وجاهة من الفلين !
يحيى العبداللطيف
وسم ( الوجيه ) لرجل الأعمال المعطاء الصادق هو تتويج من الناس للشخص المبادر الباذل الذي لو أحس أن طاقته المالية يمكن أن تسهم في حل أي أزمة اجتماعية لن يتأخر ، وهو يتمثل بيت طرفة :
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني
عُنيت فلم أكـسل ولم أترددِ
والحقيقة أن رجال الأعمال من مجتمعنا سباقون باذلون في كل صعيد ، بيد أن ثمة سلوك مستفز قد يبدر من القلة القليلة وهي الوعود السرابية بالدعم حيث يضع أحد هذه القلة الشمس بيده اليمنى والقمر بالأخرى ، وما أن يحين الحين لا تجد إلا غبارا .
كـ( برق خُلّب) كما يقول العرب ، يومض ولا يمطر ، ولعل وميضه من أجل استغلال وميض كاميرات الحدث ، فعلى سبيل المثال يحدثني أحدهم أن في بلدة ما أقيم حفل تكريم لشخصية محبوبة ، وكان الحفل يسير كما اتفق عليه ، لكن فاجأ الحفل رجل أعمال اختطف المايك بيمينه ، وشيك من الفلين كبير بيساره ، ورفع عقيرته صائحا : هذه هدية مبلغ ( كذا ألف ريال ) وكان مبلغا تشهق له القلوب قبل الصدور ، والفلاشات لا تهدأ ، غير أن شيك الفلين بقي فلينا ولم يتواضع ليصبح ورقا يُصرف !
وحادثة أخرى لصديق أديب كان على جبهه نشاط أدبي يستدعي الدعم المالي ، وكانت تأتيه مساهمات خجولة من هنا وهناك غير أن اتصال من أحد ممن يظهرون بصورة الوجيه الثري أخبره أن يأتيه المنزل فورا فلديه نية للمساهمة ، انساق صاحبنا بصفاء نية لمجلسه ليجد كعكة من إعداد منزلي ، فأوقفه عندها ونادى أحد غلمانه : ( خذ اللقطة يا ولد ) ، وبعدها تقلصت ابتسامته المصطنعة وودع صاحبنا ببرود ، وفتح جواله ونشر في السوشل ميديا : نقف مع فلان وندعمه ، وصاحبنا منذهل فلا وجه منبسط ولا ضيافة من كعكته الفاشلة ، أما الدعم فلن يناله ولو بلغت التراقي .
كنت محتارا في عنوان المقال ، وكنت أخير نفسي بـ( الوجيه عرقوب ) ، أو ( الهياط الرخيص ) لكن وجدت أن الفلين واهٍ وضعيف ويتناثر مع الوقت ، وإن أبهرك في لحظة ما .
لن أتحدث عن الجانب الأخلاقي والذوقي لهذا السلوك ، لكن هي كلمة تلجلج في الصدر : ما قيمة أن تكسب لقطة كاميرا وتخسر صورتك على ألسنة الناس !
المؤلم لمن يقع ضحية هؤلاء ، فكرامته تمنعه أن تطالب الوجيه الفليني بما وعد ، والناس تحسده على كعكة لم يذقها ، وحُمّل جميلا بأكياس فارغة .