أقلام

فليرحل معنا

جاسم المشرَّف

خطب سيد الشهداء صلوات الله عليه:”الحَمدُ للهِ، ومَا شاءَ الله، ولا قُوَّة إلاَّ بالله، خُطَّ المَوتُ على وِلدِ آدم مخطَّةَ القِلادَة على جِيدِ الفَتاة، وما أولَهَني إلى أسْلافي اشتياقَ يَعقُوبَ إلى يوسف، وخير لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تُقطِّعُها عسلان الفلوات بين النَّواوِيسِ وكَربلاء، فيملأن أكراشاً جوفا، وأجربة سغباً.
لا مَحيصَ عن يوم خُطَّ بالقلم، رِضا الله رِضَانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفِّينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لَحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرُّ بهم عَينه، وينجزُ بهمْ وَعدَه.
من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله” [مقتل الإمام الحسين للسيّد ابن طاووس: 23].

“من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا..”
هل ما زال عرض سيد الشهداء قائما؟ أم انتهى بانتهاء أوانه الذي قيل فيه؟
وإن ما زال قائما كيف نرحل معهم، وقد رحلوا واستشهدوا؟
وهذا يقود لمعنى المعية
المقصودة هنا”فليرحل معنا”، وقبل هذا ما المقصود بالرحيل؟ إلى أين؟
هل الانتقال مكاني فحسب أم له معنى أعمق وأوثق؟
المعية إما أن تكون زمانية، أو مكانية، أو معنوية.
والمعية الزمانية والمكانية متعذرة علينا هنا، وحظي بها تلك الثقة الخيرة من أهل بيته وأصحابه، بعد أن كانوا يعيشون المعية المعنوية، وإلا ما أكثر هؤلاء الذين عاصروا سيد الشهداء عليه السلام وخذلوه!.
والمعية المعنوية لا تنحصر في حدود الزمان والمكان، وعليها معول واعتماد وإلا ما معنى قولنا:”يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما”، نفترض في هذه الأمنية إرادة ومنهج.

يرحل من متعلقات الدنيا إلى الانصهار في ذات الله والاستغراق في إرادة الله حيث تندك كل الشهوات والرغبات والتطلعات فيما أراد الله لا ما أرادت النفس، وفيما يرضي الله لا ما يرضي النفس،
أن ترخص بكل ما خولك ربك وما تحت يدك وولايتك لله بنفس راضية مطمئنة صابرة محتسبة.
ولا يوفق لهذه المعية المعنوية الممتدة بامتداد خلود نهضة الحسين عليه السلام إلا مَن عرف مقام الحسين ومكانته؛ لذا قال: “من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله”

أن تبذل روحك التي بين جنبيك فداء لآل محمد هذا يعني أنك ترى أن وجودهم أهم من وجودك، وأن رؤيتك في الحياة قائمة على رفع راية ربك، والتضحية في سبيل إعلاء كلمته وشريعته تحت راية ولي أمرك الذي فرض الله طاعته، وهذا يعني بالضرورة اعتقادك بألا خيار لك أمام اختيار إمامك وقائدك.
وهذا الاعتقاد لا يكفي ما لم يقرن بالعمل الذي يجعل من صاحبه شخصية رسالية متهيأة للتضحية في سبيل الله في أي وقت، وهي بذلك مستعدة للقاء الله بأداء ما افترض عليها من طاعات، وقد أبرأت ذمتها من حقوق الخلق.

مهما تباعد العهد بينك وبين أنصار الحسين فأنت أقرب الناس إليهم وأكثرهم لصوقا بهم، وأنساً بسيرتهم المضيئة، وكمالاتهم إذا ما تمثلت حياتهم وصفاتهم، وأنت معهم في رحلة السير إلى الله، وما أقرب الملتقى”وأنَّ الراحل إليك قريب المسافة”، والسلام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى