أخبار الصحف

عمال بناء يعثرون على مقبرة عمرها ألفا عام في حضرموت

بشائر: الدمام

أعمال شق لصخور الجبال لغرض بناء مدرسة ومركز صحي في حضرموت تسفر عن اكتشاف مقبرة تاريخية (غيتي)

أعلنت السلطات الأثرية في محافظة حضرموت، شرق اليمن، عن اكتشاف مقبرة أثرية بوادي دوعن يقدر عمرها بأكثر من ألفي عام.

وأوضح مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بساحل حضرموت، رياض باكرموم، أن الهيئة تلقت بلاغاً بالعثور على مغارات أثرية أثناء عملية شق لأحد الجبال بهدف إنشاء مدرسة تعليمية ومستوصف طبي في منطقة المشهد القريبة من مدينة ريبون التاريخية بمديرية دوعن.

وأضاف “تواصلنا مع السلطة المحلية بمديرية دوعن وهيئة الآثار بساحل ووادي حضرموت، وأوقفت أعمال الشق، وشكلنا فريقاً من هيئة الآثار لزيارة المنطقة، وبعد النزول الميداني من قبل الفريق تأكد لنا أنها مغارات أثرية تعد امتداداً للمغارات التي سبق أن نقبت عنها البعثة الأثرية السوفياتية العلمية في ثمانينيات القرن الماضي، ونحن الآن في طور إعداد فريق لغاية عمل حفرية إنقاذية كما هو متعارف عليه في العرف الأثري لتنقيب المغارات”.

مكانة تاريخية

وأكد باكرموم أن مديرية دوعن تمتلك مكانة مهمة في تاريخ شبه الجزيرة العربية، بدليل وجود عشرات المواقع والنقوش الأثرية فيها، والتي تم الكشف عن عديد منها من قبل البعثة الروسية، كموقع كهف “القنزة”، ومدينة الهجرين، بوابة وادي دوعن، التي يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وتعد من أجمل مدن الوادي، وتسعى الجهات المعنية بحضرموت لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، بالإضافة إلى أنها تميزت في تاريخها القديم بوقوعها على طريق التجارة العالمي القديم.

الوادي العتيق

يعد وادي دوعن واحداً من أكبر الأودية الجنوبية التي تصب شمالاً في وادي حضرموت الخصيب، ويشكل الوادي مساحة واسعة من جغرافية المنطقة التي تضم عدداً كبيراً من السكان، وتمتد على جانبيه صفوف طويلة من القرى، تتربع وسطها على امتداد الوادي غابات النخيل، وحقول القمح والذرة وأشجار السدر.

الكشف الأثري

ويعتبر البروفسور محمد بن هاوي، أستاذ التاريخ القديم بجامعة عدن، أن وادي دوعن مهد الاستيطان البشري منذ أقدم العصور، مستدلاً بالاكتشافات الأثرية والتاريخية التي جرت في جنوب شبه الجزيرة العربية، والتي قامت بها البعثات الأثرية “الروسية – اليمنية” المشتركة التي بدأت أبحاثها منذ عام 1983 في حضرموت وسقطرى، فعكف المتخصصون الروس ومساعدوهم من الحضارمة على جمع المواد، وتحقيق البحوث المتعلقة بعدة مسائل أساسية تتيح معالجتها تصور العملية التاريخية في حضرموت على مدى مراحلها الرئيسة ووقائعها النموذجية التاريخية المتميزة في مجال النشاط الاقتصادي، في ميادين تطور المؤسسات الاجتماعية والحضارية المادية والحياة الروحية.

ويشير بن هاوي إلى أنه خلال المواسم الثلاثة الأولى (1983 – 1985) جمع أعضاء البعثة مواد كثيرة ساعدتهم في دراسة البيئة الطبيعية بحضرموت والموارد الطبيعية، ودورها في تطور المجتمع الحضرمي القديم، وتطور فن الصناعة الحجرية والمراحل الأساسية لتاريخ المجتمع البدائي، والمواصفات الأنثربولوجية لسكان حضرموت وسقطرى، وقضايا الأصل الإثني لسكان جنوب الجزيرة العربية عامة، وحضرموت خاصة، ومنشأ الحضارة الزراعية والرعوية ومراحل تطورها الأساسية في حضرموت (في الألف الأول قبل الميلاد – القرن السادس الميلادي)، وأنواع منشآت الري وتنظيمها، والفن المعماري وأعمال البناء، وغيرها من نماذج السكان وطقوس الدفن والمعتقدات الدينية، وفن بناء المعابد، ولغات والعروض الفولكلورية حضرموت وسقطرى، المستوطنات (القرى) المعاصرة في حضرموت، وأهمها مستوطنات وادي دوعن.

