الدكتور حبيب بن ناصر آل مكي
سلمان الحجي
تعرفتُ على أستاذنا الفاضل الدكتور حبيب بن ناصر بن محمد آل مكي أثناء دراستي في جامعة الملك فيصل بكلية العلوم الإدارية تخصص محاسبة عام: 1409هـ، وقد درستُ على يديه بالجامعة المواد التالية: مبادئ الاقتصاد (1)، ومبادئ الاقتصاد (2)، والتخطيط الاقتصادي، فكان من ناحية أسلوبه التعليمي، متميزاً في اختصاصه، واثقاً بنفسه، متمكناً في طرح زاده المعرفي للطلبة بأسلوب علمي بسيط، وكان يربط الجانب العلمي بالواقع الاقتصادي للمجتمع، كما كان يركز في أسئلته على التفكير أكثر من التلقين، وعلى الإيجاز أكثر من الإسهاب، وعلى تنمية ثقافة الطالب الاقتصادية أكثر من حفظها، وعلى العمق أكثر من القشور. إضافة إلى جديته العلمية، يتمتع بأخلاق والتزام وإخلاص في عمله. كما أنه من الأشخاص الذين لا يجاملون على الخطأ، بالمقابل يقدر المعروف ويحب الخير للآخرين، ويشيد بالمبادرات الجميلة، وينصح لله.
في هذه الفترة نمت علاقتي به، وكنتُ كثير التردد على مكتبه، وكثرت معه أسئلتي له، وأصبح بمقام المشرف على دراستي يشجعني، ويوجهني، وينتقدني، ويلومني بشفافية في شأني التعليمي، والشخصي، والأسري. فكان يؤدي دور المعلم الماهر، والأب المخلص والصديق المحب. وأتذكر أنني سألتُه قبل تخرجي من الجامعة بسنة: هل تنصح بأن أتخرج في ثلاث سنوات ونصف السنة؟، أو أبقى كما هو وضع الكثير من الطلبة يتخرجون بعد قضاء دراسة مدتها أربع سنوات، فقال لي: إذا كنت تضمن محافظتك على معدل التميز تخّرج في ثلاث سنوات ونصف السنة فذلك أفضل لك لتنفرد بالفرص الوظيفية المتاحة. وكانت تلك بوابة القبول بالكلية التقنية بالأحساء في 12/10/1412هـ على وظيفة معيد بقسم المحاسبة حيث توجهتُ إلى موقع المؤسسة العامة للتدريب التقني بالرياض، وبمجرد أن اطلّع المسؤول المعني على أوراقي الرسمية، قال لي: نحن بحاجة إليك كمعيد بقسم المحاسبة بالكلية التقنية بالأحساء.
وبعد قبولي في جامعة الملك سعود للحصول على شهادة الماجستير بالمحاسبة عام: 1417هـ كانت الدراسة باللغة الإنجليزية، وكنتُ في حينها أواجه تحديات متعددة من هنا وهناك. وكان ممن استفدتُ منه لرفع المعنويات والتشجيع، والاستشارة العلمية، والتخفيف من التحديات، إضافة إلى أستاذي بالمحاسبة الدكتور علي نبوي (مصري الجنسية، حفظه اللَّه إن كان حيّاً، ورحمه اللَّه إن انتقل إلى رحمة اللَّه)، والمرحوم الدكتور السيد علي… (مصري الجنسية، زميلي بالكلية التقنية بالأحساء).
وفي عام: 1426هـ بمرحلة توليه وظيفة مدير الجامعة العربية المفتوحة فرع الأحساء اقترح عليّ التدريس بالجامعة، واستجبتُ لذلك واستمر ذلك لمدة سنتين للبنين والبنات. وأتذكر موقفاً طريفاً بأول مرة أدخل قاعة بالتدريس بتلك الجامعة، حيث رأيتُ رجلاً كبير السن بهندامه جالساً على الكرسي المخصص لعضو هيئة التدريس، فاعتقدتُ أنه المحاضر بتلك القاعة، فأردتُ أن أغادر تلك القاعة فقلتُ له: من رخصتك يمكن دخلتُ القاعة بالخطأ فناداني قائلاً: لا يا أستاذ أنت المحاضر وأنا الطالب عندك بهذه المادة.
في تلك الفترة توسعت علاقة أستاذنا (آل مكي) بالمرحوم حسن بن موسى القريني، وأخيه عالم التاريخ أستاذنا الدكتور محمد بن موسى القريني (شفاه اللَّه وعافاه)، فقد كان (حسن) من طلابنا بالجامعة، ولهذا كثرت لقاءاته بهما، وتعددت الاستضافات، وقد حضرتُ في معظمها، إن لم أكن منسقها، كما كان يحضرها أستاذنا الدكتور عبد العزيز بن معتوق البحراني، وامتدت تلك اللقاءات حتى بعد وفاة الحاج حسن مع الدكتور محمد القريني.
