جعفر الخواهر يختصر مئات السنين في متحف (الجزء الثاني)
رباب حسين النمر
عرف متحف دار التراث في سطرين
معلم من أكبر المتاحف الشخصية في الأحساء،
وهو موثق في هيئة السياحة ومن المسارات السياحية بالأحساء.
*في جولة حرفية سريعة ومركزة، هل تصحبنا لوصف معالم المتحف وأقسامه، وأبرز المقتنيات التي تُعرض فيه؟
يشغل المتحف مساحة 600متر مربع، ويتكون من دورين ومصمم على شكل البيت الأحسائي الذي يبدأ من الدهريز والليوان المستخدم لاستقبال الضيوف، ثم البراحة التي لا تكون مشاهدة من باب البيت، وحول البراحة اللواوين التي تفصل الأروقة بينها وبين اللواوين.
ويتكون المتحف من 18قسماً.
كل ركن يحكي عن حرفة من حرف الآباء والأجداد.
* إلي أي الفضاءات تأخنا غرف المتحف، وأركانه وفتريناته؟
– كل ركن يحكي عن حرفة من حرف الآباء والأجداد في هذا القسم.
فالقسم الأول على يمين الزائر حينما يلج إلى المتحف هو(حفيز بن شطان) والحفيز مكان البيع والشراء، و(شطان) اسم شخصية مقتبسة من مسلسل شعبي شهير هو درب الزلق. وكل ما يعرض على أرفف هذا الحفيز للبيع، مثل الإستكانات، وتوابعها من عدة الشاي، والقواري وخشب العود وخواتم الفضة.
– ركن القاري والحمار:
وفيه القاري ومتعلقاته مثل الخرج المصنوع من ليف النخل أو الخوص.وتجد في هذا الركن رخصة لحمار يأتي من مصر.
* ليوان العروس من الأركان التي يقف عندها زوار المتحف كثيراً فتملؤهم بالدهشة والإعجاب، وتتخمهم بالأسئلة.. فهل لك أن تحدثنا عن ليوان العروس؟
– أول ما يلفت الانتباه في ليوان العروس هو السرير والدولاب المصنوعان من خشب السيسم، عمرهما أكثر من مائة عام، وكان يؤتى به من الهند، ولا يزال بحالة جيدة جداً رغم سنواته الممتدة.
وسرير آخر نحاسي. ومما يلفت النظر جدران الغرفة المكسوة بالقماش، فقد كانوا قديماً يلبسون الجدران بالقماش وتسمى (الغدان) وهو عش الزوجية. ويعد ليوان العروس هو الغرفة المخصصة لزواج أبناء العائلة، حيث يغادرها العروسان لاحقاً إلى غرفتهما الخاصة، ليتزوح بها فرد آخر.
ومن المعروضات في ليوان العروس أدوات العروس، مثل :عقود االمرجان الطبيعي والمرتعشة.
وكانت تزين غرفة العروس بالسجاجيد القديمة وصور الكعبة المشرفة والمبخر، والمنز المصنوع من السعف الذي توضع فيه أدوات العروس مثل
الحناء والمرة والبخور الجاوي والمستكة والديرمة والسكر نبات والشبة والشامبو والدهان
عود الكحل ومشط الخشب والديرمة.
السرير كان فقط مقتنى لدى ميسوري الحال أما المقتدرين فهم يستخدمون السيَم وهي عبارة عن جذوع نخل وفوقه سعف وعليه توضع مرتبة القطن. وفي الغرفة.
* هل يحتضن المتحف بعض المنتجات التي اشتهر بها إنسان الأحساء في الماضي؟
– نعم بالطبع، فمن
المنتجات الأحسائية التي يعرضها المتحف: المهباش والميجنة، وإلى جانبها مهباش حجري للكبة الشامية.
وحافضات دبس وعسل مصنوعة من جلد الماعز أعمارها 250عاماً. وهناك حافظة هندية للسمن أو الدبس يعود تاريخها لمائة عام.
وهناك علقت قربة مصنوعة من جلد الماعز لخض الحليب وتحويله إلى لبن.
