ملاحظات في منهج تعليم حقوق الإنسان
أمير بوخمسين
الجهل بالحقوق وعدم المعرفة ظاهرة منتشرة في مجتمعنا، تبدأ من مرحلة الصغر إلى الكبر، ويشب الطفل وهو لا يعرف حقوقه، ويشيب الرجل بنفس الحال، إلى أن يرحل من هذه الدنيا دون معرفة حقوقه، وكأنما هذه الحقوق تخص كوكب آخر. قد يبدو في أذهان الكثير من الناس بأن الحصول على الحقوق لا يتطلب السعي والبحث لتحصيلها، ناهيك عن الاطلاع عليها ومعرفة ما لهم وما عليهم. هذه الاتكالية تتنافى مع السنن الكونية بأن الله سيدفع عنك أي ظلم تتعرض له دون التحرك من أجل دفع الظلم. الكثير من أفراد المجتمع تهدر حقوقهم وتضيع نتيجة عدم معرفتهم بذلك. وهذا يؤدي إلى حالة الفوضى والجهل وعدم الاستقرار في المجتمع، لذلك في الدول الأخرى وخصوصاَ الأوروبية غالبية المواطنين لديهم محامين خاصين مثل طبيب العائلة، الذي يقوم بدور الاستشاري الطبي للعائلة، كذلك هناك محامٍ للعائلة. ومع التطور الحاصل في بلادنا على مختلف الأصعدة، وسهولة وصول المعلومة لكل شخص أراد أن يحصل عليها، لا يكلفّه الأمر إلا ضغطة زر لوحة المفاتيح لكي يطلع على أي موقع أو معلومة مرتبطة بالأنظمة والقوانين التي يريد الحصول عليها. فالأوضاع تغيّرت وأصبحت المعلومة متاحة لكل فرد من أبناء المجتمع كل حسب اختصاصه. ومن المؤسف حقاً أنه على الرغم من التطورات، فإن برامج الدراسة في كليات الحقوق لا تزال تقليدية، ولم تشهد فيما يتعلق بدراسة القانون الدولي العام أي نوع من أنواع الاستجابة لهذا التطور، فيما عدا جعل تدريس المنظمات الدولية مادة مستقلة وعلى الهامش، بدلاً من الدراسة المتعمقة لها ومعرفة كافة جوانبها. ولأهمية حقوق الإنسان والحاجة القصوى إلى احترامها، اتجهت الأنظار إلى الدعوة إلى تعليمها في مراحل التعليم المختلفة، وإلى البحث في مناهج وطرق تدريسها خاصة في المرحلة الجامعية. وإذا كان من الأهمية بمكان تعليم حقوق الإنسان في المعاهد والمدارس منذ مراحله الأولى حتى الجامعات بمختلف كلياتها. وهنا لدي ملاحظات حول ما يجب أن يسير عليه منهج تعليم حقوق الإنسان:
1- شرح مواد حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية بأسلوب مبسّط: بحيث تكون متاحة يسهل على أفراد المجتمع قراءتها واستيعابها حتى يتم الاستفادة منها.
2- ربط تدريس حقوق الإنسان بالقيم الأصيلة لمجتمعنا: ليس الهدف من تعليم حقوق الإنسان تدريس مقرر يستذكره الطلاب من أجل الامتحان، وإنما الهدف هو تربية الشباب على احترام حقوق الإنسان وحرياته الرئيسة وترسيخ الإيمان بها. فقد جاءت الشريعة الإسلامية بمبادئ عظيمة في هذا المجال، وكان لها فضل السبق في تقريرها، وكفلت لها من الوسائل ما يحقق لها السيادة في المجتمع الإسلامي، ثم جاءت المواثيق وإعلانات الحقوق الوطنية والدولية بعد ذلك بعدة قرون.
3- الاهتمام بالواقع والتطبيق: ينبغي ألا تقتصر الدراسة في مجال تعليم حقوق الإنسان على عرض النظريات على المستوى العلمي الخالص، ومجرد نقل نصوص الإعلانات والمواثيق الدولية المتعلقة بهذه الحقوق. فمما لا شك فيه أن الاهتمام بالواقع والتطبيق يستلزم منهجاً للدراسة لا يقف عند حد النظريات والأسلوب التقليدي القائم على المحاضرات النظرية، أو على بحوث يجريها الباحث على مكتبه، وإنما ينبغي تفعيل الطلاب والباحثين إلى الدراسات الميدانية التي تتناول مشكلات حقوق الإنسان في المجتمع لبيان مدى فاعلية هذه الدراسة، ومثال على ذلك (قضايا التحرش – العنف ضد المرأة – الاعتداء على الأطفال.. وغيرها من القضايا).
4- تجاوز الخلافات الأيديولوجية والتركيز على الحقوق الأساسية: المطلوب في دراسة حقوق الإنسان تجاوز الخلافات العقائدية والسياسية، والتركيز على الحقوق الرئيسة نظراً لضرورة ضمان مستوى معين من كلا النوعين من الحقوق. وفي مجتمعاتنا التركيز على فكرة الحاجات الرئيسة، وهي تمثل الحد الأدنى لاحتياجات البشر المادية والمعنوية، وتشمل الغذاء والملبس والمأوى، والعمل، والخدمات الضرورية في النقل والصحة والتعليم.
5- إنشاء جمعيات وهيئات حقوق الإنسان: إلى جانب تدريس حقوق الإنسان في المقررات الدراسية الموجودة، فإن الحاجة إلى ربط حقوق الإنسان بالمجتمع يدعو إلى إنشاء هيئات وجمعيات مختصة في حقوق الإنسان، وهذا متوافر في بلادنا عبر هيئة حقوق الإنسان – الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، يساعد الطلاب الدراسين للحقوق والقانون الدولي في الجامعات بالتنسيق مع هذه الهيئات من أجل التدريب وممارسة أعمالهم خلال فترة الدراسة مما يعزز ثقافة حقوق الإنسان عند الطلاب. هذه بعض الملاحظات المطلوب أخذها بالاعتبار أثناء صياغة المناهج الخاصة بحقوق الإنسان.