أقلام

صناعة المحتوى و الافكار في المنصات

أمير الصالح

بسبب مطالبات المتابعين الكثر بالجديد ، يتعرض اصحاب مواقع اليوتيوب و السناب شات و كاتبي صفحات الفيس بوك و مغردي التويتر و اصحاب الصحف الرقمية لضغط متواصل و شديد بتجديد المحتوى على منصاتهم تلبية للمطالب و للحفاظ على اهتمام المتابعين او السعي الى كسب المزيد منهم . و ليس بالسهل اليسير على من لديه الملايين من المتابعين و المشاهدين ان يغفل من تحديث محتوى منصته بافكار جديدة و محدثة باستمرار . و هذا الضغط المستمر يجعل صانعي المحتوى اما في حالات ابداع علمي او ادبي مستمر و نهم معرفي دؤوب و سعة افق متجدد . او على النقيض من ذلك اي ضيق افق و تكرار لما قيل بصيغ متنوعة و بالتالي تراجع عدد المتابعين و انحسارهم ثم انطفاء وهج الموقع ، الصحيفة ، البودكاست، او المنصة . و لاباس بتسليط بعض الضوء على هذه الجنبة.

عندما تتراجع اعداد المتابعين ، تتولد من رحم ضيق الافق للمغرد منعدم القراءة او مدعي صانع المحتوى و الافكار الى القرصنة الفكرية . ففي البداية يذهب بعض مدعي صنع المحتوى الى اعتماد السرقة العلمية ممن ليس لديهم متابعون كثر او استنساخ افكار قائمة دون اي عناء في التمحيص العلمي او عناء اضافة في القيمة للمحتوى الفكري او عمل تجديد في النظرة للموضوع من زوايا مختلفة .
و لذا لا تستغرب من تكرار عرض ذات المحتوى عندما تتنقل من موقع لاخر او من مغرد لمغرد اخر او من بودكاستر الو بودكاستر ثان له . شخصيا ، سمعت بودكاستات و رأيت يوتيوبات و قرأت مقالات لمن سقطوا في تلكم الازمة و اعتمدوا النسخ و اللصق و السرقة العلمية دون ذكر المصدر و تجيير الافكار لموقعهم .

ما يعمق هذه الظاهرة هو انه في الاونة الاخيرة و مع جفاف استمطار الابداع الفكري و ترهل صنع المحتوى من قبل بعض اليوتيوبر و المغردين و البلوغر و اصحاب برامج التلفاز و البودكاستر في بعض الاوطان ، يصدق في بعضهم القول” آنَ لأبي حنيفة أن يمدَّ رجليه “. فقد افلس البعض من مدعي الثقافة و مدعي صناعة المحتوى افلاس شنيع و مدوي . و لذا لا تستغرب من تضخم موقع اليوتيوب و التويتر و الانستجرام بارقام فلكية لمقاطع و تغريدات بسبب تكرار ذات الافكار بشكل ممل و بخيس و سيء . و من الامانة العلمية على صانعي المحتوى الاعلامي و الافكار ان يتوقفوا بعض الوقت لتزويد انفسهم بوقود المعرفة من خلال القراءات المثمرة من المصادر الصحيحة ، بدل الانزلاق في بحور السفاسف في التغطيات لمواضيع تافهة او السرقة العلمية .

و من جهة اخرى على المتلقي او المتابع او القارئ ان يكون اكثر وعيا و حرصا على اوقاته عندما يتصفح او يتابع مغرد ما من ان يتلقى كل شي دون نقد و تمحيص لكي لا يكون عقله مكب لما يرمي به صانعوا المحتوى المفلسين . فقيل قديما garbage in is garbage put .
خرجنا لتو كمجتمع من شهر رمضان الكريم حيث صناعة المحتوى الروحي و العبادي و جرعات الادعية الجميلة . مع توازن بتغذيات ترويح نفسي متزن و ترفيه كوميدي معقول و تغذية اخلاقية طيبة . و للحفاظ على المكتسبات النفسية و الروحية و العبادية و الفكرية و العاطفية لكل منا ، اعتقد انه لا بد من تجنب :

– المحتوى الاعلامي الهابط الذي يتغذى على سفاسف الامور

– المحتوى الفكري المتأزم و المهزوم و المأزوم

– المحتوى المعرفي المثير للشفقة لأنعدام روح البصر و البصيرة فيه

– المحتوى الخطابي الضحل و الطفولي الهش

– المعالجات السطحية و الغير سوية

– المحتوى الجدلي العقيم و الغير مجدي

صانعي المحتوى الجيد عندما يحسنون توظيفه يمكنهم ان يجنون اموال طائلة او اقناع اعداد كبيرة من خلال زرع فضائل معينة . عندما تسأل احدهم لماذا يشاهد تلك القناة بشكل مستمر او يسمع تلك المحطة الاذاعية بشكل مجدول ، سيجيبك ان المحتوى المذاع يلبي و يشبع جوعه المعرفي او العلمي او الترفيهي . و بالعموم لابد ان نحسن الاختيار كصناع محتوى او مستهلكين له . ضعف صنع المحتوى المفيد و العملي يجعل الكثير من الاتباع حتى لاصحاب الايدلوجيات يندثرون او يتقلصون او يقرأون لمن يصنع المحتوى المفيد و المبدع حتى لو كان لا يحمل نفس مسلماتهم الايدلوجية .

همسة ١ : ما يتكالب عليه صناع المحتوى بكل انواعها هو وقتك . لان وقتك اضحى سلعة تباع و تشترى و يسترزق اناس منها بناء على اهدار وقتك او استثمار اطول مدة تقضي بها وقتك امام المنصات و المواقع و اكثر عدد من الضغط على زر المتابعة و الاعجاب و اعادة التغريد . فانت ابصر بنفسك فيمن تعطيه وقتك و عقلك و مالك .

همسة ٢: اقيم استفتاء ميداني في بعض الدول عن اهتمامات مستخدمي تطبيق تواصل اجتماعي عن المحتوى الذي يثير اهتمامهم. اوجدت الدراسة ان الاهتمام ب متابعة اخبار مفاتن عارضة فاتنة حصل على نصيب الاسد و ان الاهتمام بمصير موارد الارض حظى بادنى مستوى له! ما هي اهتمامات ابناء مجتمعك و ماهو المحتوى و الافكار التي يتابعونها و تشغل معظم اوقاتهم ؟

همسة ٣ : سهولة صنع المحتوى المرئي في منصات مثل تك توك ( مليار و نصف مشارك ) و يوتيوب و سهولة فتح غرف الدردشة في تطبيق كلوب هوس تشجع كل من هب ودب ان يكون صانع محتوى و يمرر افكاره. فاناشد كل ابناء مجتمعاتنا دونما تخصيص بان يكونو اهل للمسؤولية قبل بث اي محتوى قد يسيئ لابناء المجتمع او يشوه افكار الجيل الصاعد. كل ارباب الاسر يعيشون تحديات متصاعدة و كبيرة في التشكيل التربوي للابناء في ظل وجود خوارزميات ذكية ( الذكاء الصناعي ) في بناء و تغذية محتوى و تشخيص ميول الابناء لا سيما الصغار منهم. و انت اولى بتوجيه اطفالك و نفسك نحو المحتوى الذي يجعل حياتك اكثر سعادة و بركة و خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى