كلوا.. لا تنتظروني
الشيخ مرتضى الباشا
في العديد من البيوت، وبعد أن تتعب الأمّ في طبخ وإعداد وجبة الطعام، والأولاد والبنات مشغولون على أجهزتهم الذكية، تقوم الأمّ بترتيب السفرة، تنادي الأم عيالها، ويأتي العيال ويجلسون على المائدة، في هذا الوقت ما زالت الأمّ مشغولة ببعض الأمور في المطبخ، ويأتي صوتها كالعادة (كلوا.. لا تنتظروني) يحدوها رحمتها وشفقتها على عيالها، ليسكنوا ألم الجوع في بطونهم، بلا تأخير.
وفي كثير من العائلات، يبادر العيال بالأكل ولا ينتظرون أمهم لتجلس معهم على المائدة، رغم أنها هي التي تعتب في إعداد الطعام.
والأمّ لا تعلم بأنّه هذه الجملة (لا تنتظروني) وهذا الفعل الذي ربّت عليه عيالها، سيعود عليها بنتائج عكسية في كبرها، فلن ينتظرها عيالها في أي أمر أو قضية.
سيصبح سلوك (عدم انتظار الأم) متجذرًا في سلوك وعقول العيال، بحيث يرونه هو الحق الافتراضي لهم على أمهم. ليصبح: يجب على الأم أن تتعب وتطبخ، وترتب السفرة، ويجب عليها أن تنظف الصحون أيضًا، ومن حقوق العيال أن يتدللوا، ويأكلوا ويشربوا مرتاحين، وربما يتذمرون بسبب تأخر الطعام أو تغيّر الطعم.
وهنا أنقل هذه القصة من كتاب (فنون تربوية.. لتربية الأبناء على تحمّل المسؤولية) ص 6:
(تقول إحدى الأمهات:
رزقني الله تعالى بأربع بنات، كنت أتمنى أن يكنّ طبيبات أو مدرسات أو عالمات يخدمـن أوطانهـن، ومـن أجـل ذلـك فرّغتهـن تمامًا للمذاكرة، فدخـول المطبخ ونزول السوق وإعداد الشاي كان من نصيبي أنا.
فمن تريـد طعامًا تنـادي يـا ماما، ومـن أرادت مشروبًـا تهتـف يـا ماما، ومن تريد تنظيـف غرفتها تنادي على ماما، حتى في أيام الإجازة كنت أتركهن ليسترحن مـن عنـاء المذاكرة وتستعدّ كل منهـن للعـام الجديد، كنت سعيدة بذلك لفترة مـن الزمـن، إلى أن استيقظت فجـأة عـلى كـابـوس مزعج، فقـد كبرت سـني وضعـف جسمي، وبنـاتي لا يرحمـن ضعفـي.
اكتشـفـت أنني ربيت أربع مشاكل، أترجاهن حتى يصنعن أبسط الأشياء المنزلية، ووصـل الأمـر لدرجة أننـي أرجـو منهـن واحـدة تلـو الأخـرى أن يصنعـن لي كوبًا مـن الشـاي فيرفضـن ولا تستجيب إحداهن إلا بعـد طـول رجـاء، وهكذا أسميت كـوب الشـاي الذي أطلبـه منهن بـ (كـوب الـذل)، نـعـم كـوب الـذل لأننـي أتذلـل لـهـن كثيرا حتـى تتكـرّم إحداهـن وتصنعه لي) انتهت.
من ينتظرك وهو صغير، سينتظرك وأنت كبير.
من يتعاون معك ويساعدك وهو صغير، سيتعاون معك ويساعدك عندما يكبر.