فاطمة الزهراء كنز الرحمة وميزان قبول الأعمال
سيد جواد المهري
يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: “فاطمة بضعة مني، فاطمة روحي التي بين جنبي، فاطمة فلذة كبدي، فداها أبوها.
يا ترى من هذه الإنسانة التي أعظم من في الوجود يفديها بنفسه، ومن هي هذه العظيمة التي يتنفس الرسول بها فهي روحه وحياته وقطعة منه؟
من هذه المرأة التي عندما تحضر في مجلس رسول الله، الرسول بعظمته يقوم إجلالاً لها ويُجلسها مكانه بل ويقبل يدها. وفي كل صباح عندما يريد الخروج من البيت إلى المسجد يمر على باب بيتها ويسلم عليها وعلى بعلها وبنيها: السلام عليكم أهل البيت. بل وإذا أراد أن يسافر في غزوة أو رحلة عمل، فإن آخر وداع له مع ابنتها الزهراء سلام الله عليها. ما هذه المحبة التي تفوق محبة الأب والابنة وكأن فاطمة هي ليلة القدر، ورسول الله يرى في وجودها كتاب الله تعالى. وعندما ينظر إلى محياها يرى السعادة والحياة والخلود والوجود واللطف الإلهي.
فاطمة هي كنز الرحمة وذخيرة اللطف وميزان قبول أعمال البشر، فبمقدار حب العبد للزهراء يتبين مدى قربه إلى الله تعالى، وبمقدار بُعده عن الزهراء يتبين مقدار بُعد العبد عن ربه دون ريب. بل إن فاطمة هي البيت المعمور وهي الكتاب المسطور وهي اللوح المحفوظ وهي بقية النبوة. دعوني أقول من كل قلبي بما يليق بمقامها دون مبالغة وغلو فليس ما أقوله إلا قول المعصومين في حقها.
يا فاطمة .. إذا كان الآخرون صخوراً مزينة فأنتِ الجوهرة وأنت المرجان وأنت الزمردة وأنت اللؤلؤ. كل ذرة من ذرات وجودك عالَم متميز، وكل قطرة من دموع خشيتك من ربك في الأسحار حياة خالدة. الحكماء عليهم أن يأخذوا الحكمة من جواهر كلامك، والأطباء يتوسلون بكِ في شفاء المرضى.
ما هذه الفضيلة التي تدعو أعظم الخلق وأشرفهم حيث لم يصل إلى مقامه نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا ملك مقرب، تدعوه أن يبجلها ويكرمها ويحترمها احتراماً لا يوصف. ها هنا نرى ونلمس عظمة الزهراء ومدى قربها من الله ورسوله .صفاء رباني ومودة ملكوتية وحب إلهي وعاطفة سرمدية كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بأمر ربها، وينير شعاعها جنبات القلب المتيم للحب الإلهي المقدس.
يا لها من عظمة وبهاء، وجلال وصفاء عندما يقدم الأب على ابنته فتقوم الابنة إجلالاً وتقديراً للأب، تقبّل يديه المباركتين وتنحني انحناء الأمة لمولاها وكأنها تودع الدنيا وما فيها بعد استقبال الأب، وكأنها لا تريد من الدنيا إلا النظر في وجه محمد(ص)، وكأنها نظرت إلى وجه الله تعالى. آه، تعجز الكلمات عن وصف هذه اللحظات المباركة دون شك. وفاطمة التي يملأ قلبها الإيمان والخلوص ترى نفسها شعاعاً من تلك الشمس الوضاءة وظلاً من ظلاله، بل وكما يصفها أبوها بضعة منه، بل وروحه التي بين جنبيه. وفي المقابل عندما تدخل فاطمة على أبيها، يأخذ الأب بيد الابنة ويقبّلها قُبلة الأبدية ويفرش فرشه بل وعباءته الخاصة لتجلس عليها بهجة قلبه وثمرة فؤاده ونور عينه. ثم يقبل بكل وجوده على الابنة ليخدمها وهو يتقرب إلى الله بهذه الخدمة، ويا لها من سعادة أن يخدمكِ أشرف الخلق وأعظم البريّة وأفضل الرسل.
من أنتِ يا زهراء؟ روح رسول الله أم روح الله جل جلاله.
هكذا يصفها رسول الله صلى الله عليه وآله كما جاء في أمالي الصدوق:
«وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: ياملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار.»
يرى رسول الله في الزهراء فاطمة جميع الكمالات المتصورة للبشر وكل الصفات المتعالية وجميع محاسن المحسنين وإخلاص المخلصين، ولذا فإنه يصفها بأعلى ما يمكن وصفه: سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. الله أكبر .. يكفي في حق الزهراء هذه الكلمة الخالدة من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
أخيراً ماذا يسعنا أن نقول وقد التحقت الزهراء بأبيها بعد أيام قلائل من ارتحال الأب، وهاجرت دنيانا بعد أن رأت مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
أف لك يا دهر .. إلى أين وصلت حالة الزهراء حتى لم تصبر على هموم الزمان وارتحلت إلى بارئها الذي كانت تعشقه وتعشق لقاءه، ولم تغفل عنه لحظة واحدة ولربما كان ذلك اليوم الحزين الكئيب يوم ١٣ جمادى الأولى من سنة ١١ هجرية (٦٣٢ميلادية) حيث انفصل جسد الوردة المحمدية عن الشجرة المباركة في الدنيا لتبقى غضة طرية في الملأ الأعلى يستقبلها ويحتضنها أبوها في ازدحام من الملائكة المقربين. وهكذا استشهدت فاطمة حتى يبقى العالم الإسلامي في حزن أبدي ونذرف دموع الفراق على تلك الروح الطاهرة المقدسة ما بقينا وبقي الليل والنهار. وسلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها أبد الدهر ودوام الحياة.