أقلام

حكايات من عبق والدي.. حسين النمر{ج١}

رباب حسين النمر

بمجرد أن تجلس إليه، ويتعمق في الحديث تكتشف أنك أمام كنز من المعلومات، وذاكرة دقيقة معجونة بتفاصيل صغيرة، وقدرة فائقة على الوصف واسترجاع مواقف الماضي وكأنك أمام فيلم سينمائي مؤثر أبدع مخرجه في تقديمه والتنسيق بين مختلف المشاهد والمؤثرات البصرية والصوتية، فأنت تقف مندهشاً أمام مخضرم يروي ذكريات طفولته في الأحساء حيث ترعرع والدي (حسين علي النمر) ببيت تراثي غاية في البساطة، واستمتع بمجريات الحياة قبل الحداثة، ثم شهد الطفرة ونقلة الحياة النوعية حين هاجر مع أسرته الصغيرة إلى الدمام، وهناك تفتقت هواياته ومواهبه، وكان من أشهر المستشارين في سوق الذهب،وأوائل المستخدمين للأجهزة الحديثة ولا سيما (الكمبيوتر) في إدارة عمله وتنظيمه على مستوى مجتمع الدمام، والمبرمجين الذين صمموا برامج حاسوبية مفيدة وناجحة في عملية الإدارة، والمحاسبات.
مددت أمامه بساط الحديث لاسترجاع ذكرياته في الأحساء وبقيق والدمام خلال رحلة حرف ماتعة ومليئة بالدهشة وجمال الوصف، والتعريج على مرحلة الدراسة والعمل، وبعض الإنجازات، مستفهمة عن ما علق في ذاكرته من فترة الطفولة وارتباطها ببيوت الطين الأحسائية والفرجان القديمة،
فأجابني:
-حياة الأحساء وفترة الطفولة من أجمل فترات الحياة، حيث كانت جدتي تعيش معنا.
البيت لم يكن بيتاً حديثاً، بل كان بيتاً طينياً بسيطاً جداً، ولم يكن مزوداً بالكهرباء أو الماء.
كان في طرف البيت بئر نستخدمه نحن وجيراننا حيث كان مشتركاً بيننا، وكنا نأخذ منه على قدر الحاجة للتطهير والنظافة والطبخ، وبجانب البئر(عسيلة) وهي خزان صغير مبني من الإسمنت موصل بماسورة كانت تسد بقطعة من القماش، وكان من يريد الاستحمام يزعب من البئر دلو أو دلوين ويملأ هذا الخزان الصغير، ويزيل السدادة عن الماسورة فينهمر الماء على رأسه ويسبح.
كان في البيت مطبخ نسمية (الموقد) وكان موقداً في الواقع، فالجدران سوداء لأن الطبخ يكون على الحطب، حيث تثبت ثلاث (مناصب) كبيرة من الحجر ويوضع فوقها القدر، وبين المناصب يوضع الكَرَب والحطب، ويتم إشعالها للطبخ.

ولذا تكون جدران المطبخ وسقفه سوداء بسبب الأدخنة المتصاعدة من الحطب وقت الطبخ.

وكان في البيت (جِصّة) وهي مخزن التمر، فبعد موسم الصرام تُجمع كمية كبيرة من التمر وتخزن في الجصة التي تحفظ التمر طوال عام كامل، ويكون تحتها (مجباة) وهي حفرة يتجمع فيها الدبس الذي يستخدم عادة للقيمات والحلويات.

وكان لدينا نخل وفيه شركاء يباشرون الزراعة وإحضار التين والرطب والخوخ، ولدينا بالبيت بقرة تعيش بالسمادة. كانت جدتي تتولى القيام بدور تربية البقرة ورعايتها وإطعامها وحلبها، وخض اللبن، واستخلاص الزبدة، وترويب (الروبة) وما إلى ذلك من مهام.
وكانت مهام الطبخ مقسمة بين والدتي رحمها الله وزوجة عمي، مثل كثير من البيوت التي سرى فيها هذا العرف الاجتماعي.
كانت الحياة جميلة جداً بالأحساء على بساطتها. كانت زوجة الشريك تزورنا في البيت فتساعد جدتي ووالدتي في خدمة البيت، فلم تكن هناك خادمات أو عاملات منزل، وكن يكرمنها ببعض العطاءات.
يتبع…….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى