الشيخ آل سيف.. يُصحح الصورة الغالبة في ذهنية الناس عن الإمام السجاد (ع)
بشائر: الدمام
صحح سماحة الشيخ فوزي آل سيف الصورة الغالبة في اذهان البعض من الناس عن الإمام السجاد (ع)، وهي صورة الإمام العليل المريض الذي ظهره مقوس دائماً، وحاله لا يساعده على فعل شيء، مؤكداً أن حالة المرض هي جزء بسيط من هذه الصورة، ذاكراً ذلك في الليلة الـ ٢٥ من شهر محرم.
ووضح أن الفترة الزمنية للإمام السجاد تصل فيها بعض التواريخ إلى ٦٠ سنة، حيث كانت فترة مرضه (ع) لاتتعدى شهرين في اكثر الفروض، مبيناً الحكمة من مرضه (ع) وهي أن يسقط الجهاد والدفاع عن الإمام السجاد بالنسبة لأبيه الحسين، حيث أن الإمام المعصوم اذا كان مهدداً بالموت فيما نعتقد نحن الامامية فيجب على من حضر في ذلك الوقت أن يجاهد بين يديه وأن يضحي بنفسه، لافتاً إلى الأمر المفروغ منه في العقيدة الإمامية وهو الدفاع والجهاد وحماية المعصوم من قِبل الناس، مشيراً إلى مانُقل عن الإمام الحسين (ع): (فانه لايسمع واعيتنا احد ثم لاينصرنا، الا اكبه الله على منخريه في نار جهنم)، وبهذا حذر بعض الحاضرين قال لهم اذا لا تريد ان تنصرنا انصرف من هنا؟، لأنه سيتفانى الأصحاب بعد ذلك ويستنجد الحسين و يستنصر واذا لم ينصره من كان قادرا على النصرة ومن كان غير معذور عن الجهاد فهذا مصيره أسود.
ووضح قائلاً: “فإذن قضية المرض هي لحاجة معينة، ولظرف خاص، وفترة زمنية خاصة، لم تستغرق هذه الفترة إلا هذا المقدار، فلنفترض من قبيل كربلاء من أول أيام محرم مثلاً، إلى ما بعد العاشر من محرم، أضف على هذا ما لقي من الأذى والتعذيب، والجرح وقضية الجامعة والاغلال والسفر المجهد، فأستطال هذا المرض لفترة أطول، ربما الى حين رجوعه إلى المدينة المنورة ثم يفترض بعد ذلك إنه انتهى هذا المرض”.
واستنكر قائلاً: “ونقول طول حياته إنه عليل!، هذا أمر ليس كامل الصورة والشخصية، وإنما أحد جهاتها وهو إشكال عليه، ربما قسم من الناس يلجأون إلى هذا حين التوسل لشفاء المرضى، لما يوجد من المناسبة بين علة ومرض الإمام السجاد، وبين الحاجة والطلب في المرض، مثلما إنه يتوسل بالإمام الكاظم في قضية السجناء والمعتقلين لكن هذا كما قلناه هو جهة، ولفترة خاصة فينبغي ان تُصحح هذه الفكرة في الأذهان، متطرقاً إلى قوله (ع): ( مابمكة والمدينة عشرون من محبينا)، وهو إنه لايوجد ٢٠ واحد محب حقيقي يسمع قوله، ويتبرأ من اعدائه ينتهج بمنهجه، سواء ان كان هذا عدد دقيق او عدد تقريبي، مشيراً إلى أن المدينة لم تكن متعاطفة التعاطف المطلوب مع ائمة الهدى (ع)، مبيناً مدى نشاط الإمام الاجتماعي.
وتطرق إلى الدور العلمي للإمام حيث كان له دور علمي متميز في المدينة المنورة، بحيث أن السبعة الفقهاء تنتهي إليهم الحلقات والدروس والمعارف العلمية الدينية بشكل مباشر او غير مباشر، لافتاً إنه لم يكن يحجب علمه حتى عن من كان يخالفه مثل: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، الذي كان بمثابة مفتي الأمويين.
وقال: ” أن هذا البحث ربما يكون من البحوث القليلة التي تبين حياة المعصومين (ع)، بالرغم من اهميتها، نظراً لأنها هي الأقرب إلى حياة الناس، الانسان يعيش حياة اجتماعية وأسرية،كيف يقوم بتربية أبنائه؟، كيف يتحمل مسؤوليتهم؟، هذا مهم نحن للأسف عندنا حالة بدأت تتشكل، ويشتكى منها، بأن الوالد يأتي بالولد ثم بعد ذلك لايهمه أمره في شيء، تستنجد به هذا ولدك لا يصلي!، الزوجة تكلم معاه أبنك لا يصلي، يتصفح مواقع محرمة، أبنك عابث، وكأنه الأمر لا يهمه في شيء!، يعتبر أن وظيفته أن يذهب من الصباح يأتي بالأموال، حتى يأكلوا ويسمنوا ويكبروا، الله يقول لك (قو انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)”.
وأكد سماحته بمسؤولية الوالدين في تربية أبنائهم وكيفية تطبع الأبناء على الهدى، وإخلاء المسؤولية عن توجيههم، أو الإستصغار بعمرهم، خصوصاً الفتيات، مشيراً إلى أن البنت تتعلم أمور كثيرة، مثل مشاهدة الأفلام، و الألعاب التي تهدر الوقت، مستنكراً أن هذه الأمور كلها ليست بصغيرة عليها؟، بينما الصلاة والصيام تكون البنت صغيرة!!.
ولفت إلى أن مسؤولية الوالدين أكبر في الزمن الراهن، وذلك بسبب التدخلات الخارجية التي تُغير الأفكار والاخلاق وغير ذلك، فمن المهم ان يتحمل الإنسان المؤمن مسؤولية أبنائه، والمؤمنة مسؤوليتها بناتها، من هنا ينبغي أن يتم التعرض إلى ائمة الهدى وإلى حياتهم الإجتماعية والإسرية، متطرقاً إلى مايرتبط بحياة الإمام السجاد الأسرية -نعني بذلك محيطه من زوجته أو زوجاته وأولاده-، ذاكراً أن أولاد الإمام السجاد كانوا ١٥ بين ذكر وانثى، أربع من الإناث، و ١١ من الذكور، وزوجته الحرة الوحيدة كانت بنت عمه فاطمة بنت الحسن المجتبى، هذه المرأة التي قال في حقها حفيدها الإمام الصادق: (كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها).
وذكر مايقال عنها إنها مرت ذات يوم على جدار، يكاد ينقض فاشارت بيدها وقالت: لا والله ما إذن الله لك أن تسقط حتى اجوز، وبالفعل جازت ومرت ثم بعد ذلك سقط ذلك الجدار، مضيفاً إنه لا يستبعد الأمر وأمثاله، حيث إنه لا يمكن القول أن كل حياتهم كانت كرامات ومعاجز وما شابه ذلك لكن نفي هذا كلياً ليس صحيحا.
ونبه قائلاً: “الجدير بالأمر والمناسبة اللطيفة، إنها هي التي ستكون واسطة في ان يكون ائمة الهدى من الإمام الباقر الى الإمام المهدي (عج)، ينتسبان الى الحسن والحسين، لأن الإمامة بعد علي في الحسن والحسين، ثم صارت في الحسين وأولاده، هل خرج الإمام الحسن من المعادلة بالكامل؟، فمن خلال ابنته فاطمة هذه الصديقة التي لم يدرك في آل الحسن مثلها، أصبح كل الائمة من بعد الإمام السجاد، كلهم جدتهم هذه وجدهم الحسن، ولذلك اذا سألوك الإمام المهدي بماذا ينتسب للامام الحسن؟، يكون جده من جهة الأم بواسطة هذه المرأة، وكأننا نشبه بينها وبين فاطمة الزهراء التي من خلالها اجتمعت النبوة والإمامة، وأنجبت الأئمة المعصومون، هذه أيضاً رجعت وجمعت فرعي الحسن والحسين، بدءا من الإمام الباقر إلى الإمام المهدي”.
وتابع -حسب ماذكر- من ابنائها الإمام الباقر، وعبدالله ويسمى بالباهر ( عبدالله الباهر) لشدة جماله، فالباقر لأجل علمه، والباهر لأجل جماله، الذي نُقل عنه الكثير من الروايات المتعددة، مشيراً إلى زيد الشهيد إبن علي إبن الحسين، وهذا ليس من فاطمة بنت الحسن وانما من جارية نقل ص المختار بن عبيدة الثقفي أهداها للإمام السجاد وقيل أسمها حوراء، فلما دخل بها الإمام السجاد ولدت له زيد الشهيد.
وفصّل أن زيد بن علي بن الحسين الشهيد ثار ضد هشام بن عبد الملك، وعارضه لانحرافاته، حيث أخذ العلم من أبيه إلى سن ١٧ عاما تقريباً، لما استشهد الإمام السجاد انتقل بالتعلم عند أخيه الباقر، الإمام الباقر أكبر منه سناً، وهو متقدم عليه علماً، مشيراً إلى أن الآن له قراءات وتفسيرات خاصة، وإلى الآن موجود ومحفوظ عنه، وفي الفقه كان له معرفة كبيرة ومفصلة، لافتاً إلى مدح وثناء الإمام الصادق عليه، ذاكراً (عمر الأشرف) من أبناء السجاد في مقابل (عمر الأطرف) والأخير هو من اولاد أمير المؤمنين، منوهاً إلى مايقول لماذا الائمة يسمون بإسم الخلفاء؟!.
ونوه إلى كتاب (التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي) للمؤلف المحقق السيد علي الشهرستاني، وهو محقق بارع ومتين وتعرض الى هذا في بحث قيم في حوالي ٢٥٠ صفحة، بشكل بديع، رد على أصل الفكرة وعلى وتفاصيلها، مشيرًا إلى من اراد التفصيل يرجع إليه.
