النجاح في تنمية القدرات بقياس مايكرو ابتكاري
د. زهير ياسين آل طه*
فلسفة ذكر (القدرة) على المنافسة المتضمنة في جملة “ضمان الجاهزية للمستقبل في صناعة مواطن منافس (وقادر) على المنافسة عالميا” فيها دلالة على الاستمرارية التنافسية نحو القمة واستدامتها، لارتباطها بالقدرات الذكية وبناء موقوماتها في الفرد وتنميتها، وقد تكون أكثر وقعا للحماس والانجذاب والاجتهاد نحو التنافسية المباركة، والجملة تلك تشع بريقاً وأملاً كبيراً تنموياً اقتصادياً معرفياً، بل وتتضمن الكثير من المعاني للذكاء الإستراتيجي مع ما يحمله من بعد مستقبلي استشرافي مبني على قراءة وتقييم الماضي والحاضر بدقة، الذي عادة ما تنبثق منه أية مبادرة لأي هدف لأية ركيزة لأي برنامج تنموي مؤمل بأعلى مستويات “النجاح” كمؤشر هرمي في القمة، وهكذا انبثق منه ودون شك برنامج تنمية القدرات البشرية الرائد بحق، الذي أعلن عنه سمو ولي العهد حفظه الله كأحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030.
والبرنامج التنموي اكتمل تخطيطاً وتوجيهاً بممكنات لتمكين الحركة التنفيذية بمعية القطاع الخاص والمؤسسات غير الربحية، ومفصلاً إلى 89 مبادرة تعلقت بستة عشر هدفاً إستراتيجياً مباشراً مرتبطاً بثلاثة من أهداف الرؤية، وبثمانية عشر هدفاً غير مباشر متقاطع مع ستة أهداف في الرؤية، لتحقيق ثلاث ركائز تُبرمَج افتراضاً بالقياس الخوارزمي الذكي الاصطناعي، كمؤشرات عليا بعد تحويل الأهداف إلى مؤشرات وسطية، والمبادرات إلى مايكرو مؤشرات قابلة للقياس. والركائز كما وردت هي “تطوير أساس تعليمي متين ومرن للجميع، والإعداد لسوق العمل المستقبلي محلياً وعالمياً، وإتاحة فرص التعلم مدى الحياة”.
والتعليم كحلقة حيوية ديناميكية وظهر كثيراً في البرنامج التنموي للقدرات في شموله المعرفة وصقل المهارة المهنية؛ هو رابط مشترك لثلاثة ركائز وقابل للقياس، للوصول لمؤشر القمة وهو “النجاح” من منظور هرمي من الأسفل للأعلى، وللنجاح نظريات وفلسفات تاريخية قديمة وحديثة كثيرة، فهل ستختزل الرؤية الواعدة نظرية جديدة للنجاح وفي استحقاقها لتأسيس يوم فريد من نوعه لها عالمياً وهو “يوم وطني للنجاح” بعد ما اتسع مدى نطاقها لبرامج تنموية ذكية داعمة ومرنة ناعمة ومتقاطعة ومرتبطة ومنجذبة بأهدافها ومفصلة تفصيلاً للإنسان الجنس الأساس في النجاح وحركته؟
ونزوحاً سريعاً نحو المعاني واشتقاقاتها وأفضليتها في الاختيار؛ فاختيار القدرات البشرية وليس الموارد البشرية له مغزى كبير وموفق، لأن الموارد البشرية تصاغ أيضاً برأس المال البشري، وهي تعبير شمولي متعدد المنافذ وقد لا يشمل بتعمق تنمية القدرات، فضلاً عن التدريب كمنفذ قريب للتنمية نوعاً ما في الموارد، فهو متقطع لاستيفاء طلب وحاجة محدودة أو مؤقت مرتبط بجهة واختصاص بعينه، والذي ليس بالضرورة فيه تنمية مستمرة جاذبة للتوسع المعرفي.
والقدرات هي الصياغة الأنسب والأدق في منظومة التنمية المعنية بفلسفة التنافسية العالمية “فلسفة الاستمرار والصعود للقمة واستدامة البقاء في القمة”، خاصة إذا جنحنا إلى الناحية الابتكارية الديناميكية ذات المستويات العليا الخارقة وقياسها باحترافية، والإبداعية الفذة وتنمية الذكاء وكفاءة المهارات وقابليتها وجهوزيتها للتطور المستمر والتحول مع مؤشرات الثورات الرقمية الذكية. “وتنمية القدرات تبقى مطلباً مفترضاً للتنافسية في عصر الذكاء الهجين الجماعي”.
ودور القياس مهم جداً في العملية الرقابية والتقييمية والتطويرية للإنجازات في هذا البرنامج الكبير، وعادة القياس المؤسسي يأخذ الدور الأعم في العملية من منظور إستراتيجي هرمي من الأعلى للأسفل، ولكنه قد يغفل الكثير من القياس “المايكرو مايكرو” إن صح التعبير للفرد، كون البرنامج التنموي هو للإنسان المواطن المنافس عالمياً أو القادر على المنافسة، والسبب يكمن في صعوبة القياس الفردي بعدالة واضحة وشفافة في ظل الأنظمة ما قبل الذكاء الاصطناعي، والشي بالشي يذكر في التوجهات العالمية لتأسيس أولي عالمي لقياس العمليات الابتكارية المنضوية تحديداً في الإيزو لعائلة مواصفات الابتكار ISO/TC 279، وكأحد أعضاء لجنة الخبراء ممثلاً للمملكة باسم SASO وأتحدث من وجودي في قلب الحدث التأسيسي لأكثر من مواصفة للابتكار منذ ثلاث سنوات تقريباً ومنها ISO 56008 المعنية بقياس عمليات الابتكار؛ فلا يزال الأمر مقتصراً على قياس الابتكار المؤسسي، وقياس الابتكار الفردي يسبح بعيداً عن التيار عله يجد ضالته يوما ما لصعوبته.
الحل في قياس ابتكار “المايكرو مايكرو” يكمن في برمجة منصة ابتكارية ذكية ديناميكية، يشترك فيها كل مواطن موجه للتعليم مدى الحياة كأحد الركائز الثلاث في البرنامج، وتفضي في النهاية لقياس التفاعل التبادلي المعرفي، الذي بدوره مع البرمجة الخوارزمية يستطيع تحديد الاتجاهات والتوجهات والكوامن التي يركز عليها المواطن المنافس من خلال مشاركاته في المنصة، لمكافأته وتقديره وشكره، ومنها تظهر للفرد نظرته ومعرفته وأي قصور في معرفته لتطويرها بنفسه وبمساعدة البرنامج أيضاً وتجسيرها، لأجل التنافسية والقدرة على بناء مقوماته التنافسية الثابتة معرفياً، حتى يسهل توظيفه وتشجيعه بما يتناسب ومعرفته وقدرته التنافسية، لأن المعرفة المؤقتة تتلاشى من الذاكرة مع الوقت، والمنصة ستكون الحاضنة التي تحفظ البيانات لكل أنواع المعرفة للفرد المنافس الدائمة منها والمؤقتة، وتؤرشفها وتستحضرها متى ما اشتاق إليها، وحتى دون الاشتياق يتم الاستحضار التذكيري الدوري لها بالبرمجة الخوارزمية لإبقائه في الحدث الديناميكي التفاعلي والتبادلي المعرفي.
*خبير الابتكار والذكاء الاصطناعي
@zuhairaltaha