الشيخ الموسى: المحاكم تصدر اكثر من ١٧٧ صك طلاق يومياً !!
مالك هادي: الأحساء
“مِنْ أصعبِ الأمورِ في الحياةِ مواجهةُ الأمراضِ الفتاكةِ بالمجتمعِ، وهذِهِ الأمراضُ تارةً تصيبُ الأجسادَ كما في كورونا وغيرِها منَ الفيروساتِ، والتي تسبِّبُ موتَ البشرِ، وتارةً أُخرى تُصيبُ الأخلاقَ عندَما تَذوبُ القِيَمُ، وثالثةً تصيبُ العلاقاتِ بينَ الناسِ وأصعبُها حالاتُ الطلاقِ المنتشرةِ في السنواتِ الأخيرة” بهذا انطلق إمام مسجد المغتسل في بلدة العمران سماحة الشيخ عباس الموسى متحدثا عن ظاهرة الطلاق في حديث الجمعة.
وذكر الشيخ الموسى تقاريراً صادرةُ مِنْ وِزارةِ العدلِ في الشهرِ الماضِي بعدَ انتهاءِ فترةِ منعِ التَّجوالِ والتي تشيرُ إلى وصولُ حالاتِ الطلاقِ إلى (4079) في الشهرِ الواحدِ، أي أنها عاودت الارتفاع بنسبة 96.7 % فأيُّهُما أخطرُ: موتُ الإنسانِ أوْ موتُ العلاقاتِ الإنسانيةِ؟
كما ذكر بأن الإحصائية تشير إلى أنَّ الطلاقَ في جميعِ مناطِقِ المملكةِ يتراوحُ بينَ 177 و 289 صكًّا يوميا، وفي مقابِلِ كلِّ 10 زواجاتٍ 3 طلاقاتٍ، فتسائل: وهذا ما يستدعِي الاهتمامَ والتركيزَ؛ لماذا هذا العددُ؟
وأكد الموسى على أن في الشريعةِ تأكيدٌ على الزواجِ واللحمةِ وبُغضِ الطلاقِ وإنْ كانَ حلالًا في نفسِهِ، فقدْ وردَ عنْ رسولِ اللهِ (ص): (تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَهْتَزُّ مِنْهُ الْعَرْشُ)، وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (مَا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ).
و تحدث عن خمسةِ أسبابٍ للطلاقِ وهيَ النظرةُ للجمالِ دونَ غيرِهِ في اختيارِ الزوجةِ، والانشغالُ بوسائِلِ التواصلِ الاجتماعيِّ عنْ شريكِ الحياةِ مِنَ الطرفينِ، وعدمُ التهيئَةِ المناسبةِ في بيتِ الزوجينِ، وعدمُ الانسجامِ الماديِّ بينهُما، والمخدِّراتُ، وركز على عدد منها وهي:
1. الخيانةُ، عندَما يُفاجَأُ أحدُ الشريكَينِ بوجودِ خيانةٍ مِنَ الطرفِ الآخرِ، وخصوصًا إذا كانَ متدينًا فإنَّهُ يرفُضُ المعيشةً معَ الخائِنِ، فقال: اليومَ معَ وجودِ وسائِلِ التواصلِ المرئيةِ والمسموعةِ والمكتوبةِ، ماذا لو وقَعَتِ الزوجةُ مثلاً علاقاتٍ محرمةٍ مِنْ خلالِ محادثاتٍ أوْ مكالماتٍ بينَ زوجِها ونساءٍ أُخرياتٍ؟! في هذه الحالةِ قدْ تكونُ المرأةُ ضعيفةَ الإيمانِ فتسلُكُ نفسَ الطريقِ، إمَّا بعنوانِ الانتقامِ أوْ بعناوينَ أُخرى، وقدْ تلجأُ في كثيرٍ منَ الأحيانِ إلى الطلاقِ إنْ كانَتْ متدينةً حيثُ لا تتمكنُ مِنَ الحياةِ معَ زوجٍ يعيشُ علاقاتٍ محرمةً وخيانَةً زوجيةً، ناهيكَ عنْ جرأةِ بعضِهِمْ حينما تُواجِهُهُ زوجتُهُ بأنَّ هذِهِ حريةٌ شخصيةٌ أوْ تدخلٌ في شؤونِهِ الخاصةِ، والحالُ هوَ الحالُ لوْ كانَتِ الخيانةُ مِنْ جهةِ الزوجةِ.
2. النظرةُ الكماليةُ المتوقَّعَةُ والمأمولَةُ مِنَ الطرفِ الآخرِ، فقال الشيخ: وهذا مِنَ التصوراتِ الخاطئةِ التي تحصلُ مِنْ أحدِ الطرفَينِ، فمثلًا يريدُ الزوجُ أنْ تكونَ زوجتُهُ جميلةً بكلِّ المواصفاتِ، ومتدينةً، وخلوقةً، ومتعلمةً، و… ، وربما يريدُ حورَ عينٍ كما في الجنةِ، وهذا جميلٌ في حدِّ ذاتِهِ، ولكنْ هلْ هوَ متصفٌ بهذِهِ الصفاتِ، أوْ لا ينظُرُ لنفسِهِ؟! وعمومًا لأنهُ يتوقعُ صفاتٍ معينةً قدْ لا تتحققُ مِنْ أحدِ الطرفينِ باتجاهِ الآخرِ؛ يؤولُ الأمرُ إلى الطلاقِ للأسفِ.
