حليب الإبل ذهب الصحراء الأبيض
د. إبراهيم الشبيث
رباب النمر
قال الله تعالى في الآية السابعة عشرة من سورة الغاشية:
(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) تلخص الآية الكريمة كثيراً من أسرار الإبل وفوائدها بحيث خص سبحانه وتعالى الإبل دون غيرها بهذا التساؤل المشير إلى التفكر والبحث، وتناولت هذه الآية الكريمة موضوع الإبل وما يتضمنه من أسرار وعجائب. وهو من المخلوقات التي دار حولها التساؤل الخاص دون غيرها من الحيوانات فجاء ذكرها في القرآن الكريم صريحاً.
تُعد الإبل رافداً اقتصادياً كبيراً جداً كونها تتواجد في مناطق شديدة الجفاف، وليست رعوية، وتفتقر إلى العشب الذي هو مصدر أساس لحياة الحيوان وتكاثره. ومع ذلك فهي قادرة على العيش في هذه المناطق، فهو يأكل الشوك والحشائش البرية، فطعامه قليل جداً وجاف. ويُنتج حليباً من أرقى الأنواع، ولحوماً ذات مواصفات مميزة تختلف عن لحوم بقية الحيوانات الأخرى. ويشير الإرث العام والباحثين المختصين إلى ناحية هامة وهي الاستخدامات الطبية العديدةللحوم الإبل وحليبه. ومن الجدير بالذكر أن الإبل لا تحتاج لرعاية الإنسان أو عنايته لتقديم الأكل والشرب إذا تركت في بيئاتها الطبيعية.
ويبلغ عدد الجمال في العالم حوالى خمس وثلاثين مليون رأس، ٨٩% منها من ذوات السنام الواحد (Camelus dromedarius)، و١١% من ذوات السنامين. (Camelus bactrianus). وهناك أنواع من الجمال الأمريكية، ومنها اللاما (Lama glama and Llama alpaca) التي تُعد من فصيلة الإبل، ولكنها دون سنام، وحجمها أصغر، وتشترك مع الإبل في الكثير من الصفات التشريحية والفسيولوجية.
يتواجد الجمل ذو السنام الواحد غالباً في كل من: غرب آسيا وأفريقيا والقارة الهندية. أما الجمل ذو السنامين فيتواجد في كل من: شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وعلى حدودها مثل تركمانستان حيث تجد النوعين كليهما: ذا السنام وذا السنامين، وفي شمال باكستان وشمال شرقها.
وفي بقية مناطق العالم يتواجد ذو السنام، وفي أستراليا أعداد هائلة جداً من الجمال. وغالباً ما يتم قتلها للتخلص من أعدادها الهائلة.
ولكن هناك نوايا ودراسات تمطح إلى استغلالها بالاتفاق مع الحكومة الأسترالية ولا يزال ذلك حتى الآن في حيز الأمنيات.
تختلف أنثى الإبل (الناقة) عادة في فترة إدرار الحليب فبعضها تعطي إنتاجها ما بين ثمانية إلى تسعة أشهر، ويتراوح مقدار الإنتاج ما بين ثمانمائة إلى 3600 لتر حليب في الموسم الواحد، ويعتمد ذلك على عوامل عدة، منها:
نوع الإبل، فبعضها مختص بإنتاج الحليب وبعضها تكوينه الفسيولوجي والوراثي يجعله الأفضل لإنتاج اللحم. ويعتمد كذلك على الموسم والفصل إن كان ربيعاً أو صيفاً، كما يعتمد على مكان الرعي الذي تتواجد فيه الإبل إن كان معشبا أو غير معشب. فكل هذه العوامل وسواها تزيد من كمية إنتاج الحليب، وتحسّن نوعه وتميز نكهته، ولهذا نجد اختلافاً في طعم الحليب ونكهته من منطقة إلى أخرى.
ولحليب الإبل أسرار وفوائد تطرق إليها العديد من الباحثين في جميع أنحاء العالم خاصة في المراكز البحثية التي تعنى بأسرار الإبل، كالمراكز الموجودة في كل من السويد والقارة الهندية وآسيا والكيان الصهيوني (وأبحاثه في صحراء النقب الفلسطينية) وغيرها.
