الموسى: حرية الغرب تذيبُ القِيَمَ الأخلاقيةَ وإليكم حقائق مذهلة!!
مالك هادي: الأحساء
“ولمْ يَكُنِ اللهُ ولا رسولُهُ (ص) لِيُجْبِرَ إنسانًا على اعتناقِ الإسلامِ والاعتقادِ باعتقادٍ معينٍ، فاللهُ منحَهُ العقلَ والإدراكَ ليميزَ بينَ الحقِّ والباطلِ، والهُدى والضلالِ، وأيضًا منحَهُ الحريةَ ليكونَ بعقلِهِ وحريتِهِ أهلًا لتحمُّلِ المسؤوليةِ، واستحقاقِ الثوابِ والعقابِ ، حيثُ إنَّ تشريعَ التكاليفِ وترتيبَ الجزاءِ عليها مبنيٌّ على أساسِ ثبوتِ الإرادةِ والحريةِ والاختيارِ لدى المكلفِ، وذلكَ بعدَ البيانِ وإلقاءِ الحجةِ” بهذا استهل سماحة الشيخ عباس الموسى خطبة الجمعة في مسجد الإمام الكاظم عليه السلام ببلدة الحوطة في الأحساء.
وأكد الشيخ الموسى أن القرآنُ يشيرُ إلى الحريةِ بتركِهِ القرارَ موكولًا إليهِ اختيار أحدَ الطريقينِ: إِمَّا شاكِراً يتبعُ فطرتَهُ وعقلَهُ وهُدى ربِّهِ، الذي هوَ السبيلُ الذي يسَّرَهُ لهُ، فيشكرُهُ على كلِّ نعمةٍ ومِنْ شكرِهِ طاعتُهُ، وَإِمَّا كَفُوراً لا يسمعُ نداءَ الحقِّ، ولا يُبصرُ الطريقَ ولا يسلكُهُ، فلا يشكرُ ربَّهُ على نعمِهِ، وإنّما عبَّرَ اللهُ بالشكرِ والكفرِ عنِ الهُدى والضلالِ لأنَّهُمَا الأساسُ والمُعَوَّلُ، فكلُّ ضلالٍ وكفرٍ وانحرافٍ في حياةِ البشرِ هوَ كفرانٌ لنعمِ اللهِ عليهِ، وكلُّ هُدى وإيمانٍ وعملٍ صالحٍ هوَ شكرٌ.
وتعرض سماحته إلى مفهومُ الحريةِ بينَ الغربِ والإسلامِ، فقال: تشدَّقَ كثيرٌ مِنَ المستشرقينَ وأصحابِ الحضاراتِ الغربيةِ بالدعوةِ إلى مفهوم الحرية، وفي المقابِلِ كالوا كلَّ التُّهمِ والافتراءاتِ على الإسلامِ وأنَّهُ يَمنعُ الحريةَ، ولا يُعطِي لمعتنِقِيهِ الحريةَ الكامِلَةَ، فتساءَلُ: هلِ الحريةُ يُرادُ مِنها تحويلُ الإنسانِ إلى شخصيةٍ مبتذلةٍ لا قيمةَ لها ولا احترامَ، فمثلًا تُسَامُ المرأةُ على طِبقِ منهجِ الحريةِ هذا؟ وتُشتَرَى وكأنَّها في سوقِ النِّخاسَةِ؟ وهلِ الحريةُ في استعبادِ الفردِ وجعلِهِ مجردَ يدٍ عاملةٍ أوْ منتجةٍ كآلةٍ مِنَ الآلاتِ؟
وتحدث الشيخ الموسى عن الحريةُ في المفهومِ الإسلاميِّ، فقال: ارتبَطَ مفهومُ الحريةِ في الإسلامِ بمفهومِ التكليفِ، فقدْ خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ ومَيَّزَهُ بالعقلِ الواعي القادرِ على اختيارِ أعمالِهِ وأقوالِهِ، والتصرُّفِ بإرادتِهِ الكاملةِ، وجعَلَ اللهُ الإنسانَ حُرًّا ومسؤولاً في آنٍ واحدٍ، فالأصلُ أنَّ الإنسانَ حُرٌّ لِيكونَ مُكلّفاً ومسؤولاً، فلا يُمكِنُ أنْ يَكونَ الإنسانُ مُكلَّفاً دونَ أنْ يكونَ حُرّاً، بلْ هيَ حقٌّ منْ حقوقِهِ، ودونَها لا يُمكِنُ أنْ يُمارِسَ المرءُ أعمالَهُ، قالَ تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)، ولِذا نجدُ الإسلامَ يطلقُ العنانَ في حريةِ اختيارِ معتقدهِ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، الإيمانُ باللهِ يَكمُنُ في الإقناعِ، وهوَ مُقترِنٌ بحُريَّةِ الإنسانِ في الاختيارِ، وما وظيفةُ الأنبياءِ والرُّسُلِ إلَّا الدّعوةُ والبيانُ دونَ الإجبارِ: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
ثم تناول سماحته بعضا مِنْ مظاهِرِ هذهِ الحريةِ في المجالِ العقائدِيِّ بأنَّ الإسلامَ لمْ يُلزِمِ غيرَ المسلمينَ بتطبيقِ أحكامِ الشريعةِ الإسلاميةِ على واقِعِ حياتِهِمْ، فاليهودُ والمسيحيونُ الذينَ يعيشونَ في بلادِ المسلمينَ يرجعونَ إلى أحكامِ دينِهِمْ ومِلتهِمْ، بينَما الغربُ خلافُ ذلكَ.
