنَ الأَعداءِ؛ فَإِنَّ الغِلَّ في صُدورِهِم مِثلُ الماءِ تَحتَ الرَّمادِ ».
ودعا الشيخ اليوسف إلى اتباع قاعدة: (رد الإساءة بالإحسان) في جميع التعاملات الأسرية والعائلية والاجتماعية وغيرها، وأنها أفضل وسيلة لكسب الناس بما فيهم الخصوم والأعداء، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
وقال: لقد طبّق رسول الله هذه القاعدة القرآنية، واستطاع بتعامله الإنساني والأخلاقي حتى مع خصومه وأعدائه، أن يكسبهم إلى صفه، ويحولهم إلى أصدقاء حميمين له بعدما كانوا من أشد الأعداء؛ فلم يكن يرد الإساءة بمثلها، بل بردها بالحسنة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾.
وشدد على من المهم للغاية أن يتعلم الإنسان (فن التعامل مع الخصوم والأعداء)، ويتقن أساليب ووسائل تحويلهم من أعداء إلى أصدقاء، ومن خصوم إلى أحبة، وهذا يتطلب حكمة وحنكة، وضبط المشاعر، وعدم الانفعال، ورد الإساءة بالإحسان، والتعامل الأخلاقي الراقي معهم؛ كما كان يفعل رسول الله مع من نصبوا له العداء الدفين.
وتابع: إن الحياة تقوم على التدافع بين البشر، وعلى الصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، ولكل منهج أصحابه وشخوصه ورموزه، ولا تخلو حياة أي إنسان مهما كان طيباً وخلوقاً من أشخاص يكنون له العداء والكراهية والحقد والحسد والضغينة.
وأشار إلى أنه كما يرتاح الإنسان إلى أصدقائه ومعارفه ينزعج من خصومه وأعدائه الذين يسعون لخلق المشاكل ضده، وإيجاد المنغصات أمامه، وربما يسعى بعضهم للإضرار به أشد الإضرار، ومن الحكمة أن يستوعبهم، والأفضل أن يحولهم إلى أصدقاء حميمين له إن استطاع فعل ذلك.
وضرب الشيخ اليوسف بعض الأمثلة على ما ورد في السيرة النبوية المباركة من مواقف إنسانية لا نظير لها في تعامل رسول الله الأخلاقي والإنساني تجاه خصومه وأعدائه، ومن تلك المواقف النبيلة: أن رسول الله كان رحيماً حتى بأعدائه، وكان يدعو لهم بالهداية بالرغم مما فعلوه به، لأن هدفه كان هو هداية الناس إلى التوحيد وطريق الحق، فقد روي: أنه لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد، شق ذلك على أصحابه شقاً شديداً، وقالوا: لو دعوت عليهم؟
فقال: «إني لم أبعث لعاناً، ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون».
وعن ابن مسعودٍ قال: كأنّي أنظُرُ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَحكي نَبيّاً مِن الأنبياءِ ضَربَهُ قَومُهُ فأدمَوهُ، وهُو يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ ويَقولُ: «اللّهُمَّ اغفِرْ لِقَومي فإنّهُم لا يَعلَمونَ».
وموقف إنساني آخر من السيرة النبوية: عندما فتح رسول الله مكة المكرمة، وجاء إليها فاتحاً منتصراً، وهو في مركز القوة والقدرة، بينما خصومه كانوا في مركز الضعف والوهن، عفا رسول الإنسانية عن كل أهل مكة حتى الذين حاولوا قتله أو قتلوا أعز أصحابه وأهل بيته. وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وفي رواية أخرى: «قال فاني أقول كما قال أخي يوسف : ﴿قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾».
وأكدّ الشيخ اليوسف على أهمية وضرورة التأسي يسيرة رسول الله ، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، والتحلي بصفة التسامح والعفو والصفح تجاه المسيئ، وعدم رد الإساءة بمثلها، وإنما بالإحسان؛ فبه تملَك القلوب وتسترق النفوس.
وأبدى أسفه الشديد لوجود عداوات وخصومات بين بعض الأقرباء والأرحام تجاه بعضهم البعض، أو وجود خصومات بين بعض العوائل مع عوائل أخرى، أو عداوات مزمنة بين قسم من الناس والقسم الآخر بسبب خلافات مادية أو فكرية أو هامشية أو تافهة أو أمور قديمة، وقد تستمر العداوة لسنوات وسنوات من دون صفح وتسامح.
ودعا إلى التحلي بالعفو والصفح والإحسان تجاه من نخاصمه ونعاديه، وتجنب خلق العداوات والخصومات، والتحلي بمنقبة التسامح وفضيلة (رد الإساءة بالإحسان).