*حليب الإبل والمستهلك:
دخل حليب الإبل في نطاق التجارة العالمية، فالطلب عليه في القارتين الأوربية والأمريكية فضلاً عن بقية دول العالم طلباً كثيفاً وأسعاره جنونية في بعض مواقع التجارة الإلكترونية مثل أمازون (amazone) وإيباي (ebay) وغيرها.ولم يقتصر الطلب الحثيث على الحليب الخام بل تعداه إلى التصنيع الغذائي، مثل الحليب المجفف والمُنَكَّه، وغيرها من وسائل التسويق التي تضمن تقديم منتج سليم إلى المستهلك خاصة في الدول التي لايوجد بها الإبل، لما لهذا الحليب من أسرار عجيبة في علاج المستعصي من الأمراض مثل حساسيات الجهاز التنفسي والحساسيات الجلدية، والكثير من الأمراض كالأورام السرطانية، نتيجة لاحتوائه على مادة اللاكتوفيرين (Lactoferrin ) المثبطة لنمو الخلايا السرطانية.
كما يعد حليب الإبل علاجاً للأمراض المتعلقة بأمراض فقر الدم كالأنيميا (anemia) إضافة إلى فاعليته كملين أو مسهل (laxative) (حسب راو وآخرون، 1970). إن حليب الإبل غني جداً بالبروتينات المثبطة التي تحبط العلاقة بين البروتين والبكتيريا حيث تموت لانقطاع البروتين عنها ولذلك فإن هذا الجزء من مكونات حليب الإبل الطبيعية تعطي قيمة غذائية وصحية للوقاية من الأمراض، ومن مكوناته: اللايسوزايم.
*خواص ومكونات حليب الإبل:
حليب الإبل معروف بخواصة الغذائية العالية، فهو مغذٍّ جداً لجميع الفئات العمرية، ويعرف عند الشعوب والمراكز البحثية المختصة بخواصه الطبية (medicinal value of camel milk) وهو ما يعرف بالقيمة الطبية لحليب الإبل. تذكر بعض التقارير أن حليب الإبل هو الأقرب لحليب الأمهات، اعتمادا على البحوث والدراسات المستفيضة لعقيل الخراساني عام 2005م، وكذلك العالم الهندي صباح الخير عام 2012م ، والكثير من التقارير التي تصل إلى المقارنة والمقاربة. أن حليب الإبل هو الأقرب لحليب الإنسان لما له من قيمة غذائية هامة، ولأهميته العلاجية. فنسبة السكر قليلة فيه وكذلك نسبة الكولسترول، مع ارتفاع في نسبة المعادن والفيتامينات تجعل منه منتجاً صحياً فريداً من نوعه وقيمته الغذائية. فهو غني بالعديد من البروتينات والفيتامينات والمعادن بنسب ملفتة للنظر. يحتوي حليب الإبل على نسب معتبرة من الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفات والمغنيسيوم والحديد والزنك والنحاس. ولا يخفى ما يلعبه الزنك من دور رئيس في عمل خلايا الجسم وتواصلها ببعضها البعض، حيث لا بد أن يدخل الزنك في هذا الحقل. وهو قليل جداً في المكونات الغذائية من مصادره، ولكن نسبته في حليب الإبل عالية.
وكذلك نسب الفيتامينات الدهنية (A,E,D) أو السائلة المائية (B, C) نسبها عالية جداً في حليب الإبل، وهي من الاحتياجات الحيوية الرئيسة للجسم ولا سيما لدى كبار السن على وجه الخصوص B vitamin. أما C vitamin فنسبته عالية جداً في حليب الإبل أعلى منه في حليب الأبقار بحوالي ثلاثة أضعاف (استاهل وآخرون ، 2006)، مايعد تعويضاً عن النقص في هذا الفيتامين الذي يعد النبات مصدراًرئيساً له، ولا سيما الفواكه التي لاتتوافر في البيئة الصحراوية وإن توافرت فإنها محدودة، فسبحان الله..
وعلى الرغم من تواجد الجمال في بيئة صحراوية جافة إلا أن نسبة الماء عالية جداً في حليب الإبل (water occupies 87%). إن كمية المحتويات الصلبة في حليب الإبل تشبه كثيراً كميتها في حليب الإنسان. protein 3.4%; lactose 4.4%; fat 3.5%; ash 0.79% (الحاج والكنهل ، 2010).
ومن ذلك تتضح أهمية البروتينات الموجودة في الحليب باعتبارها مصدراً كافٍ للإنسان ولا سيما للأطفال. وكان يستخدم بديلاً لحليب الأم في الأزمنة الغابرة حيث كانت الأم تُصاب ببعض الأمراض التي تحول بينها وبين إرضاع طفلها، حسب الباحثين مثل العجمي عام 2006م، وصباح الخير عام 2012م، وكذلك الخراساني عام 2005م، وآخرين سواهم.
