استلهام الراحلين
زكريا العباد
في مثل هذا اليوم، التاسع والعشرين من رجب من عام ١٤٣٨ للهجرة رحلت القاصة شمس علي رحمها الله تعالى إلى جوار ربها الكريم، و حين نستعيد الذكرى للراحلين فنحن أمام احتمالات عدة، فإما أن يكون ذلك امتدادا للحنين، أو نتيجة لألم الفقد أو استشعارا لقيمة حياة الإنسان بما هو إنسان، يأتي إلى هذه الحياة ليكتب على صفحاتها ما يريد ثم يمضي ليمحى ما يكتبه تدريجيا لأن الإنسان هو ابن النسيان وهذه هي طبيعته.
الحديث عن الراحلين ينبغي أن يتضمن- في رأيي- تكريسا لفرادتهم ولبصمتهم الخاصة التي أمضوا حياتهم من أجل تثبيتها. من سمات المجتمعات البشرية التنافس الشرس الذي يصل إلى حد الأنانية وشطب الآخر، فالبشرية لا تقوم دائما على مبدأ التعاون، بل يندر أن يحدث ذلك، وفي هذه الحال يشقى الإنسان ليثبت فرادته، بل يمضي عمره وينتهي دون أن تكتمل ملامح لوحته، وحين يرحل يفتش الأحياء عن ملامحه هنا وهناك، يبحثون عن أجزائها المختلفة في أرواحهم ويجمعونها من صور ذكرياتهم المختلفة ليرسموا صورة متكاملة وفريدة للراحل، وليس كلّ راحل يحظى بهذا الجهد بالطبع، فقد تبقى صورة الإنسان ممزقة تائهة.
إنني أتواصل مع الله، أدعوه أن يمنحك عطاياه الكريمة في كل صلاة، وأتمنى أن تصلي من أجلي في الأبدية. قد لا تكونين بحاجة لدعاء إنسان مثلي، فكل ما أعرفه عنك يَصب في خانة النقاء وطيبة القلب وصفائه من أي شائبة أو ضغينة، ذهبت إلى الله بقربان المحبة وببضاعة النقاء، وتلك بضاعة رابحة، لا تحتاجين دعائي بلا شك، وأحتاج صِلاتِك.
حين نتواصل مع الراحلين، فإن أقل درجات الوفاء لهم أن نبقى أوفياء لقيمهم التي بذلوا من أجلها أعمارهم، وأن نستلهم منهم المدد، هذه هي عطايا الراحلين للذين لا زالوا يمارسون الكتابة على صفحات الحياة، يحاول الأحياء كتابة ذواتهم، والراحلون يمدونهم بالعون حين يلفتون نظرهم إلى التفريق بين الزبد وبين الأمور الجوهرية الخالدة.