حوارية رقم (٦١)
زاهر العبدالله
السائل: السلام عليكم أستاذي أبا سجاد.
سؤال يراودني أرجو أن تتقبله بصدر رحب وهو إذا كان الإنسان مختاراً، ألا ينبغي أن أبحث عن جميع الديانات ثم أختار أيهم أفضل عن قناعة؟
الجواب: سؤال جوهري ومهم وحساس بُنيَّ الغالي ونحتاج أن نناقش معاً بعضٍ الأسئلة، ونرى جوابها منك كي نحلل سؤالك ويكون الجواب ضمناً في طياته.
أولاً: هل الاختيار هنا بمعنى اتباع المنهج التجريبي في التحصيل على المعلومة المتبع في أغلب جامعات العالم حيث يعمد الباحث إلى دراسة حالة معينة ثم يعطي قاعدة كلية؟ وبمعنى أدق نقول:
إن مفهوم المنهج التجريبي: هو عبارة عن طريقة منهجية يستخدمها الباحث لدراسة وقائع خارجية، وتفسيرها، والتحكم فيها، والتَّنبُّؤ بما هو مُستقبلي.
ومن بين أدوات البحث العلمي المُستخدمة في المنهج التجريبي أداة المُشاهدة والمُلاحظة. كما عرفه المختصون.
فهل بحثك عن الأديان سيكون كدراستك الجامعية نفسها؟
السائل: تقصد أن أحدد السؤال هكذا:
لماذا هناك ديانات مختلفة في العالم ثم أحدد كم ديانة موجودة ثم أقوم بدراستها جميعاً وأبحث عن نقاط قوة كل دين بناءً على التحليل العقلي والسرد التاريخي الموثق والمتفق عليه ثم تبرز لي النتائج التي سأصل إليها في نهاية البحث؟
الجواب: نعم ولكن هل يسع العمر أن تبدأ من الصفر لتبحث في جميع الديانات بهذا التفصيل الدقيق، أم سيكون بحثك مبنيا على من سبقك من العلماء الذي أجهدوا أنفسهم ليختصروا عليك عناء البحث من جديد فماذا تختار؟
السائل: أكيد سأبني بحثي على من سبقني في البحث كي أعمد إلى تكميل دراستهم وما توقف عليه غيري من الباحثين لأكمل تلك الجهود المبذولة.
الجواب: جميل إذن، نحن أمام قضية كبيرة جداً وواسعة الأصول والفروع، وهو البحث في جميع الديانات ثم الخروج بأفضل النتائج حسب نظر الباحث ولا نريد أن نعمق البحث أكثر ويتشعب الجواب ونفصل الكثير ولكن إشارات ندعها للمتابع يلاحقها إذا أراد مزيد من التعمق في الموضوع وهي:
المعلومات القبلية – وتجارب الآخرين سواء من بحث في الأديان أو الذين أسلموا بعد أن كانوا مسيحيين وغيرهم – والمشتركات بين الأطراف المتشابهة في عينة البحث – وتشابه نتائج الباحثين – والفطرة – والتجارب الشخصية وتأثيرها على الباحث – والتربية وأثرها في سير البحث وغير هذه كلها عميقة جداً لمن يريد الإبحار في نقاش هذا السؤال الكبير …
نعود للجواب. إذن ماهو الطريق الأقصر في جواب سؤالك هذا؟
السائل: منك نتعلم أستاذي الكريم
الجواب: للبحث عن قضية الأديان وأيها أفضل، فإننا نبحث في أربع جهات:
الجهة الأولى: العقل ودوره في المعرفة والحصول على اليقين.
الجهة الثانية: ما أكثر الديانات انتشاراً في العالم؟
الجهة الثالثة: ماهي مشتركات تلك الديانات الواضحة للباحثين؟
الجهة الرابعة: مفردات تمايز الديانات عن بعضها بالنسبة للعقل والتوحيد وتواتر الكتب المنزلة وتدوينها.
السائل: ماذا تقصد بدور العقل في المعرفة وتحصيل اليقين؟
الجواب: كل البشر يقرون بدور العقل في تحصيل المعرفة ثم الوصول لليقين أو في أقل تقدير أن يحصل على الاطمئنان الموجب لليقين في أدنى مراتبه فكل إنسان يدرك ذاته فلا يحتاج أن يثبت لأحد أنه موجود ليقينه التام بوجودها بين يديه ولذا هنا يسأل نفسه سؤالاً جوهرياً في منظومة العلة والمعلول لماذا وجدت في هذه الحياة؟ هل لوجودي غاية مرجوة ؟ وهل هناك مستقبل ينتظرني؟ وهل هناك جزاء وعقاب؟
هذا التساؤل نبهت عليه روايات أهل البيت عليهم السلام.
فقد روي عن مولانا سيد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قالَ: (رحم الله امرأ عرف من أين وفي أين وإلى أين) فإن قوله: (من أين) إشارة إلى حال النفس قبل عالم الجسم.(١)
وهي مرسلة ولكنها يقرها العقلاء بما هم عقلاء.
إذن لابد لكل واحد منا من أن يفكر في سبب وجوده في هذه الحياة ولا أحتاج أن أقف عند هذه النقطه طويلاً لأنه دليل لبي لا يحتاج مزيد برهان.
السائل: ما هي أكثر الديانات إنتشاراً في العالم؟ وماهي مشتركات تلك الديانات الواضحة للباحثين؟
الجواب: الجهة الثانية والثالثة: ما هي أكثر الديانات انتشاراً في العالم؟ أكثر الديانات انتشاراً هي النصرانية والإسلام ثم تأتي بقية الديانات مثل اليهودية والبوذية والمجوسية وغيرها من الديانات والباحث يتأمل السير التاريخي لهؤلاء الديانات وتعلق الناس بها يجد أن هناك مفردات مهمة وأساسية تجمع هؤلاء الديانات وأولها الاعتقاد بأن الله سبحانه هو خالق هذا الوجود والمدبر له وهو على كل شيء قدير كما يقرون أن له أنبياء ورسلا ليُبينوا للناس ما أُنزل إليهم وأن لكل نبي أوصياء أو حواريين وهم امتداد طبيعي لتلك الرسل كما يعتقدون أن إثبات نبوة أنبيائهم متوقف على معاجز خارقة للعادة ولا يحدها الزمان والمكان فيقف الناس مبهورين لعجزهم عن رد تلك المعاجز كنجاة نبي الله إبراهيم عليه السلام من نار النمرود وعصا نبي الله موسى عليه السلام وإحياء الموتى كنبي الله عيسى عليه السلام أما المعجزة العظمى لنبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكانت في القرآن الكريم حيث الفصاحة والبلاغة في أعلى مراتبهما وعلم الأولين والآخرين فكل نبي أتى بما لم يستطع الخلق أن يأتوا بمثله كل في زمانه. كما يقرون في كتبهم أن هناك يوم معاد ترد الناس فيه للفزع الأكبر فيحاسب جميعهم فإما إلى النار أو إلى الجنة كما يقرون بأن كل الرسل كانت تدعو لمكارم الأخلاق وتؤكد على الفضيلة والقيم الإنسانية وتنبذ الظلم و القهر والخداع والاستبداد وغيرها من الخصال الذميمة، ولكن يفترقون في جملة من الأمور وعلى الباحث أن يقف هنا عند جهود العلماء السابقين الذين ناقشوا الديانات وعرفوا خاصها من عامها وقوتها من ضعفها ولأننا لسنا في مقام تحقيق لنسرد الأدلة لإثبات ذلك فنحن في مقام حوارية نختصر المقام في الرجوع إلى جملة من الباحثين الذين تناولوا هذه الافتراقات بشيء من التفصيل الدقيق. مثل
• الهدى إلى دين المصطفى.
• الرحلة المدرسية.
كلاهما للشيخ محمد جواد البلاغي، وهو أستاذ السيد الخوئي في الكلام والتفسير،
ومن كبار علمائنا المختصين بالأديان.
وكذلك الكاتب عبد الرزاق محمود الأسود في كتابه مدخل إلى دراسة الأديان.
