عبدالله محمد البحراني
الملا عبد الرزاق بن عليِّ حسين المؤمن، أقدم رادود لعزاء الإمام الحسين (عليه السلام) بالأحساء.
تعريف بشخصيته:
وُلد في حيِّ الشعبة بالمبرز عام ١٣٥٨هجري. فقد والده ولم يتجاوز الرابعة من عمره وتربى يتيم الأبويْن. عمل أولاً, في شركاتِ المقاولاتِ في بعض المناطق النائية (في بقيق، عين دار، وغيرها). وفي فترة لاحقة، التحق بشـركة ارامكو لفترة. وأخيراً, فتحَ له ورشة حدادة لتصنيع الأبواب والشبابيك. تزوج من كريمة عمه الفاضلة (أم منتظر). ورُزق منها بأربعة أولاد (منتظر، خالد، قصيٌّ، وعليٌّ). وخمس بنات صالحات.
علاقته بمجالس الحسين:
عُرف عنه (رحمه الله) بتعلقه بمجالس سيد الشهداء. ففي الأحساء شارك مبكراً في إحياء مجالس العزاء. وساهم بنقله من الطريقة التقليدية المعروفة (بالعزاويِّ) إلى طريقة الحلقات. متأثراً بما شاهده في العراق بقيادة الحاج حمزة الزغير وغيره.
كان العزاء (اللَّطم) في الأحساء، يقتصـرُ على الكلمات البسيطة، ورداديات ملا عطية الجمريِّ، أو مراثي الملاَّ عليِّ بن فايز الأحسائيِّ، وغيرهم. حيث كان اللاطمون وهم في الغالب كبار السن يجلسون على الأرض، بينما يقف الأطفال أمام المنبر. وكانت الردادية (وهي أبيات من الرثاء) تُلقى بعد المأتم. ومن الذين يلقونَ رداديات العزاء الملا عليُّ بن حسن الدجانيِّ.
وفي مرحلة لاحقة, دخل العزاء في هذه المرحلة (طوراً) جديداً من التنظيم والإلقاء لم تعهده المنطقة من قبل. حيث أقيم العزاء في حسينية السادة بحي الشعبة على شكل حلقة أو أكثر. يجتمع فيها عددٌ كبير من اللاطمين ويتوسطهم عددٌ من الشباب الحماسيين. ويقوم المشاركون بترديد مقطع من مقاطع المرثية، وهم يلطمون بأيديهم على صدورهم بضـرباتٍ خفيفة وفي ايقاع متواصل. مع صوت (الرادود) الملا عبدالرزاق المؤمن، والذي كان يقود حركة المشاركين الكبيرة بأدائه الحماسيِّ. وكان أول من قرأ مراثي الإمام الحسين (عليه السلام) واقفاً على المنبر في حسينية السادة (الهاشمية) بالشعبة.
ويعد الملا عبدالرزاق المؤمن أول من قاد العزاء في مدينة المبرز بطوره الجديد عندما كان في العشـرين من عمره. والذي عُرف بنظام (الحلقات). وفي تلك الفترة, كان ينتقي القصائد التي تُصوِّر المصاب, وتبثُّ في نفوس المعزين النخوة والحماس. ويعتمد على ديوان (المنظورات) للشيخ منذور الكربلائيِّ، وقصائد عبدالحسين الشـرع، وديوان عبد الأمير الفتلاويِّ، وبعض القصائد التي كان يلقيها الحاجُّ حمزة الزغير.
وأقبل الشبابُ والكهول على العزاء الحسينيِّ, وأصبحوا يمثلون السواد الأعظم من المشاركين في تلك المرحلة. يقول الشيخ حسين بن عليِّ البوخضر: بأنه يعتقد بأن بدايات هذا النوع من العزاء كانت بداياته في حدود عام ١٣٧٠ هجري. وذلك بإشراف من قبل العلامة السيد محمد السيد حسين العليِّ ورعايته.
وكان لتشجيع العلامة السيد محمد بن السيد حسين العليِّ (القاضي) ورعايته، أكبر الأثر في تبنِّي تلك المواهب الفتية. يقول الحاج إسماعيل بن عبدالكريم المؤمن (رحمه الله) وهو, من المساهمين الفاعلين في العزاء في تلك الفترة. يقول: (لقد كان السيد محمد بن السيد حسين العليِّ أباعدنان، المشرف العام على العزاء الحسينيِّ في حيِّ الشعبة. ويساعده في ذلك السيد محمد السيد ناصر السلمان. ويَحرصُ السيد أباعدنان على حضورِ مراسم العزاء بنفسه في الصباح والمساء. ويوجه ويشجع القائمين على العزاء. ويحثُ الجميع على المشاركة والحضور. وكان يوزع بعض المال على القائمين على العزاء كنوعٍ من الدعم والتشجيع).1 انتهى.
