الشروق و الغروب في حياة البعض
أمير الصالح
عام ١٩٩٨، كنت اقطن لعدد من الشهور في احد المدن الامريكية الكبرى، و كان في الحي السكني مركز تجاري عربي وحيد حيث تتوفر المواد الغذائية الملائمة لاعداد اطباق و موائد الاكل الشرق اوسطي . و تقطن كثافة سكانية جيدة من عوائل ذات اصول عربية في ذات الحي . مالك ذلك المتجر، رجل من اصول عربية و كان كثير التفاخر الى الحد الممل بانه صاحب المحل العربي الوحيد في المنطقة و المحل الوحيد الذي يجلب اللحوم المدموغة بدمغة ” حلال”. الا ان مستوى خدمات المحل تتدحرج من سيئ الى اسوء و اسلوب العرض للبضائع رديئ ، و اغلب الموظفين لديه متجهمين الوجوه و كسالى و السائد منهم شعور تفوح منه الغرور و بأن الزبون الشرق اوسطي سيرجع للابتياع منهم مهما انحدرت خدماتهم و ساءت تصرفاتهم. ظل هذا التعامل البائس سائد لفترة غير قصيرة من الزمن ، حتى اتى مواطن امريكي آخر من اصل عربي و افتتح محل تجاري في ذات القطاع و راعى في خدماته كامل المذاق الشرق اوسطي في السلع و اللحوم الحلال كما و راع تطبيقات اصول خدمة الزبون و تفنن في الاخلاقيات العالية اثناء و بعد البيع . فاشرق نجم و افل نجم آخر في ذلك الحي . هنا استشعر صاحب المركز التجاري الاول بالخطر متاخرا و بعد ان نزح جُل الزبائن الى المتجر الجديد ايامذاك؛ فاغلق صاحب المتجر الاول ابوابه و رحل دون ادنى اسف من ابناء الجالية على متجره او بضاعته او خسارته .
ذاك الموقف المذكور عن اصحاب المتجرين ، استشهدت به كمدخل للوقوف على امر يمكننا المقارنة معه ، وهو ان هناك في الحي الذي قد تقطن فيه او اقطن فيه او مكان العمل الذي نعمل به من يتبجح ليل نهار بانه من ابناء السلالة الفلانية او من العائلة الكذائية العالية المقام . الا ان سلوكيات و تصرفات ذاك المتبختر السخيفة و ما يصدر منه او من احد ابناءه من اعمال فيها ايذاء مستمر اتجاه الناس و الجيران ، فضلا عن تطاوله في بعض المجالس لفظا او تجريحا او مطالبته المستمرة بالتعامل معه بتميز على حساب كرامة و مصالح الاخرين . قد، اقول قد ، يقابل البعض من كبار السن سيئات اولئك الساقطين اخلاقيا بحفظ الاحترام لاسم عائلته او جذور سلالته و غض الطرف عن الزلات المتكررة من ذاك المتباهي. و قليل من الناس يزجرون المتباهين او يوعضونهم؛ و الاغلب من ابناء المجتمع يتفادوهم أو يجاملونهم .
شخصيا ارى بانه حتما و يقينا و جزما ان استشراء سلوك التطاول في الايذاء بعنوان التفاخر المفرط او الازعاج للاخرين بغطاء الالقاب او اي تصرف غير لائق بغطاء التمترس بالامتداد النسبي او اسم العائلة الفلانية ، سيجعل عدد ليس بالبسيط من الناس ينفرون من اولئك و امتداداتهم حيثما وجدوهم . و حينذاك سيأفل نجم قوم و سيشرق نجم قوم آخرون كما حدث في قصة صاحب المتجر المتغطرس . و حينذاك لا عزاء لمن خسر الاخرين بسبب تدني اخلاقه و قلة ذوقه و كثرت سقطاته و تنمره على الناس من حوله و استغلاله احترام الناس المفرط لنسبه او لجاهه المالي او منصبه الوظيفي . اخلاقيا الانتساب للنسب العالي يستوجب خصال حميدة و سلوكيات راقية و تواضع جم و من صادق الترجمة لذلك حفظ و احترام حقوق الناس و بالخصوص الجيران و الابتعاد عن اي سلوك غير لائق من ازعاج أو كلام فاحش في اللفظ أو الفعل او الايماء .
لم و لن يُخدع الواعون من الناس في الفصل بين الشخص و جذوره في السلوك و المعاملة . و حتما الاغلب من الناس يعلمون بانهم مطالبون اخلاقيا بان لا يزروا وازرة وزرة اخرى . و لن يُشفع لاولئك العابثين سلوكيا و المتعمدين التبجح على بسطاء الناس بالادعاء بانهم امتداد لنسب معين او قبيلة معينة او جاه مالي مميز بان توصد الابواب في وجوههم ان تمادوا في اقوالهم او افعالهم . الانسان الواعي يُدرك بان من استخف بحقوق الناس ممن يشاهرون بانهم الانقى معدنا ، اولى بانزال العقاب الرادع في حقهم باسرع وقت من طرف كبرائهم و من ذويهم و ارحامهم اولا ، فضلا عن ابناء المجتمع الناصحين . روى عن الامام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام وهو يخاطب احد اصحابه : القبيح منك اقبح لقربك منّا. و نُقل ايضا فيما معناه على لسان الامام زين العابدين ابن السبط الحسين (ع) : خُلقت الجنة ولو لعبد حبشي وخُلقت النار ولو لسيد قرشي .
و هنا وقفة مصارحة و همسة مع آباء من يتفاخرون على الناس ليل نهار بانهم من انساب عريقة ، و كل الناس ابناء آدم ، بان يوجهون و يحضون ابناءهم /هن بان يسعون بين الناس بالاخلاق الحميدة و المعاملة الطيبة و التواضع الجم و ليس بغرس التفاخر الفاجر و الترفع المصطنع و وهم الافضلية دونما اي صنيع . لقد ضجر الكثير من الناس مما يسجلونه من مشاهد لتعد على مكانتهم و بخسهم قيمتهم المعنوية و التفريط في انتاجهم العلمي من قبل بعض ابناء و احفاد المتباهون بانهم من الاعراق العتيدة . تاريخ الامم الغابرة و تجاربهم تؤكد بحقيقة انه في حالة انتشار استغلال السخفاء أو ابناءهم و تنمر منعدمي الاحترام و تنامي متناقضي القول و ازدياد تعداد فاجري الفعل و اقصاء الأكفاء من المخلصين و اختفاء النقد البناء و انعدام التوجيهات الجادة و اندثار التنبيه الحازم ، سيقوض البناء الاجتماعي الواحد من الداخل و ان طال الزمن . و في اقل تقدير سيزيد هكذا افعال مساحة الشعور بالطبقية الاجتماعية على اسس متعددة الى جانب الطبقية المالية و يزيد التشرذم الداخلي و الاصطفافات المتناثرة . نعلم بانه في المجتمعات الواعية يُكبح جماح اولئك المنتفعين و المتمادين على كرامة و حقوق الناس و تُقلم افعالهم بالردع الاجتماعي و الحوكمة الاجتماعية و المحاسبة الداخلية و دونما اسفا على افول اولئك المتغطرسين و اندراس اسماءهم .
امتثالا لقول مانسب في حق نبينا الكريم: ” المرء يُحفظ في ولده” ، و مصداقا لحبنا الشديد و احترامنا الكبير لصانعي المجد العال للأمة فان الاحترام الجم امتد و يمتد لكل من لديه انتساب للبيوت العريقة و العوائل الماجدة و الاعراق الطيبة و سيبقى و ينمو وفاءا و عرفان بالجميل نحو من كل من ساهم في زرع المجد من اصحاب الاخلاق الفاضلة و السلوك الحسن و القول الجميل و الصنيع الراقي و الجهد الوفي . نسأل الله ان يستفيق النوام من داخل تلكم الاسر و يرشد العقلاء منهم اهل التطاول من افراد عوائلهم و أبناءهم لما صدر و يصدر من ابناءهم او احفادهم من استخفاف بحقوق الناس من جهة و تدنيس في حق النسب الرفيع بخساسة الفعل الوضيع من قبل بعض ابناءهم قبل ان يفلتون بافعالهم و يوصم الجميع بفعلهم/ هن . ففي الوقت الذي لا يتصدر اهل الشأن في الحفاظ على مكاسبهم ، ستأفل نجوم اعمالهم بدامس ظلام افعال بعض منسوبيهم. فالعقلاء يقولون : الاولى الزام الانسان ابناءه بما ألزم الناس به من طيب المعاملة و حسن الجوار و الوفاء بالحقوق .
ملحوظة : نحن نعتز بكل الاعراق و القبائل لجميل ما صنع و يصنع الاوفياء للمجتمع من ابناء كل القبائل بغض النظر عن نسبهم او قبيلتهم فخيركم خيركم لعباد الله و نتمثل مشروع رسول الله : لا فرق بين … الا بالتقوى .