الموسى يحذر من الفراغ في الإجازة وهدر الطاقات والكسل
مالك هادي: الأحساء
“بعدَ أَنِ انقَضَى شهرُ رمضانَ المباركُ، وبعدَ انقضاءِ العامِ الدراسيِّ الحاليِّ تُطِلُّ علينا الإجازةُ الصيفيةُ بكلِّ تَبِعاتِها بعدَ عامٍ مليءٍ بالضغوطاتِ العِلميةِ والعمليةِ والأسريةِ خصوصًا على الأمهاتِ اللاتِي كُنَّ يتعايَشنَ معَ أولادِهِنَّ في المدرسةِ وكأنهنَّ المعلماتُ والمعلمونَ” بهذا استهل إمام مسجد الإمام الكاظم ببلدة الحوطة سماحة الشيخ عباس الموسى حديث الجمعة.
فقد أكد الشيخ الموسى على أن البرامِجَ والأنشطةَ الصَّيفيةَ لهَا انعكاساتٌ نفسيَّةٌ على الشَّبابِ والفتياتِ خصوصًا إذا كانتْ ذاتَ فائدةٍ ونفْعٍ؛ فقدْ تساعدُ على بناءِ الشَّخصيَّةِ، وتأكيدِ الذَّاتِ، وتعْزيزِ الثِّقَةِ بالنَّفسِ، واكتِسابِ الخبراتِ، وإنْضاجِ القدُراتِ، وصقْلِ الهواياتِ، وبَلْورةِ الملَكاتِ، وتنْمِيةِ واكتِسابِ المهاراتِ الفِكْريَّةِ والحِرفيَّةِ والاجتماعيَّةِ، وتفريغِ الطَّاقاتِ والشحْناتِ النفسيَّةِ الزَّائدةِ، ورفْعِ المعنويَّاتِ، والتخلُّصِ مِنَ الضُّغوطِ، ثمَّ ينعكسُ هذا التَّأثيرُ بإيجابيَّاتِهِ على المجتمعِ بأكملِهِ، والعكسُ صحيحٌ،
وشدد سماحته على أمور عدة ينبغي مراعاتها في وقت الإجازة، وهي:
أولًا: محاربةُ الفراغِ: فقال: الفراغُ قاتلٌ للإنسانِ في كلِّ أبعادِهِ، يقتلُ المواهِبَ والقدراتِ والملكاتِ التي يمكنُ أنْ تَرقَى بالإنسانِ، فالعطلةُ الصيفيةُ لا تَعنِي تعطيلَ الفكرِ ولا العملِ ولا الجسدِ، بلْ المطلوبُ الاستفادةُ مِنَ الوقتِ واستثمارُهُ، لا أنْ نعيشَ الإجازةَ في النومِ وتضييعِ الوقتِ، فإنَّ اللهَ يُبْغِضُ ذلكَ، كما وردَ في الصحيحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ كَثْرَةَ النَّوْمِ وَكَثْرَةَ الْفَرَاغِ)، وقديمًا قالَ العربُ: (لَئِنْ كانَ العملُ مجهدةً.. فإنَّ الفراغَ مفسدةٌ)، مفسدةٌ في كلِّ شيءٍ، فانجرارُ بعضِ أبنائِنا خلفَ المخدِّراتِ بسببِ الفراغِ، وحالةُ الاكتئابِ والقلقِ التي يعيشُها بعضُ الشبابِ بسببِ الفراغِ، وعدمُ النموِّ العقليِّ والفكريِّ عندَ الشبابِ بسببِ الفراغِ، وخطورةُ الفراغِ تكمُنُ في الذينَ يجمّلونَ للشبابِ طريقَ مَلْءِ الفراغِ بالمفسداتِ، فالاغترابُ الذهنيُّ والنفسيُّ والتذبذُبُ الفكريُّ وحالةُ الضياعِ التي يعيشُها نسبةٌ مِنَ الشبابِ جرّاءَ الفراغِ هوَ بسببِ الابتعادِ عنِ المجتمعِ والانفرادِ بوسائِلِ التواصُلِ الاجتماعيِّ.