*حليب الإبل والحفاظ على صحة البيئة والصحة العامة:
طبيعة تواجد الإبل في الصحراء والتصاق الإنسان بها أدى إلى أن تُحلب الإبل في بيئة تفتقر إلى أبسط قواعد الصحة العامة، وصحة البيئة. فلا تكييف ولا احتياطات صحية بيئية مع انعدام التبريد للحليب أثناء التداول وقبل وصوله للمستهلك في كثير من الأحيان خاصة في الدول الفقيرة والنامية بعيداً عن تكاثر الميكروبات، و على الرغم من ذلك فإن مدة بقاء هذا الحليب صالحاً للاستهلاك الآدمي هي الأطول إذا ما قورن بسواه من حليب الحيوانات الأخرى، وسبب ذلك وجود بعض المكونات بنسب عالية في حليب الإبل. ومن تلك المواد، البروتينات الحافظة التي تحتويها كاللاكتوفيرين واللايسوزايم واللاكتوبرودايز lysozyme, lactoferrin, lactoperoxidase and peptidoglycan recognition protein (PGRP) . ببتيدوجلايكان بروتين (PGRP) وهو بروتين له أهمية خاصة حيث أنه معروف بأنه بوابة دخول الميكروبات وهو يعمل مضاداً لها مما يعطي حليب الإبل shelf life عمر تخزيني أكبر من المعتاد لسواه من أنواع الحليب. كما يلعب إنزيم الليسوزايم lysozyme دوراً بارزاً في محاربة الميكروبات عبر تكسير الببتيدوجلايكان الموجود في جدار الخلية مؤدياً إلى موتها والقضاء عليها. وقد تعرض الكثير من الباحثين لهذه الخاصية في حليب الإبل ومكوناتها ودورها، ومن أهمهم فيرنري (Wernery 2007) وهو باحث ألماني صاحب خبرة عريقة وعميقة في ميدان الإبل وصحتها، وله رأي مسموع في جميع أنحاء العالم.
أما من ناحية الصحة العامة فيلعب اللاكتوفيرين Lactoferrin كما يذكر الباحثان الرضوان وتابل (EL-Redwan and Tabll 2007) دوراً مهماً في استهداف الميكروبات التي تستهدف الجهاز الهضمي خاصة ميكروبات الإيكولاي والسالمونيلا E. coli, Salmonella typhimurium الخطرتين على المستهلك إضافة إلى الميكروبات الأخرى التي لاتقل أهمية عنهما كميكروب الستاف الذهبي Staphylococcus aureus وغيرها. كما يلعب هذا البروتين دوراً مهماً في تثبيط نمو الفيروسات الفتاكة كالتهاب الكبد الوبائي ذي النوع سي hepatitis C virus وغيرها.
*القيمة العلاجية لحليب الإبل: Medicinal value of camel milk
أما القيمة العلاجية لحليب الإبل فقد تحدثت عنها التقاليد والفولكلور الشعبي، ووردت بشأنها أوراق علمية كثيرة جداً ومطولة، تذكر أشياء مهولة وغير عادية في هذا الحقل!
ولكن:
هل كل ما قيل تمت تجربته على الجميع؟
هل كل ما قيل من الممكن أن يحصل في كل مكان؟
في المحصلة النهائية فإن جميع ما كُتب في هذا المضمار يدل على أن لحليب الإبل قيمة استثنائية. وقد سبق في حديثنا أن في حليب الإبل بعض البروتينات التي تمنح الحليب حماية ضد الميكروبات الضارة، وهي البروتينات نفسها هذه، التي ستنتقل إلى جسم المستهلك الذي يتناوله وكأنه قد تناول مضاداً حيوياً مع فارق التشبيه، فللحليب- حسب البحوث المشار إليها سابقا- وظيفة المضاد الحيوي، ولكنه ليس بمضادٍ حيوي خام كالذي نتناوله بغرض العلاج والمصروف من المؤسسات الصحية، ولذلك فهو يمنح متناوليه خصائص مناعية، وكذلك يمنح زيادة في نسبة النمو للأطفال والشباب لما يحتويه من مواد مغذية ومقوية غنية، فيستطيع إيقاف تدهور بعض حالات الرعاش لدى كبار السن، وهذا حسب باحثين.
