الإمام الرضا (ع) .. النهضة العلمية وبناء المجتمع
الشيخ صالح آل إبراهيم
وقفة في الفكر والاجتماع (١٩)
حينما عصفت بالمجتمع الإسلامي رياح الانفتاح غير المنضبط، وتعدد الفرق و التيارات الدينية و الفكرية المنحرفة في أيام الخلافة العباسية انبرى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) لمجابهتها وتحصين الأمة من آثارها السلبية، فأحدث نهضة علمية عظيمة، وحراكًا فكريًا كبيرًا أثرى به المجتمع الإسلامي والإنساني .
تجلى ذلك في تصديه للفرق والأفكار المنحرفة و بيان فسادها، و تربيته للكفاءات العلمية المتميزة، التي انتشرت في مختلف البلدان للقيام بدورها، والنهوض بمسؤولياتها الدينية والعلمية تحت شعار ” إذا ظهرت البدع فعلى العالِم أن يظهر علمه”، كما ساهم الحضور العلمي الكثيف للإمام (ع) عبر مناظراته واحتجاجاته مع كبار علماء الأديان والمذاهب وأصحاب المقالات في رد الشبهات، و نشر علوم الإسلام، ومعارف أهل البيت (ع) الحقة، وقد خلَّف عليه السلام في ذلك تراثًا ضخمًا من المناظرات التي تعد مرتكزًا توحيديًّا، وعقائديًّا، وعلميًّا مهمًّا، حري بنا أن نقرأها ونتأملها، ففيها درأ لكثير من الشبهات المعاصرة .
وقد جمع جملة منها الشيخ محمد بن بابويه في كتابه – عيون أخبار الرضا – ، وكذلك الشيخ الطبرسي قي كتابه – الاحتجاج .
وبذلك يكون الإمام (ع) قد رسم لنا رؤية واضحة في كيفية مجابهة الانفتاح غير المنضبط وانتشار التيارات الدينية والفكرية الباطلة، عبر بناء الذات و الكفاءات العلمية القادرة و المتصدية، مضافًا للعمل الجاد في نشر علوم الاسلام، ومعارف وعقائد أهل البيت (ع) الحقة، عبر الماكنة الإعلامية، والمنابر والأقلام، واستخدام المناظرة والمحاورة والاحتجاج وسيلة لأقناع الآخرين، بعيدًا عن الطرق الهابطة من السباب والإساءة والنيل من الآخر .
ففي زمن موجات الإلحاد، والتشكيكات العقدية، والتيارات المادية المنحرفة، نحن بحاجة إلى استنطاق واستنهاض المشروع العلمي و الفكري والعقدي للإمام الرضا (ع) .