معَ أنَّ المفروضَ أنَّ كلَّ طرفٍ يَسعَى لإكمالِ الطرفِ الآخرِ، إذا لمْ يكنِ الرجلُ متدينًا؛ على المرأةِ أنْ تسعَى لتجعلَهُ كذلكَ، وإذا لمْ يكنْ متعلمًا؛ عليها أنْ تتحركَ في تعليمِهِ، والعكسِ، وهي شراكةٌ في كلِّ شيءٍ وتكامُلٌ بحيثُ يُكمِلُ بعضُهُما الآخرَ في السلبياتِ والنواقِصِ، فلاتتوقعُوا إنسانًا كامِلًا في كلِّ شيءٍ وإلا فلنْ تستقِرُّوا معَ أحدٍ.
3. قلةُ الوعيِ بحقوقِ الزوجيةِ وكيفيةِ التعامُلِ معَ الطرفِ الآخرِ، فقال: كيفَ يتعامَلُ الزوجُ معَ زوجتِهِ في فترةِ العقدِ، ما الأساليبُ الجذابةُ والنافعةُ لجذبِ المرأةِ؟ كيفَ يتغلبُ على الاختلافِ الفكريِّ والطبقيِّ -إنْ وُجِدَ- وعلى العاداتِ والطبائِعِ المختلفةِ؟ لِذا تجدُ حالاتٍ مِنَ الطلاقِ تكونُ في البداياتِ: والأعذارُ والأسبابُ: لا يعجبِنُي، ليسَ كما توقَّعتُ، يختلِفُ عنِّي، طبائِعُهُ مختلِفَةٌ، ولِذا نؤكِّدُ أنَّهُ لا يمكنُ إيجادُ زوجَينِ متماثِلينِ في كلِّ شيءٍ حتَّى بينَ أبناءِ العمومةِ، بلْ فرضُ البيئةِ واختلافُ الأسرةِ والمكانِ يدعوانِ إلى التسليمِ باختلافِ العادةِ والطبائِعِ والفِكرِ، ولكنْ كيفَ يتعاملونَ معها؟
وعن دور الأبِ والأمِّ والإخوانِ والأصدقاءِ والمجتمعِ في تعليمِ الطرفينِ كيفيةَ التعامُلِ قال الشيخ الموسى: وليس المقصود هنا الحقوقَ الشرعيةَ بلِ التعامُلَ الأخلاقيَّ والأدبيَّ والنظرَ إلى الآخرِ الشريكِ نظرةً خاصةً بعيدةً عنِ المادياتِ فقطْ، وهنا أفتحُ آفاقًا جديدةً في كلِّ مجتمعٍ لأقترحَ على المجتمعِ المساهمةَ في عملِ الدوراتِ الخاصةِ التدريبيةِ للزواجِ في كلِّ الاتجاهاتِ، يشاركُ فيها علماءُ الدينِ، والجمعياتُ الخيريةُ، والمتخصِّصونَ الأسريونَ ليشكِّلُوا لحمةً واحدةً في تثقيفِ المجتمعِ بالحياةِ الزوجيةِ التي يحتاجُ لها الشريكانِ.
4. تدخُّلُ الأقرباءِ في الشؤونِ الخاصةِ للزوجَينِ، وخاصةً في موارِدِ الاختلافِ، فقال: مهما اشتدَّ الخِلافُ بينَ الزوجينِ، فلا ينبغِي لهما كشفُ أسرارِهِما لغيرِهِما، ولا ينبغِي لِمَنْ يعلَمُ مِنَ الأقرباءِ أنْ يصطَفَّ معَ قريبِهِ، بلْ مِنَ الحكمةِ أن لا يُظْهِرَ اصطفافَهُ معَ طرفٍ دون آخرَ لحلحلةِ المشاكِلِ وعدمِ الوصولِ إلى الطلاقِ، فمثلًا عندَما تحصلُ المشاكلُ بينَ الزوجينِ وتذهَبُ المرأةُ إلى بيتِ أهلِها عليهِمْ أنْ يُرجِعُوها ويُصِرُّوا عليها لحلحلةِ المشاكِلِ معَ زوجِها، وقدْ لاحظْنا في كثيرٍ مِنَ الحالاتِ تدخُّلَ أمِّ الزوجِ في كلِّ تصرفاتِهِ وحتى في خصوصياتِهِ معَ زوجتِهِ بحيثُ لا يكونُ للزوجِ شخصيةٌ يستطيعُ مِنْ خِلالها التحكمَ بحياتِهِ معَ زوجتِهِ، وهذا يؤولُ إلى الطلاقِ في كثيرٍ منَ الحالاتِ، ولِذا لا بدَّ مِنْ معالجةِ المشاكِلِ المتكررةِ بالحوارِ الهادئِ بينَ الزوجينِ وبدونِ تدخلِ أحدٍ، ولكنْ ليسَ بالحوارِ الذي يُفتَحُ فيهِ كلُّ الماضِي بلْ بالحوارِ الهادفِ لمعالجةِ المشكلةِ ومسايرةِ الواقِعِ للمستقبلِ.
وفي ختام حديثه وجه سماحة الشيخ الموسى رسالة للشباب قائلا: يمكنُنا أنْ نتغلبَ على كلِّ المشاكِلِ إذا كانَتْ هناكَ إرادةٌ لفرضِ حياةٍ مستقرةٍ بينَ الزوجينِ، فعدمُ الانسجامِ الفكريِّ والثقافيِّ وحتى العاطفيِّ يمكنُ أنْ يتحلحَلَ عندَما نتفهمُ الحياةَ ونتفهمُ الضروراتِ والحقوقَ، وأنَّ علينا أنْ نسعَى في الاختيارِ الأولِ أنْ يكونَ هناكَ انسجامٌ دينيٌّ وثقافيٌّ وغيرُ ذلكَ قدرَ الإمكانِ فذلِكَ أسلمُ لعدمِ حدوثِ التصدعِ في العائلةِ والمجتمعِ.