النوايا بين حدي: النقاء وسوء الظن
عبدالرسول أحمد البحراني
وإذا طابت النوايا تلاقت ** في هوى الضفتين منا الجسور
قاربونا نقرب إليكم، وخلوا ** الحقد تغلي قلوبه وتفور
فسيصحو الطهاة يوماً، وقد ** ذابت بنار الأحقاد حتى القدور
كم هي رائعة ومعبرة هذه الأبيات من القصيدة الخالدة للشاعر الفذ السيد مصطفى جمال الدين رحمه الله.
النوايا هي مشاريع بين الإنسان ونفسه فقط. لا يحاسب عليها ما لم تكن واقعاً، وهي مجرد خلجات نفسية تمر في مرحلتي عبور من تلاقح في رحم الأفكار، إلى الولادة والنشأة الواقعية.
في المرحلة الأولى النوايا ملك أصحابها يشكلونها كيفما شاؤوا، وفي هذه المرحلة لايمكن لأي شخص منا الدخول في نوايا الآخر ومحاسبته عليها.
أما عندما تتشكل تلك النوايا وليداً حاضراً في الواقع فهذا الوليد التعامل معه مرهوناً بما يتعلق به. فإن كان له علاقة بشخص آخر فله الحق في المجازاة إن لمس خيراً أو ضرراً منه، وأما إن كان لا يتعلق بغير صاحبه ولا يشكل أي ضرر على أحد فليس لأحد حق المجازاة أو المحاسبة.
لدينا قاعدة إسلامية جميلة وتربوية، هي: (اِحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير) ومفادها: تربية النفس على الظن الحسن تجاه الآخرين وإعذارهم ما استطعت، فلا تقدم الظن السيئ قبل أن تجد عذراً لأخيك. لذا فإن هذه القاعدة التربوية النبيلة تضع سبعين عذراً قبل الحكم بالسوء على أي فعل. فلا تبادر للظن السيئ قبل أن تختبر عمل أخيك وتضع له أعذاراً كثيرة لحمله على ظن حسن.
والهدف منها هو إشاعة روح التسامح بين البشر، وإرساء قواعد السلام فيما بينهم. لأن سوء الظن له آثار نفسية كبيرة في التعامل مع الآخرين من توجس، وتخوف، وربما يصل لقطيعة أو احتراب.
نحتاج لصفاء النوايا ونقاء السرائر، لبناء جسور من المحبة والألفة، لتتقارب النفوس والعقول، ولننبذ أحقادنا ونعيش سوياً يحترم واحدنا الآخر بكل ما هو له وما هو عليه.
لا نريد أن نغير أحداً، ولا يغيرنا أحد، علينا أن نقبل بعضنا كما نحن وعدم الدخول في نوايا الآخرين مالم تكن واقعاً تتأثر به.