علي (ع) قرآن الحياة..
الشيخ صالح آل إبراهيم
وقفة في الفكر والاجتماع (١٥)
العلاقة بين الإمام علي (ع) والقرآن الكريم علاقة تلازمية فلا يفارق أحدهم الآخر أبدًا فقد ورد عن النبي (ص) : ( علي مع القرآن والقرآن مع علي )، وقد رافق عليه السلام القرآن منذ نزوله وفي كل مراحله، والمواقف والأحداث التي نزلت على ضوئها آياته المباركة.
ويمكن أن نلخص بعض علاقة الإمام علي (ع) بالقرآن الكريم في نكات عدة منها :
أولاً: حفظه وخطه وجمعه للقرآن :
لقد كان النبي (ص) كما أشارت الروايات المعتبرة عند جميع المسلمين أنه كان يملل كل آية تنزل عليه على ابن عمه “الإمام علي (ع)”، وكان بدوره يحفظها ويكتبها بيمينه، ولذا عد أول من كتب القرآن وجمعه، وكان ذلك من جملة أسرار حفظه من التبديل والتغير قال عليه السلام : «ما نزلت آية على رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلا أقرأنيها و أملاها عليّ، فأكتبها بخطي، و علّمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها. و دعا الله لي أن يعلمني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، و لا علمًا أملاه عليّ فكتبته منذ دعا لي ما دعا». تفسير البرهان 1:16 ح 14
كما ورد في جملة من الروايات التاريخية أن الإمام (ع) بعد رحيل النبي (ص) ووقوع ما وقع من أحداث اعتزل الناس وعمل على جمع القرآن وكتابته مع جملة من الشروح والتفسير والتأويل والعلوم وترتيبه كما انزل على النبي (ص)، وذلك تنفيذًا لوصية النبي (ص) في ذلك . وروي عنه أنه قال: ( لا أرتدي حتى أجمعه ). الطبقات الكبري ج 2 ص 338، ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 1 ص 27، كما يعد سلام الله عليه مرجع أئمة القراء والمصدر الاول لهم.
ثانيًا: أعلمهم بكتاب الله :
القرآن بحر من العلوم والمعارف مليء بالكنوز والأمور الدقيقة من ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وعام وخاص وغيرها، والتي لا يصل إلى مكنونها وحقيقتها إلا أهل الذكر والراسخون في العلم وعلى رأسهم وسيدهم أمير المؤمنين (ع) الذي شهد له النبي (ص) بأعلميته فقال (ص): أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب ).
و هو القائل (ع) عن علمه بكتاب الله: سلوني قبل أن تفقدوني، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها، وفيمن نزلت، وأنبأتكم بناسخها من منسوخها، وخاصها من عامها، ومحكمها من متشابهها، ومكيها من مدنيها..).
ثالثًأ: القرآن الناطق :
فقد نطق القرآن في كثير من آياته بفضائله ومناقبه وخصائصه بدأ بآية المباهلة والتطهير والمودة ومرورًا بآية الإطعام والتبليغ وإلى غيرها من الآيات حيث ذكر أهل التفسير والحديث أكثر من ثلاث مئة آية نزلت في حقه سلام الله عليه، وكما نطق القرآن بحقه، فهو كذلك كان القرآن الناطق في كلامه وسيرته وشخصيته ومواقفه وجميع شؤون حياته، فكان قرآنًا حي يمشي على ظهر الأرض، فكل من يدرس سيرته ويقرأ حياته سيجدها قرآنًا جسد في رجل.
فالقرآن بالنسبة لعلي (ع) محور ومدار تمحورت حياته وشخصيته حوله . ( فعلي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )، فقد افنى سلام الله عليه حياته في حفظ كتاب الله وبيانه والحرص على تطبيقه وتجسيده، وتقديم الصورة القرآنية الكاملة، والنموذج الأكمل حتى صار قرآن الحياة.
ولهذا وغيره حري بنا جميعًا أن نقترب أكثر من شخصيته الإلهية القرآنية العظيمة، ونعكف على قراءتها، وتأمل كل حركة وسكنة فيها، إذ إن تقصيرنا تجاهه (ع) هو تقصير تجاه القرآن، وابتعادنا عنه هو ابتعاد وهجران للكتاب السماء.