السائل: لماذا أقف على جهود العلماء في بحثي إذ من حقي أن أبحث بنفسي عن نقاط الخلاف؟
الجواب: بني الغالي لا يوجد مانع عقلي يمنعك من البحث بنفسك لكن هل عمرك يسع بأن تبحث كل شيء من الصفر وهل يقر لك العقلاء و العلماء ألا تعتمد مثلا في رسالة الماجستير والدكتوراة على ما وصله إليه الباحثون المعتبرون في التخصص كي تكمل مشوارهم بحيث تكون بدايتك في البحث هي نهاية بحث من سبقك من الباحثين.
السائل: نعم هو كذلك .
الجواب: نعم يابني لكن هناك مشكلة أزيدها على إشكالك وهي أن معظم الأبحاث التجربية تكون ضمن الاستقراء الناقص وليس الاستقراء التام.
السائل: لحظة أستاذي ماذا تقصد بالاستقراء الناقص والاستقراء التام.
الجواب: في مجال المنهج التجريبي والذي ذكرنا سابقاً تعريفا له يقف الباحث عند شريحة في التجربة فإذا وصل ونجح في تبرير سلوك علة مع معلولها بنى قاعدة كلية على كل مايشبه مواد تلك التجربة.
مثال:
العالم الذي قال إن الحديد يتمدد بالحرارة فهذا النوع من النتائج جاء نتيجة استقراء ناقص إذ ليس من المعلوم بل من المجزوم به أنه لم يعمل التجربة على جميع حديد العالم كله ولكن قام بتجربة شريحة تصل إلى الآلاف وأعطى نتيجة كلية مفادها أن كل حديد يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة وهكذا بقية حقول التجربة.
السائل: وما علاقة ذلك ببحثنا عن الديانات؟
الجواب: إن بحثك عن الديانات بكل تفاصيلها لا يسعك وإنما ستأخذ ما يثبت قوته وحجته وبرهانه من جهود العلماء والباحثين الذين قبلك ثم تبني قاعدة كليه في بحثك.
السائل: طيب ماهي نقاط الافتراق بين الإسلام وغيره من الديانات؟
الجواب: أهم نقاط الافتراق العقل والتوحيد والتواتر في الكتب المنزلة
فالمسيحية مثلاً لا تقبل نتائج العقل بالكلية ولذا قامت عليها الثورة الفرنسية التي كان لها عدة أدوار في تحجيم دور الكنيسة في حياة الناس نختصر منها ما نقل وهو:
مر خمسمائة عام على ثورة الفكر الديني في أوروبا التي قادها الراهب «مارتن لوثر» بتعليق الرسائل الخمس والتسعين على باب كنيسة «ويتنبورغ» عام 1517، لتبدأ في أوروبا الثورة على التدخل الديني لبابا الفاتيكان في السياسية والسيطرة على الفكر والفن والإبداع. وكان هذا الراهب، الذي درس القانون، قد بدأ رحلة مع الذات بهدف التقرب إلى الله، واعتقاداً منه بأن الله محبة كما نادى السيد المسيح في تعاليمه، فإنه لم يفهم فلسفة البابا في روما وراء التعصب والتشنج والعنف المصاحب لسلوك الكنيسة. وعندما درس اللاهوت بعدما أصبح كاهناً فإنه وجد الدرب الذي تسير عليه الكنيسة يخرج عن تعاليم السيد المسيح والمنطق اللاهوتي خاصة مع انتشار ظاهرة بيع صكوك الغفران التي أمر بها البابا لتمويل بناء الكنيسة البطرسية في روما، فالذي يملك الغفران هو الله سبحانه ولا دخل لرجال الدين في هذا الأمر سوى أن يفتحوا الطريق أمام العامة لكيفية الوصول للغفران الذي هو تجربة فردية، فالبابا ليس وكيل الله في الأرض، كما أنه انتقد بشدة الفساد البابوي وانكباب البابوات على الحياة الدنيا بما لا يتناسب والتعاليم الإلهية.