ويتكلم الباحثون عن نقطة رائعة دار حولها نقاش كثير وغزير، وهي أن حليب الإبل مضاد لنشاط الأورام السرطانية. فقد تناولت هذا الشأن كثير من الأوراق العلمية، وكذلك تناولته التجارب الحياتية الواقعية حيث أجريت لقاءات كثيرة في وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي مع مرضى بعضهم تماثلوا للشفاء، وبعضهم توقف لديهم نشاط الورم، وآخرين زال الورم ونشاطه تماماً.
نحن لا نثبت شيئاً ولا ننفيه، ولكننا ننقل وجود هذا الكلام في الأوراق العلمية وفي الموروث الشعبي لنصل في مجمل الكلام إلى حليب استثنائي هو حليب الإبل.
تذكر بعض التقارير، مثل جمال الدين عام 2012م أن في حليب الإبل صفة جميلة جداً فهو يقوم بوظيفة الأنسولين في الدم، لأن فيه بعض الجزيئات الشبيهة بالأنسولين، ولذا من الممكن أن يكون نوعاً من الوقاية لمرض السكر.
وفي المقابل فإن أقروال عام 2002م أجرى تجربة على مجموعتين كل أفرادها مصابون بمرض السكر، إحدى المجوعتين تناول أفرادها حليب الإبل، وأفراد المجموعة الأخرى لم يتناولوه، ثم قام بقياس نسبة السكر لدى كل منهم مع عدم تناولهم شيئاً آخر من الممكن أن يؤثر على هذه النسبة. فوجد أن لدى المجموعة الأولى انخفاض واضح للجولوكوز في الدم.
وقد تحدث ليفي- وهو عالم يهودي شهير- عن الأهمية العلاجية لحليب الإبل عام 2013م، وهو باحث مهم في هذا الاتجاه.
أما بالنسبة للحساسيات فقد تحدث ميرين وعلماء آخرون عام 2001م حول (crawn disease) وهي تقرحات الجهاز الهضمي ابتداء من الفم حتى فتحة الإخراج، وهو الذي اختلف العلماء حول مسببه هل هو المايوبكتريا، أو هو نوع من الأمراض المناعية Autoimune disease حيث تم ملاحظة أن حليب الإبل علاج فعال لهؤلاء المرضى ومعين لهم لرفع المعاناة الشديدة. وكذلك لحليب الإبل أهمية في علاج حساسيات الأطفال الجلدية أو الجهاز التنفسي.
يطول الحديث حول حليب الإبل وأسراره وفوائده إلا أنه يبقى منتجاً هو ذهب في صحراء جل إنتاجها جفاف ومعاناة ليكون بلسما شافيا ومعينا..
سنكون على موعد وحسب تجاوبكم مع الشق الآخر ، أسرار لحوم الإبل.
………….
References:
Aghili Khorasani, Hossein Mohammad. Qarabadin-e-Kabir. first Edition (2005). University of Medical Sciences; Tehran.
Al-Haj OA, Al-Kanhal HA. (2010). Compositional, technological and nutritional aspects of dromedary camel milk. Int Dairy J. 20:811–821. doi: 10.1016/j.idairyj.2010.04.003.
El-Agamy E (2006). Camel milk, in Handbook of milk of non-bovine mammals. In: Park YW, Haenlein GFW (Ed.) Blackwell Publishing: Ames, Iowa USA Pp: 297-344.
Rao MB, Gupta RC, Dastur NN (1970) Camels’ milk and milk products. Indian J Dairy Sci 23: 71-78.
Sabahelkhier MK (2012). Comparative Determination of Biochemical Constituents between Animals (Goat, Sheep, Cow and Camel) Milk with Human Milk. Research Journal of Recent Sciences. 1(5):69–71.
Stahl T, Sallman HI, Duehlmeier R, Wernery U. (2006). Selected vitamins and fatty acid patterns in dromedary milk and colostrum. J Camel Pract Res. 13(1):53–57.
Wernery U. (2007). Camel milk – new observations. In: Gahlot TK, editor. Proceedings of the International Camel Conference. Bikaner: CVAS; p. 200–204.
Agrawal R, Swami S, Beniwal R, Kochar D, Kothari R. (2002). Effect of camel milk on glycemic control, risk factors and diabetes quality of life in type-1 diabetes: a randomized prospective controlled study. Int J Diabetes. 22:70–74.
Levy A, Steiner L, Yagil R. (2013). Camel milk: disease control and dietary laws. J Health Sci. 1:48–53.
Ajamaluddin M, Abdulrahman A, Ewa S, Jerzy J. (2012). A study of the anti-diabetic agents of camel milk. Int J Mol Med. 30:585–592.