وفي أحد الأركان مصخنة من إنتاج دوغة الغراش للخزفيات بجبل القارة ..وكانت تستخدم لحفظ الماء وتبريده.
* من أبرز الأقسام التي يضمها المتحف ركن المربعة، فماذا عنه؟ وما أبرز مقتنياته ومعروضاته؟
– ركن المربعة هو المجلس الرجالي في البيت الحساوي. ويفترض أن يكون في مدخل البيت، ولكننا بدأنا ببنائه في بدايات إنشاء المتحف، وبعد التوسعة أصبح موقع المربعة بالداخل.
تتميز جدران المربعة بالروازن التي تمثل الطابع البنائي الأحسائي المعروف بالمنطقة . وتستخدم الروازن لحفظ المقتنيات، وكذلك بالروشنة وهي نافذة في الجدار يدخل من خلالها الضوء والهواء للمجلس.
وتعود التسمية للمربعة -رغم كون الغرفة مستطيلة الشكل – بسبب جمعها (الربع) حيث يجلسون معاً بكل راحة. ولا يقل عرض المربعة عادة عن أربعة أمتار وإلا فلا تصدق عليها تسمية مربعة، ولا تكون إلا مجلساً.
ولا بد أن يكون فيها كمرات ورواشن وروازن.
ويتميز هذا الركن من المتحف بوجود كرسي الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الل حيث كان يجلس ويلقي خطبه ودروسه وشروحاته في تفسير القرآن الكريم بأحد مساجد القاهرة، وقد جلبته من مصر حيث كنت أدرس بالقاهرة، وقد ساعدني الدكتور الذي تولى تدريسي في الحصول عليه عندما علم بأنني صاحب متحف وأقوم بجمع التراثيات.
وفي المربعة مصاحف يعود تاريخها إلى خمسمائة عام، ويعرف هذا من خلال التاريخ الذي يدونه خطاط المصحف على المصحف ذاته.
ولدينا قرآن الورد وهو من النوادر، فقد صنعت أوراقه من أوراق الورد الطبيعي، وكُتبت آياته بماء الورد، ولذلك عندما يُفتح يشع المكان بروائح زكية وينتشر به عبق الورد. وقد أحضرته من أفغانستان.
وفي المربعة مجموعة من السيوف التي تعود أعمارها إلى خمسمائة عام أو أقل من ذلك. ونستدل على السيوف والدروع الإسلامية من مقارنتها ومقابلتها بالمعلومات والصور الواردة في كتاب السيوف والدروع.
وتضم روازن المربعة متحجرات من مئات آلاف السنين مثل القبقب( سرطان البحر) المتحجر، وورقة شجر متحجرة، وقرن وحيد قرن متحجر. إضافة إلى مقتنيات الأسرة المالكة مثل الصحون المذهبة، والملاعق التي تحمل شعار المملكة العربية السعودية، ونظارة الفنان الراحل محمد الزويد التي اشتريتها من أحد مزادات مملكة البحرين.
*ماذا عن المكاييل الإسلامية في المتحف؟
– في أحد الأركان يوجد الصاع وهو وحدة كيل إسلامية قديمة، له من العمر ثلاثمائة عام، وكذلك المُدّ .والصاع يساوي ٣وربع مد،
وهذه المكاييل مذكورة في السنة النبوية الشريفة وبها مكاييل الاغتسال والتطهر والوضوء.
* المقهى جزء لا يتجزأ من روح الحياة الاجتماعية قديماً، فهل سلط المتحف شيئاً من الأضواء على هذا المعلم؟
– هناك ركن كامل للقهوة الشعبية،وقد أطلق عليها اسم (قهوة مهدلي) والشخصية مقتبسة من درب الزلق.
وتضم القهوة كل ما يخص تحضير القهوة والشاي من أدوات ومطاحن ومحامص ومبردات القهوة بعد التحميص، وخلاطات يدوية. ومكاييل الحليب التي تحمل ختم وزارة التجارة، ومجموعة من الجحلات والمصاخن القديمة من صناعة الأحساء.