أما اليهودية فإنهم ادعوا أنهم شعب الله المختار وأن كل مايوجد في هذه الأرض خاضع لإرادتهم كما يذكر أحد الباحثين . يقول : فروع اليهودية تعتبر اليهود “الشعب المختار” بمعنى أن لديهم دورا خاصا “للحفاظ على ما كشفه الله”، أو “تأكيد إنسانيتنا المشتركة”.وينعكس هذا الموقف، على سبيل المثال، في بيان سياسة اليهودية الإصلاحية الذي ينص على أن اليهود يتحملون مسؤولية “التعاون مع جميع الرجال في إقامة ملكوت الله، والأخوة الشاملة، والعدل، والحقيقة والسلام على الأرض”.بعض العلمانيين والنقاد المنتمين إلى أديان أخرى يدعون أن المفهوم ينطوي على المحاباة أو التفوق،كما هو حال بعض النقاد اليهود، مثل باروخ سبينوزا. ويجد العديد من اليهود أن مفهوم الاختلاط إشكالي أو مفارقة تاريخية، وأدت هذه المخاوف إلى تشكيل اليهودية المعاد بناؤها، والذي رفض مؤسسها، مورديخاي كابلان، مفهوم اليهود كأشخاص مختارين،…
التوحيد في الديانات
وكذلك مفردة التوحيد فإن المسيحية تعتقد أن النبي عيسى عليه السلام إله وأنه ثالث ثلاثة كما يقرؤون في صلواتهم: الله والمسيح وروح القدس.
وأما اليهود فقد أوغلوا في التجسيم لله سبحانه حيث أثبتوا الجهة والشكل وغيرها مما يحد الخالق في نظرهم وسار عليها بعض المسلمين من خلال كعب الأحبار الذي أسلم ونشر هذا النوع من التجسيم في التراث الإسلامي.
التواتر في الكتابين المنزلين التوارة الأنجيل اللذين تكونا من العهدين القديمين والجديدين واللذين في أغلب ماذكر كتبا على يد غيرهم بسنين عديدة ومما يشكك الإنسان في ثبوتها وصولها إلى أكثر من مئتي إنجيل.
ممايدفع الباحث إلى التشكيك في مدى صدقها بل يميل كثيراً أن يد التحريف طالتها.
أما القرآن الكريم فإنه منسجم مع الفطرة والعقل ويدعو للتفكر والتأمل والتدبر والعلم ومن حيث التواتر لا يشك مسلم في تواتر القرآن الكريم سواء كان لفظيت أو مدونا وهذا ماعليه مشهور علماء المسلمين وهناك بعض الآيات تدلل على أهمية العقل ودوره وتحفز على استعماله
وتربطه بحياته العامه مثل قوله تعالى :﴿وَمَن نُعَمِّرهُ نُنَكِّسهُ فِي الخَلقِ أَفَلا يَعقِلونَ﴾[يس: ٦٨] وقوله تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذي مَدَّ الأَرضَ وَجَعَلَ فيها رَواسِيَ وَأَنهارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فيها زَوجَينِ اثنَينِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾[الرعد: ٣] وقوله تعالى ﴿ثُمَّ كُلي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخرُجُ مِن بُطونِها شَرابٌ مُختَلِفٌ أَلوانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾[النحل: ٦٩]
وكلها تدعو لإعمال العقل والفكر ولايوجد أبواب مغلقه أمام السؤال في الفكر الإسلامي وخصوصا مذهب أهل البيت عليهم السلام وهذا ماتؤكد عليه الروايات الشريفة. ونكتفي برواية في فضل العلم وطلبه فعن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه
قال: سمعت أمير المؤمنين يقول: أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم، وضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه. (٢)
السائل: رحم الله والديك كان حوارا جميلا واستفدت منه.
الجواب: الشكر لله أولا أن وفقني لخدمتك ثم لك أن تفضلت علي بسؤالك والحمدلله لله رب العالمين/
المصادر
(١) رواها الفيض الكاشاني مرسلة في الوافي: ج١/ ص١١٦/ ح٢٦.
(2) الكافي – الشيخ الكليني ج ١ ص ٣٠.