وفي هذه الفترة، أُدخلت ولأول مرة في المنطقة، الهوسة العراقية في العزاء بحيِّ الشعبة، وكان ذلك بقيادة آل المؤمن. ويمكن أن نعد نهاية السبعينات من القرن الرابع عشـر الهجريِّ هي بداية التحول للطور الجديد في عزاء (اللطم) أبي الأحرار في المنطقة.
الملا مهدي المؤمن (ابو مؤيد)
وفي هذه الحقبة, برزت على الساحة موهبةٌ عزائية آخرى، لشابٍ يافع لم يبلغ الثالثة عشــرة من العمر. عشق الحسين ورسالته. انخرط في تلك المواكب الحسينية مبكراً، وقاد تلك المناسبات بعد ذلك ولأكثر من خمسة عقود من الزمن بفاعلية وحماس متجدد،.ساعده في ذلك صوته الجهوريُّ، وحبه وتعلقه بسيد الشهداء ورسالته، ألا وهو الحاج مهدي بن عبدالكريم المؤمن (ابو مؤيد). وفي تلك الفترة, ظهرت كوكبة من الرواديد في الحي. ومنهم: الملا يحي بن عبدالله الشداد, والأستاذ عبدالرسول بن ملا عبدالله البن صالح, وعباس بن حسين السمين وغيرهم. وكانت له علاقة مميزة مع سماحة السيد محمدعلي السيد هاشم العلي (سيد الشعائر).
وقفة تربوية:
عرف عن الملا عبد الرزاق المؤمن حبه للدعابة والمرح، ولكن بإتزان ويتوافق مع الهيبته والوقاره. وكان يساهم في إحياء مناسبات زواج وأفراح آل مؤمن، وذلك بقراءة المولد وإلقاء بعض الأشعار وبعض المواقف الفكاهية التي تضفي على المناسبة روح البهجة والسرور.
ومن الجوانب المثيرة للإعجاب في شخصية (رحمه الله)، حبه الشديد للأطفال. حنونناً عليهم. يكثر من مداعبتهم. ولم يقتصـر ذلك على أطفاله وصغار عشيرته. بل امتد عطفه وحبه لأطفال الجيران. وبحكم الجيرة، فقد كنا نلاحظه يعمل على تعليم الأطفال حسن الخلق ويُدخِلَ البسمة والسـرور عليهم.
وهذه حكاية، قد تبين لنا نهجه وطريقته في التربية والتهذيب. ففي أحد الأيام, سَمعَ أحد أولاد الحيِّ يقول كلمة نابية لشاب آخر في الشارع. عندها, ذهب الملا (رحمه الله) إلى بيته, وأحضـرَ كأساً من الماء النظيف. وطلبَ من هذا الشاب اليافع أن يُخرَج لسانه وقام بغسله. وقال له, يا بُنيَّ، الآن وقد غسلنا لسانك من تلك الكلماتِ وأصبح نظيفاً. فلا تعُد إلى مثل هذا الكلام! وهنا, ابتسم الطفلُ بعد أن استوعب الرسالة.
والأن, وقد أصبح هذا الشاب اليافع في سن الشخيوخة. يقول الرجل: (ولقد صدقت في حينها, بأن لساني قد تم تنظيفه وأن علي المحافظة عليه نظيفاً طوال الوقت. وأن هذا المشهد المؤثر والجميل لا يزال حاضراً في ذاكرتي. وقد مضى عليه أكثر من نصف قرن من الزمان). نقل لي هذه القصة سماحة الشيخ محمد بن معن. وقد سمعها من المعني نفسه.
نهاية المطاف:
توفي الحاج الملا عبد الرزاق المؤمن في ٢١/١٠/١٤٠٠هـجري. ودُفن بمقبرة الشعبة. عليه رحمه الله
لا هوامش:
1. لقاء مع الحاج إسماعيل عبدالكريم المؤمن في مكتبه العقاري بشارع بوعظم في المبرز. توفي الحاج إسماعيل في يوم الأحد الموافق السادس عشر من شهر ذوالحجة 1437 هجري. عن عمر يناهز الثانية والثمانون. ودفن بمقبرة الشعبة في المبرز.
الملا عبدالرزاق المؤمن (شاباً)