جهود البعثة الأثرية

ويشرح بن هاوي جهود البعثة في وادي دوعن تحديداً قائلاً “بالنسبة لهذا الوادي وروافده، كان أوفر حظاً من مواقع أخرى في جنوب اليمن من حيث الأبحاث الميدانية، فقد اكتشفت البعثة الروسية المشتركة العديد من مواقع العصر الحجري، وجمعت آلاف العينات من الأدوات الحجرية، كما اكتشفت بالقرب من هذه المواقع في وادي الجبر (الرافد الأيسر لوادي دوعن) ثلاث مغارات من العصر الحجري القديم، وخلال دراسة المغارات المذكورة تم العثور على نحو ألف أداة حجرية وبقايا لموقدي نار وكمية كبيرة من عظام الحيوانات الصغيرة والضخمة التي كان يصطادها سكان المغارات القدماء”، كما عثر قرب المغارات على عدد كبير من البقايا النباتية على شكل بصمات للأوراق وعيدان النباتات وبقايا جذور الأشجار، وهكذا كانت الأعوام (1983-1985) حافلة بالاكتشافات الأثرية العديدة تعود للعصور الحجرية.

ومن الاكتشافات المهمة أيضاً في أودية دوعن، بحسب الباحث “اكتشاف مدافن تتألف من عشرات المنشآت الواقعة على سطح الأرض والمبنية من الحجر الخام، وهي تقع في المنحدرات والأقسام المتدرجة عند سفوح الجبال، وتتميز هذه المدافن بأن كل قبر يقع ضمن سلسلة طويلة من المقابر المنفردة التي يصل عددها إلى 30 قبراً، ويصل طول هذه السلسلة إلى 180 متراً”.

ولا يعرف تاريخ محدد لهذه المدافن والحضارة التي تخصها، ولكن “من المؤكد أنها لا ترتبط بالحضارة الزراعية لجنوب البلاد في الألف الأول قبل الميلاد، وإنما تعود على الأرجح إلى البدو الرعاة القدامى من سكان حضرموت”.

ريبون في الصدارة

ريبون، الواقعة في غرب حضرموت قرب مصب وادي دوعن، تتضمن أربع مستوطنات ضخمة تحيط بها بقايا حقول قديمة وشبكة ري متطورة ومدافن كبيرة قديمة وعدة معابد تقع قرب المستوطنات، ويبدو أنها أحد المراكز الأساسية للحياة الدينية داخل حضرموت، بدليل أن “أحد الملامح المميزة لهذه الواحة القديمة هي كثرة المباني الدينية فيها”، كما يقول الباحث. وتميزت معابدها بطرازها المعماري الفريد ومقتنياتها المتنوعة من نقوش ومساند مزخرفة بالوعول ورؤوس الثيران ورموز مقدسة والنصب النذرية، وأحواض حرق البخور وغيرها من الموجودات داخل المعابد وفي خارجها.

ويلاحظ داخل المعابد التصاوير، فتماثيل الحيوانات الصغيرة تجسد حيوانات التضحية، وكذلك العدد الكبير من التماثيل البشرية، وفضلاً عن المنحوتات كان المعبد في ريبون مزخرفاً بالرسوم الجدارية، وكانت المذابح والأرض مغطاة بالنسيج وضفائر سعف النخيل المفتولة، وكانت الأسلحة معلقة على جدران قاعة الاحتفالات وقاعات الطعام، كما أن المباخر وموائد القربان ومختلف ضروب المذابح تتوزع في الداخل.

المعابد

أما عن معابد ريبون فيقف على رأسها معبد الإله “سيان ذو ميفعان”، وكان قائماً على منحدر الوادي، في قلب أوسع المقابر القديمة، والمعبد المكرس للإلهة “ذات حميم” كان يشرف على الحاضرة الكبرى للواحة، وفي الضواحي كان يقوم معبد الآلهة المحلية عشتر، وفي الجوار معبد آخر لذات حميم المعروف بنعمان.

دوعن في أعين الرحالة

وفد إلى وادي دوعن عديد من الرحلات الأوروبية والعربية، فمنذ وقت مبكر من التاريخ الميلادي حتى القرن العشرين، توافدت رحلات الرحالة الأوروبيين إلى وادي حضرموت عامة، وإلى وادي دوعن خاصة. وقد اتسمت بعض هذه الرحلات بطابع البعثات الحكومية التي كانت ترسلها بعض الحكومات الأوروبية من أجل التعرف على قدرات هذا الجزء النائي من العالم وإمكاناته، وبعض هذه الرحلات اتسمت بطابع الفردية، حيث يقوم بالرحلة فرد أو اثنان، وكان الهدف من هذه الرحلات التعرف على أسرار هذه المناطق النائية من العالم، وعلي مدنها وقراها، مثل ريبون والهجرين والمشهد والقزة، وتحكي هذه القرى عن حضارات قامت فيها منذ قديم الزمن، وخاصة ريبون التي تعد من أقدم حضارات شبه الجزيرة العربية، وتعرف الرحالة على إبداعات أبناء وادي دوعن التراثية كالصناعات الحرفية، والفنون الشعبية المتنوعة (الفولكلور)، وغير ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى