حكايات من عبق والدي حسين النمر(ج١٠)
رباب حسين النمر
*غالباً ما كنت ملازماً لوالدك أثناء حياته، فتظهران معاً في السوق والمسجد والمكتب، فما هي أبعاد علاقتك بوالدك رحمه الله؟
-ان والدي رحمه الله يستعين بي في أمور حساباته السنوية وحصر حركته التجارية في كل فترة رأس سنة، فأستغرق يوماً أو يومين لعمل قوائم مالية وتقفيل الحسابات وفتح صفحة العام الجديد.
مذ وعيت على الدنيا في الأحساء وفي فترة بقيق وفترة الدمام كان التواصل بيننا قوياً، في فترات عملي معه وفترات عملي مستقلاً. فإذا كانت لديه سلع جيدة يعرض علي شراكات للدخول في بعض الفرص والصفقات، والشيء نفسه يكون من جانبي فأعرض عليه السلع والفرص الجيدة.
كان الوالد رحمة الله أباً وأخاً لذلك كان منفتحاً عليّ كثيراً يخبرني بكل أموره وأخبره بكل أموري، وكنا غالباً ما نتجاذب أطراف الحديث حول الإدارة ورأس المال، وكان والدي رحمه الله منظماً وموفقاً ومحباً لفعل الخير.
وكان نظيف المعاملة. منه تعلمنا الصدق والوفاء والأمانة والتعامل الجدي فلم يكن يتلاعب بحقوق الناس مطلقاً، وهو على الطراز الأول في الوفاء، فلم يكن يتأخر عن الوفاء حالما يبيع سلعة أي من الناس، ولا يؤخر أحداً عن موعد الوفاء.
*كيف بدأت علاقتك بالمنبر الحسيني، وإلى أين وصلت؟
وما قصة قصيدة الشريف الرضي كربلا لازلت كربا وبلا؟
لماذا وقع الاختيار عليها؟
وما سر ملازمتك إياها؟
-في زمن الطفولة بالأحساء كان منزل محمد الحمود بوعبد الجليل قريباً من بيتنا، وكثيراً ما كنت أجالسه. وكان عاشقاً لأطوار العزاء الحسيني والقراءة والأذان. فاستعذبت أطوار القراءة لما كنت أستمع إليه.
وكان يجري بيننا ما يشبه المباراة فهو يأتي بطور وأنا بطور آخر وهكذا.
وعندما انتقلنا إلى بورشيد كانت تقام القراءة الحسينية ببيت العم حسن باستمرار منذ أيام الشعيبة، حيث أن بيت عمي حسن كان معلقاً بالدور الأول، فاستغل فراغات الدور الأرضي في بناء مجالس، وفي هذه المجالس كانت تقام القراءة وموائد البركة.
وفي الوقت الذي كان السيد علي السيد ناصر السلمان يقرأ المقتل وينتهي من قراءته أبدأ بتلاوة قصيدة الشريف الرضي (كربلا لا زلت كرباً وبلا).
كانت المرة الأولى التي قرأت فيها هذه القصيدة عزاء بعد مقتل السيد لم أكن قد هيأت نفسي للقراءة ولم أحضر لها مسبقا، إنما كنت مستمعاً عادياً أجلس بين الجمهور وكان مكان جلوسي بالقرب من المنبر الحسيني، فأخذ السيد علي بيدي وأصعدني إلى المنبر وأعطاني مكبر الصوت والكتاب. وقد فاح السيد الكتاب على القصيدة المذكورة فألقيت القصيدة للمرة الأولى، وكان الأداء جيداً وردة فعل الجمهور حماسية، وكانت القصيدة مؤثرة ومناسبة لحرارة المقتل الذي عادة ما يكون الجمهور في حالة تأثر لسماعه في تلك اللحظات.
واستمرت قراءتي لتلك القصيدة منذ ذلك الحين لأعوام طويلة، كل عام أكرر القصيدة ذاتها. وقد أشار علي البعض بتغييرها، ولكنني تآلفت مع هذه القصيدة الراقية وووفقت فيها ولم أشأ استبدالها بسواها.
حين كان العم حسن هو الذي يدير المجلس كان هو والسيد علي يصرّان علي بالاستمرار على قراءة القصيدة، والآن خلال الأعوام الأخيرة تغيرت إدارة المجلس الحسيني وقد توقفت عن تقديم القصيدة تقريباً منذ بداية قراءة الشيخ إسماعيل المشاجرة، وأيضاً توقف السيد علي عن قراءة المقتل واستلم القراءة خلفاً عنه الشيخ إسماعيل ويُقرأ بعدها العزاء.
وكثير من الجمهوى يشير إليّ ويطلب مني قراءة القصيدة والاستمرار، ولكنني أحترم سياسة التغيير التي تراها إدارة المأتم الجديدة. والتغيير سنة من سنن الحياة.
*ماسر بدايتك مع المايكرفون؟
– قديماً أيام قراءة بيت حسين ولد حسن ببورشيد كان يحضر خطباء مثل الشيخ عبد الحميد الهلال والشيخ حسين الشامي، وفي ذلك الوقت كنت أشارك بقراءة العزاء أحياناً وأقرأ عدة قصائد.
من العناوين التي كنت أتعامل معها (حملة الأكبر حينما كبر)
والحمد لله كان لدي موهبة في الطور والبحر والأداء المؤثر أيام الشباب، وفي القراءات لمدة طويلة بيت العم حسن وفي مآتم أخرى.
ولكن لم تكن مشاركاتي رسمية أو ضمن كادر.
ومع تقدم الزمن انتقلت المشاركات إلى قراءة تعقيبات الصلوات وبعض الأدعية.
شكرا للتفاصيل السردية المتخمة بالجمال ودفء الذكريات، استمتعنا بكل فقراته ووقفاته، شكرا لوقتكم الثمين. وفقكم الله تعالى وزادكم من فيوضاته