مذكرات محصن متعافي (١)
رباب حسين النمر
الوحش الخفي التاجي، الكائن المبهم الذي تمرد على فهم العلماء، فتناسل وتمحور وعبر القارات والمحيطات، وتسلل من خلف الأبواب يفتك بالملايين من البشر، فيردي بعضهم إلى الدار الآخرة، ويصيب بعضهم بلعنات مضاعفاته المتعبة.
ذلك الكائن الذي تجسد في مخيلة الرسامين كائناً أخضر دائرياً محاطاً من كل الجهات بزوائد شوكية تصيب الناس في مقتل من حيث لا يحتسبون.
عام كامل مر على أول إصابة تسللت من دول الخارج إلى أرض الوطن عبر المسافرين!
عام كامل من الهلع وعلامات الاستفهام التي لا تنتهي!
حيث توارت ملامحنا خلف الكمامات وأيدينا تحت القفازات وروائحنا بين المعقمات.
أشياء كثيرة غادرتنا لنكون كائنات هشة
غادرتنا الابتسامة، المصافحات، والعناق!
ودفء المشاركة.
كم احتمينا بالجدران والنوافذ والأبواب كي نختبيء عنه كلما داهمتنا الأخبار بجار أو قريب اخترقه، أو أرداه قتيلاً.
حاصرتنا الأرقام، ونشرات الأخبار التي لا تتوقف!
حاصرنا الحجر والحظر!
حاصرنا توكلنا وتطمن..
وأشيااااء كثيرة لم نكن ندركها قبل كوفيد 19.
يكاد الجدار ينشق كل صباح ليثقب سمعي بأصوات الأطفال الذين يرددون وراء المعلمة آيات قرآنية، أو أحرف وكلمات، أو أناشيد فتفزعني عنوة وتفسد عليّ يومي ومزاجي، فأنهض متثاقلة بسبب هذا التعكير اليومي، ويتدهور جدولي بسبب هذا الإعياء المتكرر،تزداد نبضات القلب، وتتوتر عمليه الهضم!
المنصات تعمل عن بُعد، وصفوف الدراسة لم تعرف خطوات الطلاب والطالبات منذ عام، ورياض الأطفال هي الوحيدة التي تعمل عن قُرب بعيداً عن الاحترازات!
ربما لأن كورونا أكثر رحمة بهم من سائر الشرائح العمرية، فكان مسموحاً لهم بالتجمهر في حلقات الصباح الدراسية، ومواصلة الدراسة عن قُرب.
وكما يُقال: (مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ)
لم أقوَ على النهوض!
صداع قوي ينتابني كمطارق حديدية تمارس الدق المنتظم على أم رأسي!
ولا عجب أن يحدث ذلك بعد الإزعاج الصباحي والتقلب على فراش من قلق وتوتر!
الظهيرة تكاد أن تودع يومي ولم أزل متمددة على الأريكة!
ارتجاف!
وصداع قاتل
وإنهاك يكاد يفترس كل وجودي!
ربما هناك حاجة لحبة مسكن تساعدني على النهوض.
حاولت أن أزحف إلى المطبخ لإعداد كوب شاي قد يهديء حدة الصداع،ولكن قواي تخونني وتطرحني في على الأريكة رغماً عني..
يتبع …..