هل الضربة التي لا تقتلك تقويك؟ كيف، ومتى، ولماذا (5)

البرفسور رضي حسن المبيوق
راجعه: عدنان أحمد الحاجي
تعرضنا لثلاث نظريات عن النمو التالي للصدمة. في المقال رقم ٤، نظريتين منها للباحثين لينلي وجوزيف والثالثة للباحث ماك آدمز. في هذا المقال، سنتعرضللنظرية الرابعة والأخيرة ومن ثم سنناقش جميع النظريات الأربع ونعطي خلاصة نبني عليها حديثنا المتواصل عن النمو التالي للصدمة.
النظرية الرابعة للباحث هوبفول (Hobfoll) وزملائه(إنظر الى 1) والذي يشار إليها بنظرية التغير السلوكي التالي للصدمة.
تضيف هذه النظرية بعدًا آخر لفهمنا لمفهوم النمو التالي للصدمة وهذا البعد يسميه اصحاب هذه النظرية “النمو ذو الطابع العملي” (action-focused growth). اي ان يأتي النمو نتيجة لعملية نشطة ينخرط فيها الشخص بعد تعرضه لصدمة ما. وهذه التسمية تهدف ايضا للتمييز بين النمو الفعلي (actual growth) وبين النمو الذي يتصوره او يأمله (perceived growth) وذلك من خلال ملاحظة سلوك هذا الشخص. يرىأصحاب هذه التظرية أن الضغوط النفسية التي تلي الصدمة هي نتيجة العبء والضغط الكبير الذي يفوق الموارد والقوى النفسية للشخص (تُعرف الموارد بالمساندة الاجتماعية والنظرة الإيجابية للنفس والصحة البدنية والنفسية بشكل عام).
بالنسبة للنوع الأول من النمو (النمو الفعلي) هو الذي يحدث تغـييرًا إيجابيـًا في شخصية المصاب، وهذا التغيير يتمظهر في سلوكيات إيجابية، بدورها تساعد على تقليل حدة الصدمة وانهاء العواطف والسلوكيات السلبية التي أفرزتها.
لا بد من الإشارة إلى أن هذه النظرية توسع ما جادت به نظريات “صنع المعنى” meaning-making (أي كيف يفسر الشخص أو يفهم أحداث الحياة) وإعادة البناء الادراكييcognitive restructuring (وهي عملية علاجية نفسية لتعلم كيف يتعرف الشخص على الأفكار غير المنطقية – مثل تلك التي تجري في حالة الانفصام – ومناقشتها) تعلم كيف وذلك عن طريق التركيز على الإعتقاد و النظر إلى النتائج على أنها مرتبطة بسلوكيات النمو بعد الصدمة وهذا في نظر هؤلاء الباحثين هو ما يمثل النمو الفعلي وليس النمو المزعوم.
يعترف أصحاب هذه النظرية بأن النوع الثاني من النمو (النمو المتصور perceived growth) له فوائد قصيرة الأمد تعين المصاب على مكابدة الصدمة.والتعامل معها، ولكنه اذا لم يتجاوز ساحة تصور العمل النشط والإستراتيجي والتطلع إليه للتخلص من أثار الصدمة المدمرة للصحة النفسية والبدنية فإنه لن يـحدث أي تغيير بعيد المدى في شخصية المصاب.
خلاصة وتقييم للنظريات الأربع:
من باب إنعاش ذاكرة القارئ، هذا تلخيص سريع للنظريات الأربع التي ناقشناها:
بشكل مباشر او غير مباشر، يأخذ أصحاب هذه النظريات الأربع ويأكدون على الأوصاف الخمسة الواردة في نظرية تيديشي وكلهون، وذكر لينلي وجوزيف بأن أكثر من ٧٠٪ من الذين تغلبوا على المحن التي مروا بها أحرزوا تغيرات إيجابية على الأقل في واحد من هذهالأوصاف الخمسة.
نظرة شاملة على هذه النظريات الأربع تعطينا صورة شبه كاملة عن مفهوم النمو التالي للصدمة كعملية إجرائية وكنتيجة. تصنيف لينلي وجوزيف النمو بالموضوعي وغير الموضوعي وربط كل منهما بالأوصاف الخمسة لتديشي وكلهون يعطينا القدرة على معرفة جوانب معينة ومحددة للنمو في ظل الأوصاف الخمسة العامة. ايضا، نظرية ماك آدمز والتي تندرج تحت نظريات اعادة البناء الادراكي هي طريق لفهم حالة النمو التالي للصدمة ومفتاح للتعرف على الآلية الإدراكية التي تساعد على تحقق النمو. هناك دور هامللتركيز على السرديات الشخصية، حيث يزود الباحث والمرشد او المعالج النفسي لطريقة لمعرفة النقاط المهمة والتوصيفات التفصيلية للحدث او الأحداث التي أدت الى الصدمة النفسية. البعض يبالغ في السرد والبعض ينكر بعض التفاصيل الهامة والبعض يستعرض فروسية رومانسية اشبه بالملحمة الذاتية، وكل هذه الأمور المتعلقة بالسردية تساعد على اعادة البناء الادراكي للـمـصاب بالصدمة ليتجاوزها ويتخلص من كوابيسها.
أما النظرية الرابعة التي تعرضنا لها في مقال اليوم تركز على دور الفعل وليس الإكتفاء بإعادة البتاء الإدراكي وإنما أقران تلك الإدراكات بالعمل لكي يتم التحرر من أغلال الصدمة.
في المقال القادم سنبدأ الحديث عن كيف يحدث التغييرالإيجابي الذي يؤدي تدريجيًا الى النمو الحقيقي التالي للصدمة، فإلى لقاء قادم.
المراجع
Hobfoll, S.E., Hall, B.J., Canetti-Nisim, D., Galea, S., Johnson, R.J. & Palmieri, , P.A. (2007). Refining our understanding of traumatic growth in the face of terrorism: Moving from meaning cognitions to doing what is meaningful. Applied Psychology: An International Review, 56, 345-366.