الحلقة الموجودة.. الشيخ عبد الله البحراني أنموذجاً
لمياء النمر
لا يختلف اثنان ممن يتابع المشهد الديني والثقافي على وجود هوة بين منتسبي هذين المشهدين اصطنعها بعضهما ؛لأن الدين لا يجرم الثقافة بل هي جزء منه ولا الثقافة تجرم الدين فهو أحد أهم مكوناتها.
وما يحدث من صراع بينهما ناشئء من عدم إدراك بعض هؤلاء لهذه الحقيقة الناصعة، وعدم اعترافهم بها وتعاميهم عنها.
ومما يؤسف له حقاً ان الأصوات التي دعت إلى ردم تلك الهوة كانت قليلة بل نادرة؛ مما جعل الأثر ضعيفاً ودون المأمول، ومما زاد الأزمة تفاقما أن بعض المهتمين آثر الصمت؛ خوفاً من الانتقادات والهجوم الذي قد يتعرض له من الطرفين، فافتقدت الحلقة التي تقرب بينهما وتجمعهما ما كان سبب للكثير من أزمات المجتمع بدلا من حمايته من تلك الهجمات التخريبية للدين والفكر والتراث والأعراف والتقاليد، وتحصين المجتمع روحياً وفكرياً ووجدانيا
كل ماسبق لم يثني ما اسميهم ب(الصفوة الواعية) للتصدي لهذا (الفصم) ويشكلوا (الحلقة الموجودة) التي تجمع هذين المكونين المهمين في المجتمع من خلال اطروحاتهم المرئية والمسموعة والمكتوبة
فبارك الله جهودهم.
ومن هؤلاء كما أرى والذي أكن لهم جميعاً كل التقدير والاحترام ( الشيخ عبدالله البحراني) الذي اختار ما قد يظنه البعض طريقاً شاقاً وصعباً، وهو المنبر الحسيني، والذي استطاع بمنهجيته الواعية وطرحه الذكي، وأسلوبه المميز وجرأته البحثيه والنقدية واستنطاق التأريخ من غير محاكمة للشخوص ومهاجمتهم، وبدلاً من الاكتفاء بقراءة التأريخ وتحميله وزر ما مضى وما لحق .جعل بطريقة طرحه ذلك مهمتنا نحن كمستمعين،
من خلال التصنيف والتحقيق والتدقيق؛ لنستفيد من خلال التأريخ ما نصنع به حاضرنا ومسقبلنا؛ لذا ترى المتدين والمثقف يستمعون لطرحه الديني الأكاديمي والذي يفهمه ويستوعبه أغلب الشرائح الاجتماعية.
ومع انشغالي الكبير في الأيام العاشورائية إلا أني لم أفوت فرصة الاستماع له كل ليلة؛ لما يمنحني من استزادة معرفية في أكثر من منحى، ومن إشكالية المفاهيم وتأصيلها والإحالة لمصادرها نتعرف كيف تكون العقيدة كيان النفس؟ وكيف كانت (كوفة) الإمامة غدير حق، ونصا للسماء؟ وكيف شكلت كوفة الطغاة خطاب الكراهية على امتداد العصور.
ومن خلال القراءة في تاريخ الوعي نتوقف في محطات مهمة فلا (تسليع) للدين؛ لأنه يمثل جوهرنا ولا (تسليع) للثقافة؛ لأنها تمثل فكرنا وتاريخنا ولا (تسليع)للإنسانية من خلال تجاوزنا على حق الآخر في العيش، من غير نسيان للأعراف والتقاليد السليمة، ومعرفة الأدوار لكل جنس تجاه نفسه ومع غيره،
وحتى لا نقتل الكمال والجمال، ولكي نرسم هويتنا الإنسانية ونحافظ على قيمنا.
ومما هو جدير بالإشادة والتقدير اهتمام الأستاذ والشيخ عبدالله البحراني بأن تتصدر أدبيات شعرائنا في المنطقة الشرقية مجالسه العاشورائية، كنوع من التقدير لعطائهم وانجازاتهم.