*معروضات أخرى لها تاريخ قديم وبارز؟
– من المعروضات الرحى التي كانت تستخدم لطحن الحبوب، ورحى المتحف مصنوعة من حجر بركاني بحري.
آلة صنع آيسكريم آمريكية لها من العمر أربعون عاما.
و لوحات سيارات قديمة حيث كان يُكتب اسم المدينة على لوحة السيارة.
*يحتل دكاكين الحرفيين رواقاً كاملاً من أروقة المتحف، فماذا عن دكاكين الحرفيين؟
– أركان الحرفيين، يمثلها:
١_ ركن الحداد وعلى البوابة تجد المحش معلقاً وهو الأداة المستخدمة لجني محصول الأرز الحساوي، ويشترك في صنعه الحداد والنجار.
وفي وسط الدكان حفرة مثبت فيها برميل حديد، وهي مخصصة لجلوس الحداد أثناء عمله حتى لا ينحني ظهره، وأمامه المطرقة والسندان.
٢_ ركن الصفار:
وتعود التسمية إلى (الصفارة) وهي تلميع النحاس، حيث يعتمد عمله على معدن النحاس، فهو يصنع الدلال والصواني وطشت الغسيل والقدور والهاون، والمرش.
٣_ركن النجار:
الذي يقوم بتنفيذ عدة أعمال مهمة ومن ضمنها (المحاّلة) التي تثبت على فوهة البئر ويلف حولها الحبل لزعب الماء من البئر، وسحّارة العروس المصنوعة من الخشب حيث يوضع جهاز العروس بها قديماً وتؤخذ إليها قبل الزواج بيومين أو ثلاثة أيام.
٣_ ركن الشعلة:
ويحتضن فوانيس تعمل على (القاز)، من ضمنها فانوس ألماني له من العمر مائتي عام، وآخر أمريكي لم يحدد عمره، ودافور له ست شعلات وهو من النوادر، وفانوس خاص بالسفن مغطى حتى لا يتسرب إليه الماء فيطفيء الشعلة.
٤_ ركن الوزان:
وهو لبيع الميزان وتصليحه، وتعرض فيه مختلف أنواع الموازين، مثل: ميزان الذهب الذي يحمل ختم وزارة التجارة، وموازين المؤن وتبدأ من نصف كيلو حتى ثلاثين كيلو،والقبّان لوزن التمر، وأول ميزان رقمي.
وعند الجدار الحقائب التي كانت الخطوط الجوية السعوديها توزعها على الركاب.
٤_ ركن دار الفن الأصيل:
وهو يتضمن كل ما له علاقة بالفنون السمعية، مثل: الراديو والبشتختة، والقراما فون وصوتها أنقى من صوت البشتختة، وتلفزيون يعمل بالبطارية كان يستخدم قبل زمن الكهرباء، ومجموعة من (الروادو)
٥_ ركن كاميرات التصوير:
وتعرض فيه مجلة المصور عام 1950م. وفي هذا العدد إعلان عن كاميرا، والكاميرا نفسها معروضة في الركن وعمرها 72عاماً. وأفلام الكوداك ولوحة تعرض طريقة التصوير قديماً، حيث كان المصور يحمل الكاميرا على ظهره ويتجول في الشوارع منادياً ( عكس .. عكس)
٦_ركن بن سفرة للخوصيات:
فكل جزء من النخلة يمكن الاستفادة منه، حتى رماد الطبخ المتخلف من الجذوع يعاد مرة أخرى إلى النخلة لتسميدها.
٧_خياط الحاج حسين:
وهذا الركن الخاص بجدي لأبي رحمه الله، وتم تعليق صورته في الركن التي التقطت مع رئيسه بأرامكو، وفي الصورة الأخرى يظهر حاملاً أحد المقصات المعروضة في الركن.
كان جدي رحمه الله يعمل خياطاً في أرامكو، وبعد التقاعد فتح محل خياطة خاص به
في بلدته (المنصورة). وجدي هو الذي آوصاني بتأسيس المتحف.
٨_ركن المزيّن بن خاتون:
أو المحسّن. كرسي المحسن من خشب السيسم عمره تقريباً مائة عام، والأدوات الخاصة. بالحلاقة، وأول مجفف شعر كهربائي أمريكي له من العمر تسعون عاماً.
٩_دكان فرنسيس، وهو محل بيع المأكولات وشرائها،والحفيز.مكان بيع الأشياء غير المأكولة.
واشتهر لدينا في الأحساء البيع بالريال الفرنسي، حيث أن صاحب المحل عندما يقبل عليه الزبون يسأله هل لديك ريال فرنسي؟ فأسماه الناس فرنسيس. وعمر العلب من سبعين إلى ثمانين عاماً.
* تنتشر بعض فترينات العرض بين ردهات المتحف، حدثنا عن أبرزها؟
– هناك فاترينة الأوراق الرسمية، وبها جواز سفر قبل توحيد المملكة ( مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها)، وجواز والد جدي الخياط، وقد حددت خمس دول فقط للسفر إليها، وبطاقة التابعية، واستمارات السيارات القديمة، ودفتر الإقامة للأجانب، والمحبرة وريشة الكتابة.
وفي فترينة الجوالات تعرض مجموعة من الجوالات في جيلها الأول، والبيجر، ودربيل نحاس إنجليزي يحمل تاريخ 1917م، وبرميل صغير يحمل أول عينة بترول تدفق في المملكة من بئر رقم واحد، وبرميل آخر يحمل عينة من بترول أرامكو الدديد ويحمل شعار أرامكو الجديد.
وهناك فترينة خاصة بهدايا الحجاج.
* ما أبرز المطبوعات والمقتنيات التي تعرض في ركن المكتبة؟
– في الركن الخاص بالكتب القديمة عرضت فيه نسخة مخطوطة من مفاتيح الجنان عمرها 300عام، ونسخة مخطوطة من كتاب صحيح البخاري من الأزهر الشريف،وآله كتابة قديمة لغة برايل التي يستخدمها الكفيف، وآلة كاتبة تخص فندق الإنتركونتنينتال، ولوح المتعلم الذي يكتب عليه دارس القرآن الكريم بالفحم.
وإمساكية شهر رمضان عام 1948م تحمل صورة الملك المؤسس رحمه الله، ومجلة الفن، وحقيبتي التي كنت أضع بها كتبي عندما كنت طالباً بالمرحلة الابتدائية قبل خمسة وأربعين عاماً.
*الحوي الذي يتوسط المتحف بمثابة القلب النابض، فما الذي يضخه قلب المتحف؟
..
-الحوي هو روح المتحف، وهو روح البيت الحساوي، ويسمى براحة البيت وهو المكان البرح الواسع. وكانت الأرضية من الرمل في البيت الحساوي وفي وسطه نخلة أو شجرة سدر، والغرف تكون حول البراحة. حيث تطل الشرفات(الأقاسي) حيث توضع جذوع النخل أو ألواح الخشب بارزة عن الرواق وتوضع الحواجز حولها بحيث أنها تخصص للنساء في أيام الأعياد والأعراس والمناسبات حيث يتواجدن في الدور العلوي، ويطلعن على مجريات الحدث بمجلس الرجال الذين يجلسون في البراحة.
وهنا تعرض سيارة فرنسية حمراء اللون من نوع بيجو موديل 1946م، وهي بحالة جيدة، وتعمل حتى الآن نشارك بها في المناسبات والمهرجانات.
*بوابة المتحف هي العتبة الأولى والأخيرة التي يستشف من خلالها الزائر بعض أسرار المتحف، فهل تعد البوابة إحدى المقتنيات؟
– بوابة المتحف هي باب منزل حساوي له من العمر ثمانين عاماً وفي أعلاه زخارف طينية تعد من مميزات فن العمارة الأحسائي.
وفي ختام الجولة شكر عميق لمؤسس المتحف الأستاذ جعفر الخواهر وفريق عمله على هذا الإنجاز الذي يدعو للاعتزاز ويبعث على الفخر.