جريمة الإبادة الجماعية
أمير بوخمسين
عرفت البشرية على مر التاريخ جرائم أسفرت عن مآسي ودمار من العسير تداركها، ولقد سعى المجتمع الدولي على تعاقب العصور إلى البحث عن الطرق والأساليب الأكثر نجاعة من أجل التخفيف من حدتها. من هذه الجرائم جريمة الإبادة الجماعية التي صدر بحقها قرار من الأمم المتحدة رقم 96، الصادر بتاريخ 11 ديسمبر عام 1946م جريمة الإبادة الجماعية بأنها ” إنكار حق الوجود لجماعات إنسانية بأكملها ” ثم أتت اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، الصادرة بتاريخ 9 ديسمبر 1948م كي تحدد معنى الجريمة، وذلك في المادة الثانية من هذه الاتفاقية: ” التي تعني بأن الإبادة الجماعية تشمل على الأفعال الآتية: المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عنصرية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه : قتل أعضاء من الجماعة وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة وإخضاعها، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب أطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى”. المحامي البولندي ” ليمكن” يُعَد الرائد في هذا المجال، حيث شكلّت كتاباته واهتمامه بالجريمة حافزاً مهماً أفضى في النهاية إلى تبني الجمعية للأمم المتحدة إصدار مثل هذه الاتفاقية: حيث لخص ” ليمكن ” معنى الإبادة الجماعية فيما يلي: ” إنني أعني بالإبادة الجماعية التدمير المباشر للأمة، إلا عندما تقترن الإبادة الجماعية بالقتل لكل أعضاء الأمة، إن الإبادة الجماعية تستند على خطة متسقة من خلال عدة أعمال مختلفة، تهدف إلى تدمير الأسس الضرورية لحياة جماعة قومية بهدف تدمير هذه الجماعة”. وتهدف الخطة تفصيلاً إلى تفتيت المؤسسات السياسية، والاجتماعية، والثقافية واللغوية، والشعور القومي والديني، والوجود الاقتصادي للجماعات القومية، وأيضاً القضاء على الأمن الشخصي، والحرية والصحة والكرامة، حتى حياة الأفراد المنتمين لمثل هذه الجماعات. وإن الإبادة الجماعية توجه ضد الجماعة القومية ككيان، وأن الأعمال التي تتضمنها هذه الجريمة توجه ضد الأفراد بصفتهم أعضاء للجماعة، وليس بصفتهم الفردية”. كان لجهود ” ليمكن ” الأثر البالغ في أن تتوصل الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إصدار القرار 96 عام 1946م وبالإجماع، وبالرغم من أن الدافع الذي دفع ” ليمكن ” بأن يعمل على إصدار ودفع الأمم المتحدة تبني هذا القرار هو انحيازه لبني جنسه اليهود، فحاد عن الصواب ووقع تحت وطأة العنصرية، التي لم يجد فكاكاً منها، فقد انحاز لليهود كما لوكان اليهود هم الذين قاسوا وعانوا من الممارسات الإبادية في فترة حكم هتلر في ألمانيا فقط. وقد أشار ممثل الادعاء البريطاني في المحكمة العسكرية الدولية لمحاكمة كبار مجرمي الحرب النازيين إلى ” أن الإبادة الجماعية لم تقتصر فقط القضاء على اليهود أو الغجر، ولكن مورست أيضاً بأشكال عديدة في يوغسلافيا ضد السكان غير الألمان في منطقة الألزاس واللورين الفرنسية وسكان هولندا، وأيضاً النرويج”. وفي تاريخنا المعاصر لا زالت المضايقات والأعمال الوحشية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية منذ احتلال فلسطين حتى الآن بحق المجتمع الفلسطيني ومحاولة طمس هويته والقضاء عليه، من خلال الإبادة الجماعية بداية من مذابح دير ياسين وبئر السبع التي قامت بها عصابات الهاغانا الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني عام 1947م إلى وقتنا الحاضر. وما فعله الصرب بإبادة أكثر من 300000 مسلم من البوسنة والهرسك باعتراف الأمم المتحدة في حرب بدأت 17 أبريل 1992، وانتهت 1995 بعد توقيع اتفاقية دايتون. وكذلك ما تمارسه الولايات المتحدة من إبادة مخططة ومدروسة لبعض الدول التي تحتلها بحجة تخليص هذه المجتمعات من وطأة الظلم والاضطهاد ومحاربة الإرهاب وإحلال الديمقراطية. والأمثلة كثيرة على أحداث الإبادة الجماعية سواء عبر التاريخ أو في وقتنا الحاضر.