أيها الفضلاء رفقاً بقلوب العاشقين
السيد عبدالله السيد هاشم العلي
مرت علينا ذكرى عاشوراء الحسين عليه السلام هذا العام كما في العوام السابقة حاملة معها الكثير من الاطروحات الفكرية والثقافية والتاريخية التي لا تخلو في الغالب عن اختلافات وتصادمات بين الملقي والمتلقي من جهة، وبين الملقين أنفسهم من جهة أخرى مما سبب حالة من الارباك في الساحة.
ومما لا شك فيه بأن الأمم الحيّة هي التي تملك الجرأة على نقد تاريخها وتجاوز أخطائه، إذ إن التشبث بإرث الأجيال السابقة والعجز عن تمحيصه يدخل الأمم في حالة صنمية، وهو ما يعني انطفاء الروح وجمود العقل، والنظر بريبة إلى عملية نقد التاريخ يحدث خلط بين التاريخ البشري والدين الإلهي، فيظن كثير من الناس أن نقد أشخاص التاريخ وأحداثه استهداف لثوابت الدين.
ومن الطبيعي أن يختلف أفراد المجتمع في تقبلهم لفكرة النقد لأن الطبيعة البشرية لا تتقبله بشكل عام، إلا أن قبول النقد أو رفضه يتوقف بشكل عام على الطريقة التي يتبعها الناقد في توجيه نقده، ونجاحه في الإقناع بصحة كلامه، فكلما كانت ألفاظ الناقد وكلماته مؤدبة وموضوعية سهل تقبل النقد من دون انفعال وغضب، وكلما ابتعد الناقد عن المساس بالكرامة أو الانتقاص منها تم التفاعل مع النقد بشكل ايجابي.
كذلك لا بد من اختيار الوقت المناسب الذي يمكن للناقد طرح نقده وتقبله من الآخرين، حيث أن حسن اختيار الوقت هو عامل مهم لتقبل النقد، فعلى سبيل المثال الانسان الذي يعيش تفاصيل فاجعة عاشوراء بكل كيانه، ومحاط بثورة عاطفية ووجدانية ملتهبة لا يتقبل أي شيء حتى إن كان النقد لمساعدته، مع أن النقد قد يضيف معلومة تجعله يتوقف للبحث في داخله عن أسباب هذا النقد ومدى صدقه.
إذن لا بد أولا من فهم شخصية الطرف الآخر أولاً، ومحاولة إقناعه من خلال منهجية خاصة في الحوار بأهمية النقد وتقبله، ولا بد أن نعرف كيف نستخدم الكلمات التي نعلم أن الطرف الآخر يتقبلها، وهذا يعتمد على اختيار التوقيت المناسب، فاختيار التوقيت المناسب هو في الحقيقة علم، لأن مشاعر ومزاج الانسان وحالته الشعورية تختلف بحسب اختلاف الوقت.
وهذا لا يلغي ضرورة العمل بحكمة وروية في سبيل تغيير المفاهيم التي تسللت إلى الرأي العام، وهي مسؤولية الحوزات العلمية في أن تبذل الجهد في تحقيق وتنقية النص العاشورائي، ومن وظيفة كل الرساليين أن يدعموا ويشجعوا كل المحاولات التحقيقية الرامية إلى إيصال الصورة الحقيقية عن مجريات عاشوراء وما تلاها وما سبقها.
إن رفع الحس النقدي العام لدى المتلقي ليس أمراً سلبياً فهو يضبط الخطاب، والخطيب ليس فوق النقد، فالنقد عندما يجري على أصوله فإنه يغربل الأفكار ويخدم الحقيقة، ولذا كلما رفعت مستوى الوعي العام للأمة كلما ساهمت في ضبط الخطاب ووصلت إلى الحقيقة، وهناك الكثير من أصحاب العقول الواعية الذين لو ارتفع حسهم النقدي لساهم في محاصرة الخطاب التساهلي الذي يريد تحويل الإمام الحسين عليه السلام إلى مجرد خرافة، لكن المهم هو أن نحسن طريقة الإضاءة وطريقة النقد، فلا بدّ أن يعتمد الناقد أسلوباً حكيماً وغير مستفز للآخر.
لذا اتمنى من الفضلاء الذين يحملون همَّ تصحيح المسار فيما يتعلق بفاجعة عاشوراء أن يطرحوا قراءتهم للنص العاشورائي عبر مراكز بحثية وأن يختاروا التوقيت المناسب الذي يكون المتلقي لديه استعداد لقبول قراءتهم وبطبيعة الحالة هذا التوقيت لا يكون في عاشوراء الحسين.