وفي عام: 1428هـ نشرتُ مقابلة له في كتاب هكذا وجدتهم ص: 473هـ، استفادت منها إحدى الأخوات لتقدمها في بحث علمي يمكّنها من حصولها على شهادة علمية. استمرت علاقتي مع أستاذنا القدير (آل مكي) يجمعها الحب والمودة والتقدير، وكان له الفضل علينا بل كان يشجعنا على الاستمرار في الكتابة بمختلف الزاويا الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتاريخية، و… وتسجيل الفيديوهات (عبر برنامج السناب) المفيدة للمجتمع، فقد كان هو مع الشيخ حسين بن صالح العايش، والشيخ عبد الجليل البن سعد، والشيخ حسين الحليمي، وأستاذي جاسم الرمضان، والمهندس حسين الحرز، والأستاذ شاكر البحراني، وغيرهم أحد الأسباب في الاستمرار في تسجيل الفيديوهات.
ومما ورد بتلك السيرة الذاتية:
الدكتور حبيب بن ناصر آل مكي، من مواليد بلدة الأوجام بالقطيف عام: 1371هـ، أكمل دراسته الابتدائية في الأوجام، ثم درس المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية بالدمام، عمل في مصلحة الطيران المدني زهاء سنتين، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة الملك سعود اختصاص إدارة الأعمال، ثم ابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال الدراسة العليا فحصل على الماجستير من جامعة ولاية أوكلاهوما عام: 1980م في إدارة الأعمال، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ولاية أوكلاهوما في فلسفة علم الاقتصاد عام: 1987 م، وهو دكتور جامعي في قسم الاقتصاد بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك فيصل بالأحساء، وحاليّاً معار للعمل في الجامعة العربية المفتوحة بالأحساء مديراً عاماً لها من: 10/8/2003م، له عدد من الأبحاث العربية والإنجليزية من ضمنها: (الطاقة والتنمية في المملكة العربية السعودية)، و(أثر تغير الإيرادات النفطية على الاقتصاد السعودي)، و(مقدمة لدراسة الطب على الطاقة في الوطن العربي). حضر عدة دورات تدريبية من أبرزها: دورة نظمت من البنك البريطاني للشرق الأوسط، وشركة الحفر العربية، وشركة أرامكو السعودية. كما أنه تولى عدة مسؤوليات إدارية منها: المشرف على المركز الجامعي لخدمة المجتمع بجامعة الملك فيصل من عام: 1416هـ إلى عام 1420هـ، منسق الجامعة مع الغرفة التجارية بالأحساء عام: 1417/ 1418هـ، مستشار غير متفرغ لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، كما شارك عضواً في العديد من اللجان منها: عضو مجلس جامعة الملك فيصل، .عضو مجلس كلية العلوم الإدارية والتخطيط، وعضو مجلس الدراسات العليا بجامعة الملك فيصل، وعضو المجلس العلمي بجامعة الملك فيصل، وعضو مجلس فرع الجامعة العربية المفتوحة بالمملكة العربية السعودية، وعضو لجنة القبول بكلية العلوم الإدارية والتخطيط، وعضو لجنة العلاقات العامة بكلية العلوم الإدارية والتخطيط.
كما شارك في الكثير من المؤتمرات والمعارض المحلية والدولية.
ثم طلبتُ منه أن يرسل لي بعضاً من معلومات نجاحه في حياته، وبصعوبة بالغة أعطاني المختصر جدّاً بعد معاناة.
وكان مما أرسله لنا:
المحطة الأولى:
من مواليد: ١٣٧٢ هـ في إحدى قرى القطيف، من أسرة ترجع أصولها إلى قبائل في اليمن وجنوب المملكة (الناصر)، كما تسكن جذور من تلك الأسرة في أنحاء كثيرة في الجزيرة العربية في الأحساء والبصرة وسوريا.
درستُ القرآن الكريم على يد أحد الفضلاء في الكتاتيب.
قديماً كان وضعنا الاقتصادي لا بأس به حيث يعمل الوالد بمهنة الغوص، ولكن بعد وفاة والدي أصبح الوضع ضعيفاً، وقد توفي وعمري ثلاث سنوات، وعشتُ في كنف أخي وأمي اللذين غمراني بحبهما وعاطفتهما الروحية، وقد كنتُ في صغري أساعد ابن عمي في العمل الحر ودون مقابل، كما حفظتُ القرآن الكريم في ستة شهور، ولما التحقتُ بالدراسة بالمرحلة الابتدائية كنتُ أعمل أثناء العطل في مهنة البناء وبعض الأعمال المرتبطة بالنخيل في المواسم، كما كنتُ من هواة كرة الطائرة.
