سلسلة كلمات السيد علي الناصر السلمان في الحج ١
بشائر: الدمام
شرائط قبول الحج
سلسلة تنشرها صحيفة بشائر الإلكترونية لكلمات العلامة السيد علي الناصر السلمان.
روی الكليني في الكافي عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أنه قال: “ما يعبأ بمن سلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحبة لمن صحبه”.
المقصود بالطريق طريق حج بیت الله سبحانه، فإن هذه الحجة لا يمكن أن يتوفر للإنسان عطاؤها وتنتهي إليه بركتها بل لا يعبأ به ولا يكون محل
العناية والاعتبار عندما يريد الله سبحانه من خلال هذا العمل ما لم تتوفر في شخصيته وفي جهة تعامله ثلاث خصال:
الأول: ورع يحجزه عن معاصي الله. الورع يشد إلى الله، فتؤدي الواجبات ويتجنّب المحرمات، ومن ليس له الورع لا يستثمر الثمرة المرجوة من الحج ومن هذه الهجرة. عندما تكون نفسه لصيقة بالأرض والتراب وينقاد إلى الشهوات، فلا يملك ورع يحجزه عن المعاصي، بل هو بين حين وحين يتورط بالمعاصي، لم يكن من الناس الذين لهم حظ في الانتفاع بحجهم لتحقق الهجرة المناسبة في جوانبها الثلاثة: الجانب الفكري والجانب
الروحي والجانب العقلي والأخلاقي.
الهجرة الفكرية عن الأوهام التي كان يتعایش معها، والتي ورثها حيث نتجت من ممارسات الأوضاع التي ربما تكون بعيدة عن الله سبحانه، هذه الأوهام وطموحاته الدنيوية في مشاريعه المادية وفي مشاريعه الشهوانية ومشاريعه من جهة التسلط والرئاسة والزعامة، هذه الأشياء تعمر عقله ويعيش فيها ربها الساعات الطوال، يسهر الليل كله ليدير أمر شيء، يدير هذه الأمور التي هو مفارقها وتاركها لغيره، كالأموال وغير ذلك، الإنسان ينبغي أن يكون ذا علاقة تامّة بأمر التوحيد، وعلاقة راقية في جهة الإيمان، ولا يمكن أن يترقي الإنسان في جهة الإيمان إلا بالعمل الصالح.
الإيمان ملكة تعمر قلب الإنسان، مثل أية صناعة وأية معرفة، فالصناعي، أي صناعي يصير كذلك بالمارسة والمثابرة في تطبيق المعلومات من أساتذته في العمل، والفقيه هكذا، والنجار هكذا، وغيرهم. فالملكة تحصل بالمارسة، الإيمان أيضا عملية تطبيق متكاملة يستمر عليها الإنسان في حياته فيترقي في إيمانه. الإنسان يؤمن بوحدانية الله تعالی ويؤمن بأن له السلطان الأكبر ومنه الفيض في عالم التكوين، ومنه العطاء في عالم التشريع، وأنه يجب على الإنسان أن يتعبد إليه ويخضع له ويطيعه، هذه الأفكار إذا صبها الإنسان في جهة عمله ومارسها بشكل عميق لا يمكن أن يكون لها أثر في سلوکه، ومن ثم لا يكون له درجة متكاملة في الإيمان عن طريق فهم الفلسفات وحكمة التشريع بل لا بد من الم ارسة والعمل والخضوع والطاعة، فبهذا ترتفع درجة الإيمان وتصبح طبيعة في حياته، فلا ينساق إلى دعوة الشيطان، وإنها يصب طموحاته وشهواته كلها في جهة الله التي استفادها تعالى حينئذ، حتى أفكار الإنسان تستقيم وأطروحاته في الحياة تحددها على أساس إيانه ومشاريع يحدها على أساس رضا الله تعالى. ومن هنا تستقيم الأفكار وت تحق ق ل لإنسان هجرة متكاملة.
