حوارية (٦٧) كيف يثبت الإعجاز البلاغي لغير العرب
زاهر العبدالله
سلام عليكم أخي الكريم سؤال
السائل:
كيف يكون القرآن الكريم معجزة على لغات أخر غير العربية؟
الجواب:
الجواب بسمه تعالى
إن القرآن الكريم لم يقف إعجازه على ألفاظه ومعانيه اللغوية وفصاحته البيانية، وإنما القرآن الكريم بمجموعه إعجاز. وهناك جوانب متعددة فيه تلمس الإعجاز منها مثل الإعجاز في معرفة علوم الأولين والآخرين مما يتعلق بالغيب، وهناك إعجازه العلمي المتمثل في عدة آيات تتحدث عن الكون والمطر ونشأة الإنسان وغيرها، وهناك الإعجاز في البلاغة والفصاحة التي عجز العرب عن أن يأتوا بمثلها. وإنما رُكِّز على الجانب البلاغي والبيان والفصاحة لأن القرآن الكريم نزل في ميدان الفصاحة والبلاغة عند فحول العرب وأقحاحها. وكما هي عادة الله سبحانه في خلقه أنه في كل أمة يبعث رسولاً له يجعله في مقام يتحدى ما وصلوا إليه وتفاخروا به من علوم كالطب أو السحر وغيرهما. فيجري الله سبحانه وتعالى على يد بعض أنبيائه ما لا يستطيع الخلق على مثله فيكون آية له ومعجزة يُبهر بها قومه، فيخضع له رواده ومن هم محط التفاخر فيه. فتجدهم إذا شَعروا وأحسوا بالفشل من أن يقارعوا الحجة بالحجة لبسهم الخزي والعار ولم يقدروا على مواجهته، قاموا بأساليب أخرى تخفي فشلهم كالقتل والتشريد والتهم والتعذيب لأنهم لا سبيل لهم على رد ما عجزوا عن مواجهته وهو ذلك المبعوث من قبل الله سبحانه.
السائل:
وهل هناك في التاريخ ما يؤيد كلامك من أن فحول العرب عجزوا عن مجاراة القرآن الكريم؟
الجواب:
نعم يوجد، وإليك مثالاً واحداً متفقاً عليه عند الفريقين كما نقل لنا زعيم الطائفة السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره في كتابه البيان،
قال :”… واستيقنت بذلك بلغاؤهم. وإن كلمة الوليد بن المغيرة في صفة القرآن تفسر لنا ذلك، حيث قال – حين سأله أبو جهل أن يقول في القرآن قولا:
” فما أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم في الأشعار مني ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى.
قال أبو جهل: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه قال الوليد: فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر. قال:
هذا سحر يأثره عن غيره ”
وفي بعض الروايات قال الوليد:
” والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر”. (١)
السائل:
وهل ذكر لنا القرآن عن وجود أكثر من نبي في الزمان الواحد وأن نبينا محمد صلى الله عليه وآله جاء وحده للناس كافة؟
الجواب:
الأنبياء السابقون عليهم السلام كانوا يأتون في أمم سابقة وتحدهم جغرافيا معينة في الأرض فكل نبي يأتي بآية تعجز قومه وقد يجتمع النبيان في وقت واحد وفي مكان واحد مثل نبي الله موسى وهارون عليهما السلام ضد فرعون وقد يكونان في مكانين مختلفين مثل نبي الله إبراهيم والنبي الله لوط عليهما السلام وهكذا ولكن خاتم الأنبياء والمرسلين جاء للناس كافة بمختلف لغاتهم وأشكالهم وأعراقهم ومناطقهم كما قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)}سبأ.
ومن يلقي نظرة في التاريخ يجد أن النبي الأعظم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد راسل الروم والفرس فخاطب لغات غير لغته ودعاهم إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ودعاهم إلى الصراط المستقيم فمن الطبيعي أن يسألوا عن هذا النبي العظيم وما هي آيته لأن هذه الثقافة باقية في أممهم ولها جذورها في موروثهم الثقافي وبما أن التحدي جاء من قبل الحق سبحانه بلغة القطع واليقين على الجن والإنس فمن الطبيعي أن يجتهد المشركون والكفار لإبطال هذه الدعوة من الحق سبحانه فلم نجد على مر التاريخ أن واجهوا معجزة النبي الأعظم رغم اختلاف لغاتهم وهم لا يخلون ممن يجيد البلاغة والفصاحة في اللغة العربية فيوصل لهم بيان القرآن وجميل خطابه وعمق علمه ومعاجز برهانه على الأمم كما قال تعالى
: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾. الإسراء (88)
وكما أشار القرآن أنه لو جاء هذا القرآن من غير الله سبحانه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً كما قال تعالى ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) ﴾ النساء.
الخلاصة:
كما أشار العلماء والمفسرون مثل الحكيم السيد الطباطبائي قدس سره وغيرهم من أن القرآن الكريم هو معجزة بمجموعه معجزة بما يحويه من علوم الأولين والآخرين ومن فصاحة وبلاغة وإعجاز علمي وبيان وبرهان على صدقه وبما يحمل من بديع تصوير وسبك وكناية ومجاز وتمثيل وغزارة في علومه ودقة في كل تفاصيله كما بينت ذلك بنت الوحي والهدى الزهراء عليها السلام حيث وصفت القرآن بوصف لا يدانيه وصف ولا يخرج إلا من هذا البيت النبوي الطاهر عليهم صلوات الله حين قالت في وصف كتاب الله سبحانه:
(كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بينة بصائره منكشفة سرائره منجلية ظواهره مغتبطة أشياعه قائد الى الرضوان اتباعه مؤد إلى النجاة استماعه به تنال حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيناته الجالية وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة…
وقالت في موضع آخر من خطبتها في وصف القرآن الكريم:
أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة. (٢)
ولا يزال التحدي قائماً حتى يومنا الحاضر ولم يقم أحد بمحاولة إلا خاب وخسر مع كل هذا التقدم الباهر للعلوم فإن جل ما يقومون به اليوم وخصوصاً أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم التشكيك في بعض ألفاظه ومعانيه وقد ردّ عليهم علماؤنا بما يلجم حججهم ويخزي مرادهم.
هذا المقدار كاف بإذن الله وأجبت بما أظن أنه نافع بإذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين.
السائل:
أحسنتم ورحم الله والديك
الجواب:
وأنتم رحم الله والديك أيضاً.
زاهر العبدالله
٢٢ / ١٠ / ١٤٤٢ هـ
المصادر:
١-كتاب البيان في تفسير القرآن – السيد الخوئي قدس – ص ٥٧
٢-بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢٩- ص٢٢٢