وأوضح أن هناك مذاهبُ عقائديةٌ متعددةٌ في داخِلِ الإسلامِ، وكذلِكَ مذاهبٌ فقهيةٌ متعددةٌ، وأن ليسَ مِنْ حقِّ أحدٍ في الإسلامِ أنْ يُجْبِرَ غيرَهُ في الإسلامِ أوْ خارجَهُ على اعتناقِ الدِّينِ أوِ المذهبِ، نعَمْ لهُ أنْ يُعارضَهُ ويُقنعَهُ بالتي هيَ أحسنُ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، ويُبينَ لهُ وَجهَ الخطأِ في عقيدتِهِ وانتمائِهِ عنِ اقتناعٍ، وبذلكَ تتجلَّى الحريةُ الفكريةُ في الإسلامِ.
وأكد أن الحريةُ في الإسلامِ ترتكزُ على النظرِ على حقوقِ الآخرينَ، بلْ تقفُ عندَ حدودِهِمْ، فليسَ لأحدٍ أنْ يعتدِيَ على آخَرَ في نفسِهِ ومتعلّقاتِهِ، وإلَّا كانَ ذلكَ ظُلماً لا حريّةً، وليسَ لهُ أنْ يَسُبَّ الآخرينَ ويشتمَهُمْ متى ما شاءَ، وليسَ لهَ أنْ يعتدِيَ على أملاكِ الآخرينَ، وليسَ لهَ أنْ يُؤذِيَ الآخرينَ في الطريقِ أوْ بالجلوسِ حتَّى بجوارِ بيوتِهِمْ، وليسَ لهُ أنْ يُشَهِّرَ بشخصٍ مهما اختلَفَ معَهُ إلَّا إذا كانَ ظالِماً لهُ، وليسَ لهُ أنْ يغتابَ أحدًا أوْ يكذِبَ عليهِ فإنَّ ذلكَ مِنَ المحرَّماتِ، فالإسلامُ لا يُعطِي للإنسانِ كاملَ الحريةَ بحيثُ يَتعدَّى على الآخرينَ بما يعتقُدُ لنفسِهِ أنهُ حرٌّ في ما يقولُ وما يفعلُ.
وفي المقابل تسائل الموسى ماذا قدَّمَ الغربُ للإنسانِ مِنْ حريةٍ؟
فقال: في إعلانِ حقوقِ الإنسانِ الصّادِرِ عامَ 1789م عُرِّفَتِ الحريةُ أنَّها: (حقُّ الفردِ في أنْ يَفعلَ ما لا يَضُرُّ الآخرينَ)، وعند الغَرْب هيَ: (الانطلاقُ بلا قيدٍ، والتحرُّرُ مِنْ كلِّ ضابطٍ، والتخلُّصُ مِنْ كلِّ رقابةٍ، ولوْ كانَتْ تلكَ الرّقابةُ نابعةً مِنْ ذاتِهِ هوَ).
وأضاف: وربَّما نلاحظُ أنَّ الغربَ الذي يتشدقُ بعنوانِ الحريةِ كيفَ يناقِضُ نفسَهُ عمليًّا في تطبيقِها، فالحريةُ كعنوانٍ عندَهُمْ تدورُ مدارَ السلطةِ وقراراتِها ومصالحِها، وأبسطُ مثالٍ يُعرَضُ عليهِمْ وعلى العلمانيينَ المتشدقينَ بحريتِهِمُ المزعومةِ ما فعلَهُ الغربُ مِنْ جرائِمَ، شاهدتُمْ كيفَ قُتِلَ المواطِنُ الأمريكيُّ الأسودُ تحتَ ركبةِ الأبيضِ، وكمْ قُتِلَ مِنْ السودِ على أيديهِمْ، وهذا الغربُ الذي يُنادِي بحريَّةِ التّعبيرِ، هوَ نفسُهُ مَنْ يحاسِبُ على ممارستِها، ومَنْ يمنعُها ويقمعُها في أحيانٍ كثيرةٍ دونَ أيِّ مبرِّرٍ، وهوَ نفسُهُ الّذي يتعامَلُ بانتقائيةٍ معَ الآخرِ، وخصوصاً حينَ يتعلَّقُ الأمرُ بقضايا المسلمينَ.
وحول الإساءة إلى مقدسات المسلمين قال الشيخ الموسى: لا مشكلةَ لدى الغربِ في أنْ يتعرَّضَ العالَمُ للمسلمينَ والإساءةِ إلى مقدساتِهِمْ بكلِّ قذارةٍ بعنوانِ الحريةِ، وقصةُ سلمان رشدي معلومةٌ لَدَى كلِّ العالَمِ، والرسومُ المسيئةُ التي تصدرُ في فرنسا بينَ الفَينةِ والأُخرى والدنماركِ وغيرِها، ولكنْ نلاحِظُ الاصطفافَ الواضِحَ معَ الكيانِ الصهيونيِّ وكيفَ أنهُ لا يَقبلُ حتى بمجردِ الكلامِ عليهِ، بلْ يعاقِبُ كلَّ مَنْ يقفُ ضدَّهُ، ومعَ مشاهدتِهِمْ لكلِّ جرائِمِهِ لا ينتقدونَ ما يفعلُهُ الكيانُ الصهيونيُّ في أرضِ فلسطين.
وذكر سماحته أن الغرب حينما يتشدقونَ بحريةِ التعبيرِ فهمْ على أرضِ الواقعِ لا يمتلكونَ شيئًا مِنها، وذكر مجموعة من الحقائق التي تؤكد هذا الأمر، فقال: كيفَ تمنعُ بريطانيا مثلًا المجلاتِ الإسلاميةَ مِنَ الانتشارِ وأنْ تعبرَ عنِ الإسلامِ ومنهجِهِ، ومثلًا الإعلاميُّ الأمريكيُّ جيم كلانسي أُجبِرَ على تقديمِ استقالتِهِ مِنْ قناةِ “سي إن إن” على خلفيَّةِ “حربٍ كلاميّةٍ” بينهُ وبينَ داعمينَ لإسرائيلَ على “تويتر”، حيثُ عبَّرَ عنْ رأيِهِ بحريّةٍ، فانتهى بهِ الأمرُ فاقداً وظيفتَهُ، ومعلِناً استقالتَهُ بعدَ 34 عاماً مِنَ العملِ مَعَ القناةِ، وكانَ الصّحافيُّ الأميركيُّ قدْ لمَّحَ إلى تحريضِ “إسرائيل” للفرنسيّينَ على زيادةِ الهجماتِ والضّغوطِ على المسلمينَ، وقبلَ ذلكَ كتبَ أيضاً: “انتبِهوا.. الرسومُ الكاريكاتوريّةُ لمْ تسخرْ مِنَ النّبيِّ محمَّدٍ، بلْ سخرتْ مِنَ الَّذينَ يحاولونَ تشويهَ كلامَهُ”، ثمَّ كتبَ أنَّ “الدّعايةَ الإسرائيليّةَ تتحمَّلُ جزءاً مِنَ المسؤوليَّةِ عنِ الهجومِ”.
والإعلاميّةُ اللبنانيّةُ الأميركيّةُ، أوكتافيا نصر، كانتْ قدْ فُصِلَتْ منَ الشَّبكةِ نفسِها بعدَ نحوِ 20 عاماً مِنَ العملِ فيها، بسببِ تغريدةٍ لها على حسابِها في “تويتر”، أظهرَتْ فيها التقديرَ والاحترامَ للسيّدِ محمد حسين فضلُ الله (رحمه الله).
أيضًا فرنسا هذهِ التي تدَّعِي الحريةَ أَلَمْ تمنعْ وتحاكِمْ روجيه جارودي وتَحْكُمْ عليهِ بالسجنِ لأنهُ أنكرَ المحرقةَ اليهوديةَ أوْ شككَ في عددِ القتلى فقامَتْ قيامَةُ فرنسا؟ أينَ هيَ حريةُ التعبيرِ؟ ألمْ تمنعْ فرنسا المسلماتِ مِن ارتداءِ الحجابِ في الجامعاتِ والدوائرِ الحكوميةِ؟! وهددتْ مَنْ تقومُ بذلكَ بمنعِها مِنَ الدراسةِ والتعليمِ وغيرِ ذلكَ مِنْ حقوقِها المدنيةِ، وفي إِحدَى الأيامِ أجبرَتِ الشرطةُ الفرنسيةُ امرأةً مسلمةً على خلعِ الحجابِ بلْ أجبرتْها على التعرِّي أمامَ الشاطئِ ثمَّ أصدرَتْ غرامةً ماليةً على حجابِها وسَترِها، فأينَ هيَ الحريةُ في المعتقدِ؟
ووصف الشيخ الموسى حرية الغرب بالحريةُ التي تذيبُ القِيَمَ الأخلاقيةَ، والتي تجعلُ الإنسانَ يغرقُ في الشهواتِ والملذاتِ، وأن ما توفرُهُ الحضاراتُ الغربيةُ مِنْ مَنْحِ الإنسانِ الحريةَ الظاهريةَ في السلوكِ العمليِّ وتوفيرِ كلِّ إمكاناتِ ومغرياتِ الاستجابةِ لشهواتِهِ ما هوَ إلَّا قضاءٌ على حريةِ الإنسانِ تدريجيًّا، لأنهُ قضاءٌ على حريتِهِ الإنسانيةِ مقابِلَ شهواتِ الحيوانِ الكامِنِ في أعماقِهِ، فهيَ تجعلُ منهُ أداةَ تنفيذٍ لتلكَ الشهواتِ، فقال: ولِذا نجدُ المرأةَ تخرُجُ عاريةً ولاحقَّ لأحدٍ أنْ يعترِضَ عليها لأنها حرةٌ، بلْ حتى للفتاةِ الصغيرةِ المراهقةِ أنْ تعاشِرَ مَنْ تشاءُ مِنَ الرجالِ وليسَ لوليِّها أنْ يعترِضَ عليها، وكذلِكَ الرجالُ، وقدْ أُنشئَتْ هناكَ بِاسمِ الحريةِ أنديةٌ رسميةٌ تُسمَّى أنديةَ العراةِ ولهمْ شواطِئُ خاصةٌ بِاسمِهِمْ، وبِاسمِ الحريةِ الفرديةِ أصبحَ مِنْ حقِّ الرجلِ أنْ ينزُوَ على الرجلِ بلْ يُقَنَّنُ ذلكَ رسمياً، ولهمْ حقوقٌ نظاميةٌ ولنْ يطولَ الأمرُ كثيرًا حتَّى نسمعَ يومًا أنَّ العالَمَ الإسلاميَّ متهمٌ بالتضييقِ على الشواذِ وقدْ يستدعِي الأمرُ تدخُّلَ الأممِ المتحدةِ ومجلسِ الأمنِ، وحدِّثْ ولا حرَجَ في ذلكَ مِنْ أمثلةِ الحُرياتِ التي تريدُ للإنسانِ أنْ يكونَ حيوانًا، في الوقتِ الذي يدعُو فيهِ الإسلامُ إلى الاتزانِ وأنْ يتحررَ الإنسانُ مِنْ عبوديةِ الشهواتِ وأنْ يكونَ إنسانًا وليسَ بحيوانٍ، مِنْ خلالِ تنميةِ وتغذيةِ الروحِ الإنسانيةِ، الإسلامُ أرادَ مِنَ الإنسانِ أنْ يكونَ إنسانًا يَعِي رسالتَهُ في هذهِ الحياةِ، ويرتفعُ عنِ المصيرِ الحيوانيِّ المبتذلِ الذي تَسُوقُهُ إليهِ الشهواتُ الكامنةُ فيهِ، وأنهُ قدْ خُلِقَ مِنْ أجلِ شيءٍ أسمَى مِنْ هذهِ الغاياتِ التافهةِ.