“عشة” مجاز في اللغة والحياة قراءة في سيرة الشيخ حجاب بن يحيى الحازمي
“عشة” مجاز في اللغة والحياة
قراءة في سيرة الشيخ حجاب بن يحيى الحازمي
حتى وإن عشت أو درست في (عشة) فإن ذلك لن يمنعك أن تكون من عٌظماء هذا البلد. الأستاذ الكبير حجاب الحازمي أنموذجاً.
أكرمني عضو مجلس الشورى الحالي سعادة الأستاذ الدكتور: حسن حجاب الحازمي بعديد من كُتبه التي ألفها. ولكن في لقائي الأخير به في مدينة الرياض أكرمني بكتاب يحكي عن سيرة والده العم حجاب بن يحيى الحازمي بعنوان: من مشاوير الحياة – سيرة إنسان ومسيرة مجتمع.
وبحكم أنني من خارج منطقة جازان الجميلة فإن أول ما يلفتُ نظر الزائر لها عبر المطار ذلك المدخل التراثي الصغير المُسمى بـ (العشة) الذي أردتُ إيراده في عنوان هذا التقديم لهذا الكتاب لأنه أكثر ما لفتني من تكرار لهذا اللفظ في الفصول الأولى منه. الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية في أكثر من ٥٢٠ صفحة. اتخذ فيها المؤلف أسلوب دمج فيه سيرة التاريخ الخاصة بالسرد التوثيقي التاريخي للمنطقة والسكان. وقدم لنا وصفاً ببراعة حول الملامح العامة لبعض الحقب والأماكن التي كان فيها الكاتب والشاعر والمُدون والأب والمعلم والمدير والإداري الكريم.
عند بداية قراءتك للكتاب تتلمس فيه نَفَسَ التواضع الجم، مع أن كاتبه هو حجاب، ابن العلامة يحيى بن موسى الحازمي الذي كان من كبار علماء عصره في جازان، وهو أحد قضاة الملك عبدالعزيز حتى توفاه الله. مع ذلك فإن هذه المكانة لم تمنع الكاتب من بيان تواضع كبير أثناء السرد والتوثيق الخاص، كما أنهُ يُحمدُ له تأصيله لدور والدته الأساس في نشأته وتربيته بعد أن توفي والده العلامة وهو في الثانية من عُمره. كتاب يأخذك عبر مسيرة زمنية من بدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة إلى زماننا الحاضر. حول الموقع الجغرافي وطبيعة الحياة ووصفها، الأماكن، الطبيعة، المساكن وأجزائها وطرق بنائها بالكامل، الحياة بكل التفاصيل اليومية كطريقة جلب الماء والحيوانات المستخدمة والألعاب التي كان الأطفال يشغلون أنفسهم بها. مروراً بالجانب الأهم في الكتاب وهو الإصرار وبُعد النظر لوالدة الأديب حجاب بن يحيى، وذلك من ناحية تعليمه وتربيته والموافقة على اغترابه عنها لطلب العلم. إلى أن وصل إلى الرياض مروراً بالطائف التي وصلها بالطائرة. أما الرياض فعبد رحلة درامية يصف فيها الأديب أحوالهم مع الضياع في الصحراء لحين الوصول للعاصمة وقصة بداية تلفزيون الرياض إلى نهاية الدراسة الأكاديمية. حتى يعود ابن ضمد إلى موطنه مختصاً باللغة العربية أستاذاً معلماً للأجيال، وبعدها مُديراً متميزاً، ثم يختتم الكتاب بسرد حول الأعمال غير المرتبطة بالوظيفة التعليمية مؤصلاً كل شيء بالصور والمخطوطات والأشكال الهندسية والأدوات التراثية بالصور الملونة الواضحة.
في الصفحة ٤٤٤ لفتني عنوان متأخر وأستطيع أن أطلق عليه ”الأوائل الموُثّقة“ حيث كتب العم حجاب عنواناً لهذا القسم أسماه: أوليات متأخرة. سرد فيها أول الأشياء التي عاصرها وبقية عالقة بالذاكرة مثل رؤيته للسيل، أول مرة يشاهد فيها سيارة وأول مرة يشاهد فيها الجراد وهو يغطي الشمس وأول مرة يركب الطائرة وأول مرة يشاهد فيها السينما عام ١٣٨٥هـ وأوليات جميلة أخرى.
يسعدُ المرء حينما يوفقه الله لبناء عائلته بتمامها حيثُ يُرزق بزوجة تكون له العون والمعونة في الشدة والرخاء فلا يبخل عليها بالشُكر والثناء كما قام أديباً، ويُربي أبناءه على العلم والتعلم وطلبه وبذله وتطبيقه تزكية له وكحق للناس فيه عليهم. هكذا نجح العم الأديب حجاب بن يحيى الحازمي أن يُكوّن أسرة علمية عاملة امتداداً لمسيرة آبائه وأجداده لكي أفرادها على إرث الآباء ويُروثوه للأبناء، وهذا بالضبط هو مبدأ التنمية المستدامة.
أخيراً، ومع عمره الذي تجاوز ٧٦ عاما … لم يترك أديبنا الكبير التأليف ولا ممارسة شغف الكتابة حتى هذه اللحظة. وللمعلومية: حجاب الحازمي لم يختص فقط في حقول اللغة العربية والأدب والثقافة، وإنما نشط في التوثيق التاريخي والتأصيل التراثي لهذه الأرض الطيبة، وعلى إثر ذلك منحه الملك سلمان بن عبدالعزيز جائزته في بحوث ودراسات تاريخ الجزيرة العربية. فنحن إذا نقف أمام رجل تنطبق عليه المقولة المأثورة: فريق في فرقة.