المحطة الثانية:
ونظراً لعدم وجود مدرسة في السن القانونية التحقتُ بالمدرسة وعمري: ٩ سنوات، أنهيتُ المرحلة الابتدائية في مدرسة الأوجام، والمتوسطة بمتوسطة الخليج بالدمام وعملتُ في أجهزة الدولة، ودرستُ المرحلة الثانوية ليلاً بمدرسة الدمام الثانوية، وبعد الحصول على الشهادة الثانوية، وتجميع مبلغ متواضع من المال التحقتُ بجامعة الملك سعود، حيث لا تصرف مكافآت في السنة الأولى أثناء الدراسة بالجامعة، فانتهجتُ أسلوب الجد والمثابرة الذي أثمر بحصولي على تقديرات عالية، ومراتب شرف أكاديمية متقدمة، أهلتني بعد التخرج لأن أكون معيداً بتلك الجامعة، ومن ثم الابتعاث للولايات المتحدة لإكمال دراساتي العليا الماجستير والدكتوراه، بعد إنهاء دراستي العليا عدتُ للوطن، وبدأتُ مشوار العمل الأكاديمي والإداري، وتقلدتُ العديد من المناصب وشاركتُ في العديد من اللجان والمجالس الجامعية، وكذلك البدء في تأسيس إحدى الجامعات الأهلية بالمنطقة، وما يزال العطاء مستمرّاً حتى الآن، حيث أشارك في العمل بإحدى الجامعات الناشئة خدمة للوطن، والله الموفق والمستعان.
المحطة الثالثة:
التدريس مهنة رائعة بالنسبة لي، كنتُ أسعى للقيام بها على أكمل وجه وتجربتي في التدريس لا مثيل لها سواء في جامعة الملك فيصل أو في جامعة الدمام.
في الجامعة العربية أسلوب تدريس رائع يعتمد على التعليم الذاتي، ولكنه لا يطبق بشكل جيد ولا يدار بشكل صحيح، والعمل الحالي فيه تحدّ كبير حيث المنطقة تحتاج إلى التطوير المستدام.
المحطة الرابعة:
بعد عودتي لجامعة الملك فيصل انتقلتُ إلى جامعة الدمام للعمل بكلية إدارة الأعمال الجديدة، وعملتُ معهم زهاء: ٦ سنوات في تطوير الخطط الدراسية وبرنامج الماجستير والدبلومات، ثم تقاعدتُ لأخذ قسط من الراحة، ولكن الأمر لم يكن كذلك، حيث التحقتُ للعمل بجامعة الحدود الشمالية مستشاراً متفرغاً، ومكثتُ معهم ثلاث سنوات عاملاً في الكثير من الجهات بالجامعة والحمد لله، فقد تم تطوير برنامج الماجستير في إدارة الأعمال لديهم، وأثناء تواجدي عملتُ مع أحد الزملاء على تطوير ثلاثة مشاريع بحثية تطويرية لمنطقة الشمال.
وفي عام: ٢٠١٨م التحقتُ للعمل كعميد لكلية الأعمال بكليات الأصالة بالدمام، التي تمثل مشروعاً أكاديميّاً يمثل نواة لجامعة طموحة، بدأت أمورها في الاستقرار بشكل عام، والعمل جار على تطوير الكلية وبرامجها، وحتى كتابة هذه السطور ما زلتُ أعمل فيها والله الموفق والهادي لما فيه الخير والصلاح (11/8/1440هـ).
أهم التحديات:
أما عن أهم التحديات التي واجهتني تتمثل في صعوبة اتخاذ القرارات التي لها صلة بالناس.
نصيحتي للطلبة:
نصيحتي للطلبة هو أن يواجهوا التحديات بتحديات مضادة، والتحلي بالصبر، وسعة الصدر، والمثابرة على الجد والاجتهاد في التحصيل العلمي.
موقف طريف:
من المواقف الطريفة أن رجلاً كبيراً في السن عمره: 68 زارني في مكتبي بالجامعة المفتوحة، وأخذ يستفسر عن الجامعة والبرامج والدراسة وبعد الانتهاء من النقاش طلب مني تسجيله كطالب بالجامعة.
من تجارب الحياة:
علمتني الحياة ألاّ أتكاسل ولا أفرط في الفرص مهما كان حجمها، وإن أتحلى بالصبر وسعة الصدر والجد والاجتهاد في أي عمل، وإن أتقن العمل بكفاءة، وإن أول الطريق الطويل خطوة تليها خطوات، والقناعة وقبول الرأي الآخر، وأن الاستثمار في العنصر البشري هو الأمثل للمجتمعات، وأن أخلاق أهل البيت A هي طريق النجاح والعيش بسلام، وعلمتني الحياة الكثير الكثير…
11/8/1440هـ