وللحج دوره في هذا الجانب من خلال الممارسة والعمل وتطوير الإنسان حتى في أفكاره، فقد كانت عنده مشاريع الخالدين الذين لا يجدون الموت قريبًا منهم، لذلك كان يصبها في جانب لا يستثمرها لنفسه إلا نادرا بل ربما لا يستثمرها إلا لغيره، فإذا تحققت منه هذه الهجرة الفكرية وتنورت تطلّعاته وأفكاره، عمر فكره و عقله بالأفكار التي تلتقي بالتوحيد وهدي آل محمد عليهم السلام، والإنسان لا يصل إلى هذه النقطة إلا بمقدمات، إحداها أن يكون له ورع يحجزه عن محارم الله تعالى، وإذا لم يكن للإنسان هذه الدرجة من الإيمان لا يمكن أن يستقيم مع قضاياه التي ترتبط بالحج، ولا يستطيع أن يتعایش مع واقع طوافه حول البيت ولا يستطيع أن يتفاعل مع وقوفه في عرفات وفي المشعر الحرام ولا يستطيع أن يكون له دور مؤثر في نفسه في
تلك المواقف والزحام ورمي الجمرات وغيرها من الأمور.
إذا الذي لا يكون عنده ورع يحجزه عن معاصى الله لا يعبا به وإن كان متَّجهًا إلى هذا الطريق.
الثاني: أن يكون له حلم يملك به غضبه، الإنسان بطبعه حسي، وبطبعه قريب من شهواته أكثر من قربه من قيمه ومثله العليا، وهو يواجه
في رحلته هذه صعوبات، بالأمس كان يواجه صعوبات من خلال قطع تلك المسافات على أقتاب الإبل، واليوم يواجه صعوبات من خلال الزحام
الطويل والعريض حول الكعبة، وفي السعي وهو يدخل أيضا المسجد الفئة ويخرج منه فإن هناك مز احمات عديدة، وربا يكون له مزاحمات مع
هو يعايشها في رحلته فیيكون هنا القابلية للتهيّج ولأن يغضب، هنا، لا شك إذا كان الإنسان سريع الغضب فهو لا ينتفع في الحقيقة، كما يستفاد هذه الرواية في طریق حجه. هنا لا يعبأ به، يتورَط مثلا، في مزاحمة في طوافه فإذ حمل دفع الناس له على العمد وهاج وغضب وانفعل في حالة هذه العبادة فيا هي الثمرة والعطاء الذي يكتسبه منها، فالذي يهاجر إلى الله تعالى لا بد أن يحمل الناس في فعلهم على الصحة، وكما لك حقوق على الآخرين هم أيضًا لهم حقوق، فلا بُد أن تتحلّى بالحلم ضبط النفس عا يقود إلى الانفعال ولا يتجاوز الحدود في الغضب لكي يستفيد من حركة الحج، وهذه الهجرة إلى ال له تعالى.
الثالث: حسن الصحبة لمن صحبه، الحج لا يؤدیه الإنسان وحده إلا نادرا، بل حتى لو سافر وحده لا يؤديه في المشاعر بمفرده، بل يصاحب آخرين يلتقي معهم في المسجد، وفي المشاعر، ففي حركة الإنسان السفرية لا بد من الأصحاب، ولا بُد أن يحسن صحبتهم بحسن الخلق و وضوح
البشر والابتسام في وجوههم يحمل همومهم، ويقوم بخدمتهم، ويتنافس معهم في عمل الخير، مثل هذا الإنسان يكون له حظ عظيم من هذه الهجرة، أما الذي يكون سيء الخلق الذي لا يرى اعتبارًا للآخرين هو أيضا لا يعبأ به.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم حظا عظيما يقودنا إلى الله سبحانه وأداء هذا العمل العظيم ويجعلنا ممن يتحلى بالورع الذي يحجزنا عن المعصية ونلتزم بالحمد الذي يصدّنا عن الغضب ويؤدي حقّ إخوان نا من حسن الأخلاق،أسأل الله لي ولكم المغفرة، إنه على كل شيء قدير.
من كلام للسيد علي الناصر السلمان في حملة الشعائر. المصدر: كتاب مشاهدات من الحج عام ١٤٢٨ هـ لنجله السيد هاشم السلمان (ص ٥٩ – ٦٢).