ولخص ماذُكر إنه لم يثبت أن هذه الأسماء ملك لأشخاص معينين!، أو بإمتلاك صك ملكية، لافتاً أن هاشم جد الأسرة النبوية كان اسمه عمرو، متسائلًا هل المطلوب من كل واحد اسمه عمرو ان يذهب ويستأذن من بني هاشم؟؟!!، موضحًا بعدم الإلتزام بهذا لا في ذلك الزمان ولا في غيره من الازمنة، فلا دلالة على هذا الأمر، مشيراً إلى إنه في اتباع مدرسة الخلفاء والامراء لا يوجد أي واحد أسمه علي او الحسن او الحسين، لايوجد إلى ١٠٠ سنة ابحث لن تجد، متسائلًا: “فهل معنى ذلك أن أهل البيت يحبون هؤلاء حتى يسمّون باسمائهم؟، أولئك لا يحبونهم فلا يسمون باسمائهم، هل هذه المعادلة مقبولة؟”.
وأشار إلى عمر الأشرف وهو من أبناء الإمام السجاد، وكان عالماً جليلاً وقد تولى صدقات النبي (ص)، وصدقات اميرالمؤمنين، متطرقاً إلى أن صدقات أمير المؤمنين وهي إنه (ع) بعدما حفر آبار كثيرة كأبيار علي، وحفر مثلها في ينبع حفر البئر، في ذلك الزمان يعني بستان، موضحًا العقبة الاساسية في ذلك الوقت كانت قضية الماء، الأرض والبذور موجودة المشكلة الحقيقية هي الماء.
وقال: “الإمام أمير المؤمنين في فترة ٢٥ سنة التي بقي فيها بعد وفاة رسول الله، إلى أن جائته الخلافة في هذه الفترة كان يعمل هذا الأمر، بعدما اكتملت هذه البساتين وعند قرب شهادته اوقفها صدقة لبني فاطمة أولاً، ثم أبناء علي، ثم عامة المسلمين من كان يحتاج منهم إليها، وترك ولايتها لولد فاطمة خاصة، وأبناء أمير المؤمنين من غير ولد فاطمة، مثلاً أولاد محمد الحنفية لايدخلون في هذا، أولاد عمر الأطرف لا يدخلون فيها، بقية أولاد أمير المؤمنين من غير نسل الحسن والحسين ليسوا أولياء على هذه الأوقاف”، موضحًا إنه كانت صدقات أمير المؤمنين بين أولاد الحسن وأحفاده من جهة، وأولاد الحسين وأحفاده من جهة أخرى، الذي نازعهم فيه هو عمر الأطرف، من أولاد أمير المؤمنين وأمه تغلبية الصهباء، إجمالاً الرجل كان غير حسن المسير في مقابل عمر الأشرف.
وبين إنه للتمييز بينهما لُقب إحداهما بالأطرف والآخر بالأشرف، وكلاهما أبناء علي (ع)، فتفاقمت النزاعات بين عمر الأطرف وأبناء زين العابدين في الولاية على صدقات امير المؤمنين (ع)، والسلطة الاموية وقفت الى جانب عمر الأطرف في مقابل أولاد زين العابدين، إجمالًا كانت السلطة الاموية قدر الامكان تعزل عنها أولاد الحسنين حتى لا يستغنوا.
وشبه التربية بالأرض التي تكون أحيانًا حسنة وأحيانًا رديئة، مؤكدًا إنه حتى لو تم سقيها بماء عذب هذه تنتج هذه لا تنتج، الائمة (ع) بذلوا جهدا كبيرا في تعليم وتربية وتهذيب أخلاق أبنائهم وبناتهم، ولذلك انتج هؤلاء ما انتجوه، لكن بعض الأراضي ليس لها قابيلة مثل عمر الأطرف وغيره، هذا لا يعني خللاً في تربية الإمام وإنما الخلل هو في استقبال ذلك الشخص، ناصحاً قائلاً: “نحن مسؤولون في تربية أبنائنا، فإذا توجد قابلية عند بعضهم سيتأثرون، القسم الذي ليس له قابلية بعد أنت معذور، بيني وبين الله أنا بذلت جهدي لكن هو اختار طريقاً آخر، ونحن نستفيد من الائمة في إننا نبذل غاية المجهود في تربية ابنائنا وبناتنا، هذا إجمالاً عن حياة الامام السجاد حياته الاجتماعية والاسرية”، مضيفاً على ذلك سعيهُ (ع)
وراء التهذيب الاخلاقي للأمة، وتقوية ارتباطها بالله عز وجل من خلال أدعيته ومن خلال مناجاته.
الجدير بالذكر أن الإمام السجاد (ع) نُقل عنه من قِبل مؤرخي مدرسة الخلفاء والإمامية إنه كان يعول ١٠٠ بيت في المدينة المنورة، اذا فكرنا وتأملنا فيها أن ٥٠٠ شخص في الحد الأدنى، في كل بيت ستة أشخاص، حيث يتكون من زوج وزوجة واربعة اولاد، مع الملاحظة ان تلك الأزمنة -لا يوجد تحديد للنسل- كان امر الاستكثار من الأولاد امر مطلوب ضمن البيئة الاجتماعية، فهذا يعني إنه هناك ٦٠٠ شخص في المدينة المنورة كان الإمام السجاد يعولهم ويرعاهم.