الشيخ اليوسف: التعامل الأخلاقي مع الناس أساس البناء القيمي للمجتمع
بشائر: الدمام
أكد الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة، على أهمية التعامل الأخلاقي مع الناس لأنه أساس البناء القيمي والتربوي والأخلاقي لأي مجتمع ناهض، وأن الاختلاف في قضايا ثقافية أو فكرية أو مذهبية أو دينية ليس مبرراً للتعامل الشائن مع الآخرين.
وأضاف: إن التعامل الحسن مع الناس، والالتزام بأخلاق المعاشرة وآدابها، أمر مطلوب وراجح في نفسه عقلاً وشرعاً، وأما التعامل الشائن والسيء فأمر قبيح في نفسه ومنهي عنه عقلاً وشرعاً.
وأشار إلى الوصية الذهبية المروية عن الإمام الصّادق : «مَعاشِرَ الشِّيعَةِ، كونوا لنا زَيناً ولا تكونوا علَينا شَيناً، قولوا لِلناسِ حُسناً، واحفَظُوا ألسِنَتَكُم، وكُفُّوها عنِ الفُضولِ وقَبيحِ القَولِ».
ودعا إلى ضرورة الالتزام العملي بهذه الوصية المهمة للإمام الصادق وذلك من خلال أن تنعكس أخلاقيات الإسلام وسيرة أهل البيت الأخلاقية على سلوكيات الإنسان المؤمن وتعامله مع الناس؛ بحيث يكون زيناً في تدينه، وزيناً في أخلاقه، وزيناً في تعامله، وزيناً في سلوكه، وزيناً في كلامه، وزيناً في أدبه.
وأوضح أن معنى الشين في اللغة: هو العَيْبُ والقُبْحُ، فكل قول أو فعل معيب أو قبيح فهو شين ، بخلاف الزين الذي هو كل شيء حسن أو جميل.
وبيّن أن من مصاديق الشين: هو عدم الورع عن محارم الله، التعامل السيئ مع الآخرين، سوء الأخلاق، عدم أداء الأمانة، الكذب في القول والفعل، خلف الوعد، عدم أداء الحقوق لأصحابها، الغش والتدليس والاحتيال، السلوكيات الخاطئة في مناسبات أفراح أهل البيت كممارسة التفحيط وإغلاق الشوارع وإزعاج المارة، عدم التزام المرأة المؤمنة بالحجاب الشرعي … وغيرها من مصاديق الشين، ومثل هذه السلوكيات الشاذة والأخلاق السيئة تنعكس سلباً على النظرة لأتباع مدرسة أهل البيت الأطهار، وهو ما يؤلم قلب الإمام .
وقال: إن الإمام الصادق دعا إلى تحبيب الناس إلى أهل البيت بحسن الأخلاق وجميل الأفعال، فلا شيء كالأخلاق الحسنة تجذب النفوس وتؤثر في القلوب؛ فقد روي عنه أنه قال: «كونوا لَنا زَيناً ولا تَكونوا عَلَينا شَيناً، حِبِّبونا إلَى الناس ولا تُبَغِّضونا إلَيهِم، جُرّوا إلَينا كُلَّ مَوَدَّةٍ وَادفَعوا عَنّا كُلَّ قَبيحٍ، فَما قيلَ فينا مِن خَيرٍ فَنَحنُ أهلُهُ، وما قيلَ فينا مِن شَرٍّ فَوَاللَّهِ ما نَحنُ كَذلِكَ».
وتابع: إن أفضل وسيلة لتحبيب الناس إلى أهل البيت عليهم السلام وجذبهم إلى الاقتداء بهم هو التحلي بالأخلاق الفاضلة، والتعامل الحسن مع الآخرين، والإحسان إليهم؛ فالناس تتأثر بما تراه من أفعال أكثر مما تتأثر بالكلام، ولذا روي عنه أنه قال: «كونوا دُعاةً لِلنّاسِ بِغَيرِ ألسِنَتِكُم، لِيَرَوا مِنكُمُ الوَرَعَ وَالاجتِهادَ وَالصَّلاةَ وَالخَيرَ، فَإِنَّ ذلِكَ داعِيَةٌ».
ثم تطرق الشيخ اليوسف إلى الوصية الثانية من وصايا الإمام الصادق وهو: القول الحسن للناس، كما روي عنه: «قولوا لِلناسِ حُسناً»، في إشارة منه إلى قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾، وقد روي عنه في بيان معناها، قوله : «اتَّقُوا اللَّهَ، ولا تَحمِلُوا النّاسَ على أكتافِكُم، إنَّ اللَّهَ يَقولُ في كتابِهِ: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ ». وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسيره لنفس الآية المباركة: «قولوا للناسِ أحسَنَ ما تُحِبُّونَ أن يُقالَ فيكُم».
وقال: من مصاديق القول الحسن: الكلام بلباقة، استخدام الألفاظ الجميلة، مراعاة مشاعر الآخرين واحترامهم، وأما من يطعن في من يختلف معهم، ويلقي القول على عواهنه بلا ضوابط وبدون منطق، ويتلفظ بألفاظ جارحة؛ فضرره جسيم، وخطره عظيم.
ثم تحدث عن الوصية الثالثة من وصايا الإمام الصادق وهي: حفظ اللسان عن الكلام بالباطل، والكلام البذيء، وكلام اللغو واللهو، وكلام الفحش والفاحش.
وأوضح أنه قد يأتي حفظ اللسان بمعنى الصمت في مقابل الكلام، لأن فيه السلامة والنجاة، لما روي عن رسول اللَّهِ أنه قال: «سَلامَةُ الإنسانِ في حِفظِ اللِّسانِ» ، وروي عن الإمام الصّادق «أنه قال: «نَجاةُ المؤمنِ في حِفظِ لِسانِهِ».
وتابع: أما من يكثر من الكلام والثرثرة، ولا يحفظ لسانه فإنه قد يوقع نفسه في مشاكل عويصة، فربّ كلمة سلبت نعمة وجلبت نقمة، وقد روي عن أمير المؤمنين أنه قال: «كَم مِن إنسانٍ أهلَكَهُ لِسانٌ!» ، وعنه قال: «رُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَت نِعمَةً، فاخزُنْ لِسانَكَ كَما تَخزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ».
وشدد على أن للكلام آفات، وللصمت حسنات، فإذا كان المرء صامتاً يكتب محسناً، وأما إذا تكلم يكتب محسناً إذا أحسن كلامه، ويكتب مسيئاً إذا أساء كلامه، ولذا روي عن الإمام الصّادق أنه قال: «لا يَزالُ العَبدُ المؤمنُ يُكتَبُ مُحسِناً ما دامَ ساكِتاً، فإذا تَكَلَّمَ كُتِبَ مُحسِناً أو مُسِيئاً».
ولفت إلى أن من آفات اللسان: الفضول، وهو الكلام الزائد الذي لا فائدة فيه، والكلام فيما لا يعنيه، وقد أوصى الإمام الصادق بالكف عن كلام الفضول، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وقد ورد عنه أنه قال: «مَن عَلِمَ مَوضِعَ كلامِهِ مِن عَمَلِهِ قَلَّ كلامُهُ فيما لا يَعنيهِ».
وأوضح أن العالم لا يتكلم إلا بما فيه فائدة علمية أو عملية للناس، ولا يتكلم بفضول الكلام، لما روي عن الإمام الصادق أنه قال: «العالِمُ لا يَتَكلَّمُ بالفُضولِ».
وختم الإمام الصادق وصاياه في هذا النص المتقدم في أول الكلام بالدعوة إلى الكف عن قبيح القول، وهو ما يعني تجنب الكلام الجارح والبذيء، والتحلي بعفة اللسان، والتزين بطيب الكلام وأحسنه.
وبيّن الشيخ اليوسف أن من مصاديق قبح القول: القول البذيء، القول الفاحش، القول الباطل، قول الزور، السب والشتم، وقد ورد النهي عن ذلك في روايات متكاثرة، فقد روي عن رسول اللَّهِ أنه قال: «إيّاكُم والفُحشَ؛ فإنّ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ لا يُحِبُّ الفاحِشَ المُتَفَحِّشَ»، وعنه قال: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الحَيِيَّ المُتَعَفِّفَ، ويُبغِضُ البَذِيَّ السائلَ المُلحِفَ».
وأشار إلى أن السب والشتم يؤدي إلى خلق العداوات والخصومات والأحقاد بين الناس، لما روي عن رسول اللَّهِ أنه قال: «لا تَسُبُّوا الناسَ فَتَكتَسِبُوا العَداوةَ بَينَهُم».
ودعا الشيخ اليوسف في نهاية خطبته إلى الالتزام الفعلي بهذه الوصايا الذهبية الخمس التي أوصى بها الإمام الصادق في هذا الحديث الشريف، والتي أوضح فيها ما ينبغي للمؤمنين الالتزام به في تعاملهم مع الآخرين من أخلاق حسنة وأقوال عذبة وأفعال جميلة، حتى يكونوا زيناً لأهل البيت بحيث يحببوا الناس إليهم، كي يقتدوا بهم، ويسيروا على نهجهم، ويتأثروا بسيرتهم المباركة.