كما سلط الضوء على ظاهرة الاجهزة والانترنتُ ووسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ فقال: أكثرُ ما يعيشُهُ الشابُّ والفتاةُ في فراغِهِ مع هذه الأجهزة، ولا نعلمُ ماذا يُشاهِدُ، وماذا يسمعُ، وبأيِّ شيءٍ يهتمُّ ويركزُ، وعلى أيِّ شيءٍ يَبنِي أفكارَهُ وأخلاقَهُ، وأخطرُ ما دَخَلَ علينا مِنْ تطورٍ هوَ وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ والانفتاحُ اللاواعي بسببِها، ولِذا مِنَ المهمِّ على أولياءِ الأمورِ وعلى الشبابِ الاهتمامُ بِمَلْءِ الفراغِ مِنْ خلالِ اكتسابِ الخبراتِ، والتعلُّمِ، والإيمانِ، والترفيهِ، ويمكنُ إجمالُ ذلكَ في أمورٍ متعددةٍ مِنها:
وأكد في حديثه على الخبراتِ والمهاراتِ الجديدةِ التي تكونُ بالعملِ، فقال: حينَما ينخرطُ الشبابُ –طلابُ الثانويةِ والجامعةِ- بأيِّ عملٍ تجاريٍّ مثلًا يكتسبُ منهُ ويتعلَّمُ منهُ خبرةً، ومهنةً جديدةً ربَّما يحتاجُ لَها بعدَ التخرجِ ومِنها يُغَطِّي فراغَهُ ويستثمِرُ وقتَهُ، لا أنْ يتكاسَلَ الإنسانُ ويحوِّلَ الإجازةَ إلى مجردِ نومٍ، فقدْ وردَ في الصحيحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (مَنْ كَسِلَ عَمَّا يُصْلِحُ بِهِ أَمْرَ مَعِيشَتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ خَيْرٌ لِأَمْرِ دُنْيَاهُ)، وفي صحيحةٍ أُخرى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (ع) قَالَ: (إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ فَإِنَّكَ إِنْ كَسِلْتَ لَمْ تَعْمَلْ).
وقدْ ينخرطُ في دوراتٍ تعليميةٍ، فبالأمسِ لمْ تكنْ رسامًا مثلًا، واليومَ اكتسبْتَ المهارةَ، تَعَلَّمِ البرمجةَ أوْ إصلاحَ الالكترونياتِ أوْ غيرَ ذلكَ مِنَ الأمورِ التي تتيحُ لكَ الاعتمادَ على نفسِكَ، وتقدِّمُ لكَ الخبرةَ التي ستحتاجُ لها في حياتِكَ المهنيةِ لاحقًا، وقدْ يكونُ العملُ في إطارِ المجتمعِ والنشاطِ الاجتماعِيِّ، وربَّما نحتاجُ إلى العملِ التطوعيِّ والخدمةِ الاجتماعيةِ، والتي بدورِها تنمِي الأفكارَ، وتجمعُ المجتمعَ في بوتقةٍ واحدةٍ، وتشغلُ الشبابَ عنْ فراغِهِمْ، وما أحوجَ المجتمعَ إلى استيعابِ ذلكَ، ومشاركةِ النشاطِ لتعزيزِ ذلكَ.
وقدم الشيخ الموسى تصورا حول تعلم الشباب بطريقين أولُهُما: في داخلِ البيوتِ حينَما يخصِّصُ الأبوانِ بعضًا مِنَ الوقتِ لتعليمِ الأبناءِ أمورَ الدينِ والثقافةِ العامةِ، أوْ إشراكُهُمْ في دوراتٍ علميةٍ وتخصصيةٍ، والثانِي: إشراكُهُمْ في دورةٍ تعليمةٍ تكونُ داخلَ المجتمعِ، والمجتمعُ مطلوبٌ منهُ دعمُ الدوراتِ التعليميةِ، القرآنيةِ، والعقائديةِ والفقهيةِ وغيرِها، إذا كانَ الأبوانِ لا يستطيعانِ تعليمَ الأولادِ فالأَولَى الاهتمامُ بإدخالِهِمْ دوراتٍ تساهِمُ في وعيِهِمْ بمختلفِ الأمورِ، ودعمُ هذِهِ النشاطاتِ دعمًا ماديًّا ومعنويًّا، وتكاتُفُ المجتمعِ يصنعُ المعجزاتِ في ذلكَ ويساهِمُ في تسريعِ عجلةِ الوعيِ والعلمِ والفَهمِ.
وأمَّا الترفيهُ فلا بدَّ مِنْ إشراكِ الأولادِ في الجانِبِ الرياضيِّ، ممارسةِ الرياضةِ كلٌّ بحسبِهِ، ولوْ بالمشْيِ، وذلكَ يساهِمُ في تغطيةِ الفراغِ، ولهُ جوانِبُ صحيةٌ مهمةٌ كما نعلمُ.
الثانِي: التنظيمُ والتخطيطُ للوقتِ وللحياةِ، فقال: لنْ يستطيعَ الشابُّ الوصولَ لتحقيقِ أهدافِهِ المطلوبةِ، إلَّا بالتخطيطِ السليمِ للمستقبَلِ، فهوَ الطريقُ الأمثلُ لتحقيقِ الغاياتِ المرسومَةِ، فالنجاحُ في الحياةِ هوَ ثمرةٌ مِنْ ثمارِ التخطيطِ الناجِحِ. عندمَا يطمحُ الشابُّ أنْ يحصلَ على جامعةِ معينةٍ فلا بدَّ أنْ يفكرَ ويخططَ، وعندَما يطمحُ في وظيفةٍ معينةٍ فلا بدَّ أنْ يخططَ، ونحنُ كآباءٍ نطمحُ كثيرًا في أنْ يَصِلَ أبناؤُنا إلى مستوياتٍ عاليةٍ في العلمِ والدينِ، نطمحُ أنْ نجدَهمْ أطباءً مثلًا، مهندسينَ، نطمحُ أنْ يكونُوا متدينينَ، وحَفَظَةً للقرآنِ، وكلُّ ذلكَ بالتخطيطِ وتنظيمِ الوقتِ واستثمارِ الإجازةِ الصيفيةِ في إطارِ تحقيقِ هذِهِ الأهدافِ، أمَّا الفشلُ الحاصلُ فيعودُ لغيابِ التخطيطِ للمستقبلِ، وعدمِ وضوحِ الأهدافِ، وغيابِ أيَّةِ رؤيةٍ لاستشرافِ آفاقِ المستقبلِ وتحدياتِهِ.
ويقعُ على الآباءِ دورٌ مهمٌّ في وضعِ برنامجٍ صيفيٍّ لأبنائِهِمْ، تتنوعُ فقراتُهُ ما بينَ حفظِ القرآنِ، ومراجعةِ الأمورِ الشرعيةِ، والمحافظةِ على الصلاةِ، ومتابعةِ بعضِ القضايا التربويةِ، والترفيهِ والتنزُّهِ الذي يمكنُ استغلالُهُ في تسريبِ معلوماتٍ عامةٍ، ونصائِحَ تربويةٍ.
الثالثُ: صنعُ المسؤوليةِ مِنْ خلالِ المساعدةِ في الأعمالِ المنزليةِ، فقال: إذا كانَتِ البنتُ تشعرُ بالمللِ أثناءَ الإجازةِ، يمكنُ اصطحابُها إلى المطبخِ وتشجيعُها على إعدادِ بعضِ الوصفاتِ البسيطةِ، فالهدفُ مِن هذا التدبيرِ يكمُنُ في جعلِ الصغيرةِ تشعُرُ بأنها قادرةٌ على إدارةِ شؤونِ المطبخِ، ولوْ لوقتٍ قصيرٍ، لا بدَّ أنْ تتعلمَ الغسيلَ والتنظيفَ.
وأهمسُ للأمهاتِ والفتياتِ بأنَّ المطلوبَ أنْ نصنعَ أمهاتٍ، وإذا كانَتِ البناتُ مشغولاتٍ أيامَ الدراسةِ وبعيداتِ عن ترتيبِ المنزلِ ومتطلباتِهِ، فلنستثمِرِ الإجازةَ في ذلكَ ونجعلِ البنْتَ أُمًّا، وربَّما نلاحظُ بعضَ الفتياتِ اللاتِي ينتقِلْنَ لبيوتِ أزواجِهِنَّ، ولا يملِكْنَ خبرةَ الأمومَةِ لا في الرعايةِ ولا المهامِّ المنزليةِ.
أمَّا الولَدُ فيمكنُ تكليفُهُ ببعضِ المهامِّ المنزليةِ التي تتّسمُ بالخشونَةِ أوْ تحتاجُ جهداً بعضَ الشيءِ كتغييرِ مكانِ بعضِ الأثاثِ أو شراءِ أغراضٍ للمنزِلِ مِنَ الخارِجِ، ورغمَ تكاسُلِ الطفلِ في أداءِ هذهِ المهامِّ، إلَّا أنهُ يشعُرُ برجولتِهِ وأهميتِهِ بالنسبةِ للأسرةِ أثناءَ تأديتِها، نستطيعُ أنْ نصنعَ شابًّا مسؤولًا، يتحركُ في دائرةِ الأسرةِ، ويتعلَّمُ المهامَّ، ويُغَطِّي على بعضِ فراغِهِ.